(17) نمط المناضل
محمد علي يوسف
كلمةٌ تتكرَّر كثيرًا ويراد بها تلميع أو تزيين أشخاص تعوَّد أناس على توزيع الألقاب عليهم مجانًا وببساطة وجرأة منقطعة النظير، يعطي بها من لا يملك ما لا يملك لمن لا يستحق بينما يظل المناضلون الحقيقيون في الظل لا يعرفهم الناس ولا يعلمون عنهم شيئًا وهذا في الحقيقة لا يضيرهم فيكفيهم أن ربهم يعرفهم..
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
كلمةٌ تتكرَّر كثيرًا ويراد بها تلميع أو تزيين أشخاص تعوَّد أناس على توزيع الألقاب عليهم مجانًا وببساطة وجرأة منقطعة النظير، يعطي بها من لا يملك ما لا يملك لمن لا يستحق بينما يظل المناضلون الحقيقيون في الظل لا يعرفهم الناس ولا يعلمون عنهم شيئًا وهذا في الحقيقة لا يضيرهم فيكفيهم أن ربهم يعرفهم..
والحقيقة أن النضال قيمة أسمى بمراحل ومعنىً أعمق بكثير مما يروجه البعض ويوزعون صكوكه كأنما يوزعون من مال آبائهم..
إن المناضل الحقيقي هو ذلك البطل الذي لم يرهبه القمع ولم يخوفه الظلم ولم يثنه التلفيق والبغي عن الصدع بكلمة الحق في كل وقت وتحت أي ظروف ومهما كانت التضحيات..
المناضل الحق هو هذا المجهول الصامد في دياجير البطش، الثابت على مواقفه المُشرِّفة ومبادئه الراسخة لم يُغيِّر ولم يُبدِّل في زمان التلون والخداع والتراقص على جثث الثوابت والقيم..
المناضل الحق هو ذلك المنصف في زمان التعصُّب، الحريص على حقوق الناس حتى وإن خالفوه المنتصر للضعيف والمضطهد ولو كان على غير توجهه فهو باحث عن الحق والعدل يدور معهما حيثما دارا..
المناضل الحق هو ذاك الصنديد الأبيُّ الذي رفض الركوع إلا لله وبصق الذل الذي يُصِرُّ البعض على سقياه وأنفت نفسه من تجرع مرارة الهوان وانحناء الجباه..
المناضل الحق هو ذلك المتولي إلى الظل حين المغنم، المُتقدِّم تحت حمأة القيظ حين المغرم، تراه حيث انتهى به المجلس حين يتطاول الناس بأعناقهم ابتغاء التهليل والثناء والمثوبة، بينما تجده في الصفوف الأولى رافعًا رأسًا كريمًا وسط رؤوس أخضعها دوي البطش وعموم القمع وقرع العصا..
المناضل هو أحد صقور الخلق عزيزيِّ النفس مستقلي الرأي ممن لا يطيقهم المستبدون وفي وجودهم لا يستريحون ومع إيجابيتهم لا يتعايشون حتى لو كانوا على الفكر والنهج نفسه، فإما أن يهمشوهم ويقصوهم وإما أن يشوهوهم وبكل بهتان يرموهم أو حتى ينفوهم ويفنوهم فلا يبقى حولهم إلا دنيء نفس من أراذل الخلق، أو حمائم الناس سهلي المعشر والانقياد ممن قد تسبق أسماءهم الألقاب العريضة وتملأ سيرهم الذاتية الشهادات والدرجات الفخيمة، لكنهم يشتركون جميعًا في صفات الذلة والانقياد والانبهار الدائم بسيدهم والتعايش مع كونهم مجرد صدى لأفكاره أو امتداد لرغباته وطموحاته..
المناضل الحق هو ذلك الواعي المدرك لقضايا أُمَّته المعني بشئونها والذي لا تدفعه المشاعر والعواطف فحسب؛ ولكنه يعقل ويعلم ويفهم ويزن الأمور بميزان دقيق غايته الحق ووسيلته كذلك لا بُدَّ أن تكون بالحق..
المناضل هو ذلك التقيُّ الخفيُّ الذي ربما لا ترى سمته أو تميز صوته ولكنك تعرف أثره وتشعر ببذله وتلمح ثمار نضاله في كرامةٍ وعِزَّةٍ ترفرف حوله ما كانت لتنطلق في الآفاق - لولا أن حرَّرها وأمثاله من قيود الخوف وآصار الذلة والانبطاح..
المناضل الحق هو ذلك الذي زهد فيما عند الناس واختار ما عند الله فاستوى عنده نعيم الدنيا ببلائها ولم يخشَ في الله لومة لائم أو قيد سجَّان أو بطش مُستبِد وطغيان..
هذا هو المناضل الحق الذي أعرفه والذي لا أريد أن أعرف غيره.. من مناضلي المكاتب والأضواء الباهرة والأرائك الوثيرة والميكروفونات اللامعة من الذين يهوى سلاطين الجور وضعهم على يسار عروشهم الزائلة - لإكمال المنظر وتزيين الصورة الزائفة بهؤلاء المناضلين المنعمين الآكلين فُتات موائد المستبدين بالشوكة والسكين والاسم .. مناضلين!