حرب الشائعات
وتتطوّر الشائعات بتطور العصور، ويمثّل عصرنا الحاضر عصراً ذهبياً لرواج الشائعات المغرضة، وما ذاك إلا لتطوّر التقنيات، وكثرة وسائل الاتصالات، التي مثّلت العالم قرية كونية واحدة، فآلاف الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية تتولّى كِبرَ نشر الشائعات المغرضة، والحملات الإعلامية المحمومة، في صورة من أبشع صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي له دوافعه المشينة، وأغراضه المشبوهة ضد عقيدة الأمة ومُثلها وثوابتها وقيمها..
الشائعات من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية، بل من أشد الأسلحة تدميراً، وأعظمها وقعاً وتأثيراً، وليس من المبالغة في شيء إذا عُدَّت ظاهرةً اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج، وحرِيةٌ بالتصدي والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها، حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة، التي هي عماد نجاح الأفراد، وأساس أمن واستقرار المجتمعات، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات.
تعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وكم حطمت الإشاعة من عظماء، وكم هدمت الإشاعة من وشائج، وكم تسببت الشائعات في جرائم، وكم فككت الإشاعة من علاقات وصداقات، وكم هزمت الإشاعة من جيوش، وكم أخرت الإشاعة في سير أقوام؟
وقد ظهرت في مصر مؤخراً بعض الشائعات التي أثرت تأثيراً سلبياً على الرأي العام، والتي وصلت إلى هذا الحد من الانتشار والسرعة التي فاقت مثيلاتها كنتيجة طبيعية لنقص المعلومات حول موضوع الشائعة، إلى جانب عدم ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية أو عدم استطاعة المؤسسات الرسمية بناء قدر محترم من الصدق والمصداقية بينها وبين المواطن، مما أدى إلى انتشار الشائعات بهذه السرعة، ولعل سبب السرعة هو مساهمة الصحافة الصفراء والمواقع الإخبارية، بل ربما الصحافة المصرية بعمومها في هذه المرحلة في وجودها، وهي صناعة وترويج الشائعات..
فمن السهل أن تجد العناوين الرئيسية للصحف تتناول الحياة الخاصة لشخصية عامة بشكل فج وقبيح، وتنشر عنواناً كبيراً هو في حقيقته مختلق وكاذب، ولا مانع من بعض الصور أو حتى الوثائق المفبركة المصاحبة للخبر الذي هو في حقيقته من وحي خيال شخص معين، وأسوأ ما في الأمر أن كل ما ينشر على الإنترنت عن أي إنسان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، حذفه، ويظل موسوماً بالشخص تتداوله الأجيال، وهو في حقيقته ليس سوى خليط من الأكاذيب المختلطة.
وتتطوّر الشائعات بتطور العصور، ويمثّل عصرنا الحاضر عصراً ذهبياً لرواج الشائعات المغرضة، وما ذاك إلا لتطوّر التقنيات، وكثرة وسائل الاتصالات، التي مثّلت العالم قرية كونية واحدة، فآلاف الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية تتولّى كِبرَ نشر الشائعات المغرضة، والحملات الإعلامية المحمومة، في صورة من أبشع صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي له دوافعه المشينة، وأغراضه المشبوهة ضد عقيدة الأمة ومُثلها وثوابتها وقيمها، غير أن في عمليات النشر أو عمليات النفي بعد ذلك لصرف الناس عن قضاياهم المصيرية، حيث من طبيعة البشر عشق الشائعات وقضاء الأمسيات في الحديث عن الشخصيات العامة وما فعله فلان وما تركه ترتان، ويتركون هموم وطنهم الحقيقية.
وحتى لا نظلم المجتمع المصري فإن عشق الشائعات والحديث عنها قديم قدم الأزل، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينجُ منه، وحديث الإفك عن السيدة عائشة سجله القرآن الكريم؛ ليدلل على طبيعة البشر حتى لو كانوا من الصحابة، وطبيعة الناس حتى لو كانوا يعيشون في عصر النبوة، وتتجاوز الأمور الشائعات إلى السب والقذف في كثير من الأحيان، وكل مرض له علاج وعلاج هذا بشيئين؛ أحدهما طويل الأمد بإعادة ترسيخ القيم في حياة الناس، وعلاج قصير الأمد بتفعيل القوانين التي تحمي أعراض الناس وحياتهم وتشديد العقوبات وتطبيقها في هذا الجانب، نحن أمام كارثة إعلامية تتطلب معالجة سريعة تضمن عدم المساس بحرية تداول المعلومات وفي ذات الوقت تحصن المجتمع ضد آفات الشائعات قبل انتشار وتفحش هذا المرض.
علي حسن السعدني
- التصنيف:
- المصدر: