أنماط - (32) نمط: امضِ ولا تلتفِت!
أما عن نمط الأخ بتاع "امضِ ولا تلتفِت" فهذا نمط لطيف للغاية!
شخصية في غاية الثقة بالنفس تشعر كأنما يُوحى إليه! أو أن ذلك الخيار الذي اختار المضي فيه إنما هو الحق المبين المُطلَق الذي يستحيل أن يأتيه الباطل! وهو دائمًا مشغول ولا يمتلك أي وقت للمراجعة أو النقاش..!
لازم يمضي..
ولا يلتفت..
ويكأنه جعل نفسه مكان سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حينما قال له النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة؛ ونسي أو تناسى أن ما يفعله هو مجرَّد رأي وليس وحيًا معصومًا كالذي يتكلَّم به النبي عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليمات..
إن كنت من أهل ذلك النمط ونصحك إنسان أو حتى انتقدك فلديك عِدَّة خيارات للتعامل مع ذلك النقد وتلك النصيحة:
أول تلك الخيارات هو خيار: لا يلتفِت العتيد..
خيار يتلخَّص في ألا تعبأ به وتمضي في طريقك بحجة: "لا تلتفِت" على أساس أنك (مش فاضي) ولا وقت لديك لهذه الأمور المعطِّلة لمسيرتك المُقدَّسة (عندك)..
الخيار الثاني هو خيار: كُلُّهم كلاب..
في هذا الخيار لا بُدَّ أن تنظر إلى ناقدك أو ناصحك على أنه مجرَّد كلب؛ وبالتالي تنطبِق في تلك الحالة أمثال من نوعية: "القافلة تسير والكلاب تعوي"، و"لا يضير السحاب نبح الكلاب"، و..
لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرًا *** لصار الصخر مثقالًا بدينار
إنه خيار سوء الظن بالناصح أو الناقد فلا شك عندك أنه حاقدٌ عليك كارهٌ لك متربِّص بأخطائك، أو ربما هو منافق لا يريد لك الخير ولا يُفكِّر إلا في فضحك وتعطيل مسيرتك ومسيرة متبوعيك المباركة! فببساطة لتكون من هذا النمط اقنع نفسك أن مخالفك أو ناصحك "كلب" ثم دعه... ينبح!
الخيار الثالث هو خيار: مين ده أصلًا؟!
إنه خيار الاحتقار والتسفيه المُسبَق والتجهيل الأصيل..
في هذا الخيار عليك أن تعتبر ناقدك يقينًا مخطئ ولا يمكن أبدًا أن يكون مصيبًا في نقده، فما هو إلا جاهِلٌ أو مُنحرِف المنهج لا يفقه تلك الرؤية الثاقبة التي لا يدركها إلا غيرك وأشباهك..!
وهل يُعقَل أن يكون رأيك صواب يحتمل الخطأ؟!
هل يُعقَل أن تكون أنت المخطئ مثلًا؟!
مش معقول طبعًا..
حاشا وكلا..!
هيَّا.. لا بُدَّ من الرد عليه بقسوةٍ ولا مناص عن تجهيز حملة تبريرات سريعة ولا فِكاك من فضحه على رؤوس الأشهاد، والتقليب في تاريخ حياته وتجهيز (باكدج) التُّهم المعلَّبة التي تنتهي بحرف الياء! فهو حركي أو خارجي أو حتى تكفيري! ولا مانع من بيان ضمني لعصمتك وعصمة رأيك ورأي من تتبع في مواجهة ضلالات أولئك المشككين الجهلة - الذين لم يهتدوا إلى الاقتناع بهذا الرأي الذي لا يأتيه الباطل أبدًا والذي سيدركون عظمته وروعته بعد أن تثبت لهم الأيام صحة قولكم وسيعترفون يومًا أنكم كنت دومًا رائعين..
أما الخيار الرابع فهو ببساطة نقيض كل ما سبق وهذا أبعد الخيارات عن أخينا (امضِ ولا تلتفِت)!
إنه خيار: أن تنظر إلى نقده بعين الاعتبار..
أن تُنزِل نُصحه منزلةً جادة..
وأن تجعل ولو احتمالًا يسيرًا أنه قد يكون على حق، ولعله يريد بك الخير ويتمنى لك الأفضل، ويحب لك ما يحبه لنفسه، وأنه ربما لا يكون منافقًا مُتربِّصًا ولا حاقِدًا حاسِدًا ولا كلبًا نابِحًا أو مشكِّكًا جاهلًا..
أن تحاول أن تستفيد من نقده أو على الأقل تحمله على أفضل وجوهه وهو النُّصح لله والرغبة في الإصلاح - أن تتذكَّر حقيقة جامعة مانعة قالها حبيبك صلى الله عليه وسلم..
حقيقة أن: «
وأن تفترض أنك ومتبوعك أحيانًا تُخطِئون وربما تَزِلُّون، وأنه لا مانع أن تقف أحيانًا مع نفسك لتراجعها وتُصحِّح مسارها ومسيرتها..
تلك المسيرة التي هي ليست في الحقيقة معصومة ولا مُقدَّسة وأن عليها أحيانًا أن... (تلتفِت).
ــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (جزءٌ من حديثٍ رواه البخاري ومسلم).
- التصنيف: