درجة حديث: «أفطر عندكم الصائمون»
عمر بن عبد الله المقبل
تخريج حديث: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة».
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
أحاديث الدعاء لمن أفطر عنده، ورد في ذلك عدة أحاديث منها:
ما رواه (أبو داود: [4/189]) في كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده ح: [3854]: حدثنا مخلد بن خالد، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ».
تخريجه:
1- (أخرجه أحمد [3/138])، و(الطبراني في "الدعاء": [2/1332]، ح: [924] عن إسحاق الدبري)، و(البيهقي في [الآداب:110] ح: [329] من طريق أحمد بن منصور، ثلاثتهم: (أحمد، والدبري، وابن منصور) عن عبد الرزاق) -وهو في (المصنف: [4/311]، ح: [7907]- به بنحوه ولفظ عبد الرزاق في المصنف: « » بدلاً من: « »، إلاّ أن أحمد قال في روايته: عن أنس أو غيره بالشك، وفي أول حديثه قصة عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة، وقال في حديثه: "فجاء سعد بزبيب").
2- (وأخرجه الترمذي: [5/55] في الاستئذان، باب ما جاء في التسليم على الصبيان ح: [2696])، و(النسائي في (الكبرى: [5/92]) في المناقب، باب أبناء الأنصار رضي الله عنهم ح: [8349] عن قتيبة بن سعيد)، و(البزار (كشف الأستار: [2/420]، ح: [2007])، و(البيهقي في (الكبرى: [7/287] من طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب)، كلاهما: (قتيبة، وابن أبي الشوارب) عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت به لكن لم يذكر قتيبة في حديثه سوى قصة سلام النبي صلى الله عليه وسلم على أبناء الأنصار، وفي حديث ابن أبي الشوارب قصة في أوله، وكلاهما رواه عن جعفر، عن ثابت، عن أنس بدون شك.
3- وأخرجه النسائي في الكبرى (عمل اليوم والليلة: [6/ 81-82] باب: ما يقول إذا أفطر عند أهل بيت، ح: [10128–10130] من طريق معاذ بن هشام، وخالد ابن الحارث، وعبد الله بن المبارك، و(أحمد: [3/102])، و(الدارمي: [1/451]) ح: [1721] عن يزيد بن هارون، و(أحمد: [3/118]) عن وكيع، وإسحاق الأزرق، والبيهقي في (الكبرى: [4/240] من طريق مسلم بن إبراهيم، سبعتهم: (معاذ، وخالد، وابن المبارك، ويزيد، ووكيع، وإسحاق، ومسلم) عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، والطبراني في (الدعاء: [2/1233])، ح: [925] من طريق إبراهيم بن المستمر، عن شعيب بن بيان، عن عمران بن القطان، عن قتادة، كلاهما: (يحيى، وقتادة) عن أنس بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند قوم قال: « ....» فذكره، إلاّ أن ابن المبارك لم يذكر في حديثه قوله: « »، وهي في حديث يزيد، ومسلم، ووكيع، والأزرق، ومعاذ بن هشام:«».
الحكم عليه:
إسناد أبي داود متصل ورجاله ثقات، لكن هذا الحديث من رواية معمر عن ثابت وهي منتقدة عند الأئمة، فقد قال علي بن المديني: "وفي أحاديث معمر عن ثابت أحاديث غرائب ومنكرة"، وذكر -أي ابن المديني- أنها تشبه أحاديث أبان بن أبي عياش، وقال يحيى بن معين: "حديث معمر عن ثابت مضطرب كثير الأوهام"، وقال العقيلي: "أنكرهم رواية عن ثابت: معمر، كما في شرح العلل [2/691]، وينظر [2/804]".
وقد توبع معمر من قبل جعفر بن سليمان الضبعي، وهو صدوق زاهد، لكنه يتشيع، كما في (التقريب: [140])، إلاّ أن في روايته عن ثابت أيضاً كلام؛ فقد قال ابن المديني: "أكثر عن ثابت، وكتب مراسيل، وفيها أحاديث مناكير، عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الأزدي: كان فيه تحامل على بعض السلف، وكان لا يكذب في الحديث ويؤخذ عنه الزهـد والرقائق، وأما الحديث فعامة حديثه عن ثابت وغيره فيها نظر، ومنكر" ا. هـ، من (تهذيب التهذيب: [2/ 86-87]).
وقد صحح النووي هذا الحديث -بإسناد أبي داود- في (الأذكار)، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر -كما في (الفتوحات الربانية: [4/343])- حيث قال: "وفي وصف الشيخ هذا الإسناد بالصحة نظر؛ لأن معمراً وإن احتج به الشيخان فروايته عن ثابت بخصوصه مقدوح فيها -ثم ذكر كلام بعض الأئمة في رواية معمر عن ثابت، ثم قال-: "وفي هذا السند مع ذلك علة أخرى، وهي: التردد بين أنس وغيره عند الإمام أحمد؛ لاحتمال أن يكون ذلك الغير غير صحابي. ولو وصف الشيخ المتن بالصحة لكان أولى؛ لأن له طرقاً يقوي بعضها بعضاً" ا.هـ.
وما ذكره الحافظ من الاحتمال، زال برواية الذين جزموا ممن تابعوا الإمام أحمد عن عبد الرزاق، وبرواية جعفر الضبعي أيضاً، فقد جزم فيها بأنه أنس، والله أعلم.
أما طريق يحيى بن أبي كثير: فهي منقطعة؛ فإن يحيى لم يسمع هذا الحديث من أنس كما نصّ عليه أبو زرعة الرازي، كما في المراسيل لابن أبي حاتم (243)، وقال: "إن المرفوع في طريق يحيى هذا وهم، والصواب المرسل". ا.هـ.
وقال النسائي في (سننه الكبرى: [6/82]): "يحيى بن أبي كثير لم يسمعه من أنس". ا.هـ.
وكذا البيهقي في (الكبرى: [4/240])، قال بنحو مما قاله النسائي، وزاد: "وإنما سمعه عن رجلٍ من أهل البصرة، يقال له: عمرو بن زنيب، ويقال: ابن زبيب عن أنس ". ا.هـ.
وعمرو هذا له ترجمة في (التاريخ الكبير: [6/332])، و(الجرح والتعديل: [6/233])، وذكره ابن حبان في (الثقات: [5/174])، وذكره ابن حجر في (التعجيل: [2/63])، وهو إلى المجاهيل أقرب، ولذلك لما أورد الهيثمي حديثاً من طريقه في (المجمع: [5/225]) قال: "فيه عمرو بن زنيب، لم أعرفه ".ا.هـ.
وأما طريق قتادة: فقد رواها عنه عمـران القطـان، وهو صـدوق يهم، كما في (التقريب: [429])، وعن عمران: شعيب بن بيان، قال الجوزجاني: "له مناكير"، وقال العقيلي: "يحدث عن الثقات بالمناكير، وكان يغلب على حديثه الوهم" -كما في (تهذيب التهذيب: [4/317])-، وعن شعيب: إبراهيم بن المستمر، قال عنه النسائي مرة: صدوق، وقال مرةً: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: "ربما أغرب" كما في (تهذيب التهذيب: [1/148]).
وبهذا يتبين أن هذه المتابعة لا تفيد شيئاً، لما يلي:
1- تسلسل الإسناد بمن وصفوا بالإغراب والخطأ.
2- تفرد عمران القطان -حسب البحث- إذ لم أقف على متابع له عن قتادة، وهذا التفرد يدل على نكارة الإسناد.
3- عنعنة قتادة، ولم أقف على طريق صرّح فيه بالسماع.
والمقصود أن حديث أنس، طرقه كلها فيها ضعف، وبعضها شديد الضعف.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة، ومنهم:
1- عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند قوم قال: « ».
أخرجه الطبراني في (الدعاء: [2/1233]) ح: [926]، وفي إسناده الوليد بن مسلم، وهو وإن كان ثقة، إلاّ أنه يدلِّس كثيراً تدليس التسوية، وتدليس الشيوخ، وفيه أيضاً: سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، وهو "صدوق يخطئ" وهذا الذي وصفه به الحافظ في (التقريب: [253])، هو خلاصة ما قاله الأئمة فيه، كما في ترجمته في (تهذيب التهذيب: [4/187]).
2- عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:
أخرجه (ابن ماجة: [1/556] باب في ثواب من فطر صائماً ح: [1747])، و(ابن حبان: [12/107]، ح: [5296]) من طريق مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال: « ».
والحديث مداره على مصعب بن ثابت، وهو ضعيف، وبه ضعَّفه البوصيري في (المصباح: [1/309])، وفي الحديث علة أخرى، وهي الانقطاع بين مصعب وجدِّه عبد الله، فقد ذكر المزي في (ترجمته: [28/19]) أن روايته عن جده مرسلة، ووافقه على ذلك أبو زرعة العراقي في كتابه (تحفة التحصيل: [305])، ومع ذلك فقد صححه ابن حبان، فلعله صححه لشواهده الكثيرة التي تقدم ذكر بعضها.
والله أعلم.