كانت الهمة أقوى من الإعاقة

منذ 2014-07-07

أقول والله أعلم حتى يتنَّسىَ لنا معرفة نعمة الله علينا من الصحة والعافية التي لا يرضى أي واحد منا أن يتنازل عن أي شيء منها؛ بحيث لو زار الواحد منا مريضًا انكسرت شوكته تجاه هذه الحياة الدنيوية الزائفة التي يطمع أن يصل إلى آخرها وهو ما يدري أنه مهدد بأحد أمرين: إما أن يعترض له عارض في مشوار الحياة، وإما أن يشرب من كأس الموت الذي ينتظره بل ويكرهه كثير من الناس، فهو لا بد له أن يتجرع من أحدهما.

أكتب لكم عن شاب طموح شاب بلغت همته العنان، طالبة تلك الجِنان شاب يريد عفو الرحيم المنان.
أكتب لكم عن ذلكم الشاب الذي أحببته في الله، شاب طالما حدثني عنه أخي الحبيب شاب يطمح أن يكون من الداخلين من باب الريّان فهو ممن يكثر من صيام النوافل، و يتمنى أن يستظل بعرش الرحمن فقد أكرمه الله بأن نشأ في طاعته.

شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، عمره لا يتجاوز الثانية والعشرين سنة يخجلك من بسمته البرّاقة فهي لا تفارقه بل وأصبحت جزءً من حياته، قد ابتلاه الله بإعاقة تامة في جسمه منذ ولادته ولكن الله أبدله خيرًا من ذلك كله؛ أبدله بعقل لو وُزِن بآلاف من العقول لرجح عليها؛ وما ذاك إلا وقد أهداه الله ما يتمناه كل مسلم على هذه البسيطة.

أعطاه نعمةٌ حرمها الكثير منا نعمةٌ تحدّث عنها الصادق المصدوق في حديث نحفظه جميعًا حيث يقول فيه المصطفى صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّم: « لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثنَتَينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ القُرآنَ فَهُوَ يَتلُوهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنفِقُهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ» (صحيح البخاري).

فهو ممن يحفظ كتاب الله بإتقان بل وحفظه في أقل من سنة، وممن يداوم على مراجعته على الأقل خمسة أجزاء في اليوم والليلة؛ كلّما سمع تلاوة إمام المسجد القريب من بيته أخذ يتابع معه، وكذلك من خلال أشرطة التسجيل وخاصة لأئمة الحرم المكي حفظهم الله.

فهنيئًا له هذا السمو والعلو الذي حُرمه الكثير من الناس، وهنيئًا لوالديه اللذَين بشرهما النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول عن الحافظ ووالديه أنه : «يُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الوَقَارِ وَيُكسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَينِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهلُ الدُّنيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟! فَيُقَالُ: بِأَخذِ وَلَدِكُمَا القُرآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقرَأ وَاصعَد فِي دَرَجَةِ الجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقرَأُ هَذًّا كَانَ أَو تَرتِيلًا» (صححه السيوطي في البدور السافرة:73، وحسن على شرط مسلم عند ابن كثير في تفسير القرآن:53/1).

التقيت معه أكثر من مرة؛ فلا أملُّ من مجالسته، وما أخرج إلا وقد أعطاني جُرعة في حفظ كتاب الله ومراجعته والعمل به، ويعطيني درسًا في الاستفادة من النعمة التي أسداها لنا الخالق سبحانه من العافية في البدن.

أخي القارئ الكريم:
تقول الحكمة: "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا ينظر إليه إلاّ المرضى"، فلماذا لا نحمد الله على هذه الصحة والعافية التي بين جوانحنا؟؟ ألا يستحق ذلك منا الشكر لمن أسداها إلينا؟!

يقول نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : «مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا فِي سِربِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا» (سنن الترمذي).

أخي الحبيب! يا من تقرأ كلامي هذا هل تفكرت قليلًا في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة المرضى، بل ومن يعود مريضًا فكأنه جالسٌ في الجنة يخرِف -أي: يقطف- من ثمارها، لماذا رغبنا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟؟

أقول والله أعلم حتى يتنَّسىَ لنا معرفة نعمة الله علينا من الصحة والعافية التي لا يرضى أي واحد منا أن يتنازل عن أي شيء منها؛ بحيث لو زار الواحد منا مريضًا انكسرت شوكته تجاه هذه الحياة الدنيوية الزائفة التي يطمع أن يصل إلى آخرها وهو ما يدري أنه مهدد بأحد أمرين: إما أن يعترض له عارض في مشوار الحياة، وإما أن يشرب من كأس الموت الذي ينتظره بل ويكرهه كثير من الناس، فهو لا بد له أن يتجرع من أحدهما.

نسأل الله أن يطيل في أعمارنا على حسن عمل، وأن يلطف بأحوال المسلمين، وأن يردهم إليه ردًا جميلًا، وأن يعافي بلطفه مرضانا ومرضى المسلمين، وأن ينفع بالأخ الحبيب وأن يكلأهُ برعايته وأن يثبّته على الخير وأن يحقق له أمانيه وأن يعظم له أجره.

وأسأله سبحانه أن يجمعنا وإيّاه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وجزاه الله خير الجزاء على تسببه في كتابة هذه الكلمات وأن لا يحرمنا أجره. 

المصدر: موقع يا له من دين
  • 1
  • 0
  • 2,798

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً