خطبة السلطان المولى سليمان العلوي في الانتصار للسنة ومحاربة بدع الطوائف
إنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام، من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر الحرام وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والأثام.
بسم الله الرحمان الرحيم وصل اللهم علي نبينا محمد سيد ولد ادم ولا فخر وشرف وعظم ومجد وكرم وعلي سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي ذوي الفخر الجلي والقدر العلي ثم اما بعد
الخطبة البليغة للمولى سليمان رحمه الله
سلطان المغرب الأقصى، سليمان بن محمد بن عبدالله العلوي، أبو الربيع، بويع بفاس سنة ست ومائتين وألف من الهجرة، بعد وفاة أخيه يزيد ابن محمد إثر معركته مع أخيه هشام.
قال صاحب الاستقصاء: وأما الدين والتقوى، فذلك شعاره الذي يمتاز به، ومذهبه الذي يدين الله به، من أداء الفريضة لوقتها المختار حضرا وسفرا، وقيام رمضان وإحياء لياليه. وقال أيضا: وكانت القبائل في دولته قد تمولت ونمت مواشيها وكثرت الخيرات لديها من عدله وحسن سيرته. وكان رحمه الله في أواخر أيامه قد سئم الحياة ومل العيش، وأراد أن يترك أمور البلاد لابن أخيه المولى عبدالرحمن بن هشام، وأن يتجرد لعبادة ربه حتى يأتيه اليقين. وفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف، مرض السلطان مرضا أدى إلى وفاته بعد أن عهد كتابة بالإمارة للمولى عبدالرحمن، ودفن رحمه الله بباب آيلان من مراكش.
قال الثعالبي رحمه الله في الفكر السامي: "وبالجملة، فقد كان قريبا من درر هذه الدولة الفاخرة وأنجمها الزاهرة، وقد كان سلفي العقيدة على مذهب الحنابلة، كما صرح بذلك في تآليفه، ومن مآثره أنه كان يحض على قراءة كتب المتقدمين، وينهى عن المختصرات، ويرى الرجوع إلى الكتاب والسنة، ولو عملوا برأيه، لارتقى علم الدين إلى أوج الكمال، وترجمته واسعة، ومحاسنه شاسعة" اهـ (المراد. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ج [2] ص [624]).
ومما جاء في ترجمة المولى سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي رحمه الله، وهو ابن السلطان المولى محمد بن عبد الله العلوي رحمه الله.
"سلطان مغربنا يتيمة عقد الدولة علما وديانة وورعا، موصوف بذلك لدى المؤرخين، وتدل لذلك آثاره العلمية، فله حاشية على الخرشي، وعندي (القائل هو محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي رحمه الله) تأليف له في (التجمير بعود الطيب في رمضان)، ومن خطبه خطبته في ردع رعيته عن بدع المواسم التي تجعل للصالحين نقلتها بلفظها في كتاب (برهان الحق)، وكان شديد الإنكار لمثل هذه البدع، واقفا على السنة، شديد التحري. وانظر حوادث أيام وسيرته في تاريخنا المناظر الجمالية. توفي سنة (1238) ثمان وثلاثين ومائتين وألف". اهـ
نقلا من كتاب (الفكر السامي لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي رحمه الله ج [2] ص [628]).
قلت فانظر إلى سيرهم وسترى عجبا في عقائدهم وفقههم، وستدرك بأنهم كانوا علماء قبل أن يكونوا حكاما.
قال عبدالحفيظ الفاسي: وأمر بقطع المواسم التي هي كعبة المبتدعة والفاسقين، وكتب رسالته المشهورة، وأمر سائر خطباءه بالخطبة بها على سائر المنابر إرشادا للناس لاتباع السنن ومجانبة البدع، ولولا مقاومة مشايخ الزوايا من أهل عصره له؛ وبَثهم الفتنة في كافة المغرب وتعضيد من خرج عليه من قرابته وغيرهم؛ واشتغاله بمقاتلتهم وإنكاره أمامهم، لولا كل ذلك لعمت دعوته الإصلاحية كافة المغرب، ولكن بوجودهم ذهبت مساعيه أدراج الرياح، فذهبت فكرة الإصلاح ونصرة مذهب السلف بموته ((المعجم) لعبد الحفيظ الفاسي).
مقدمة الخطبة بقلم:
الدكتور محمد تقي الدين الحسيني الهلالي.
الحمد لله القائل، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار، وصلي اللهم على عبدك ورسولك محمد النبي المختار، وعلى آله وأصحابه الأبرار وعلى من اتبعهم بإحسان من المؤمنين الأخيـار.
اما بعـد:
فيقول أفقر العباد إلى ربه الكبير المتعالي محمد تقي الدين الحسيني الهلالي، إن الخطبة المباركة التي أنشأها أمير المؤمنين المولى سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل الملك المغربي العلوي العظيم. هي جيش من جيوش التوحيد، والسنة لتطهير العقول من الشرك والبدعة وتوجيههم لإتبَّاع الكتاب والسنة إذ لا صلاح ولا فلاح للمسلمين إلا بذلك وقد عنى بها العلماء المخلصين من يوم صدورها إلى يومنا هذا بالطبع والنشر والشرح لما اشتملت عليه من النصيحة للمسلمين وإبعادهم عن سلوك طريق المجرمين الذين يأكلون خير الله ويعبدون غير الله وقد صدتهم الشياطين عن التمسك بسنة سيد المرسلين وقد وفق الله جماعة من الحنفاء ذوي الغيرة على الدين إلى طبعها ونشرها تنويرا وإصلاحا لقلوب إخوانهم المسلمين جزاهم الله خير ما يجزي به المحسنين والتمَسوا منِّي أن أجعل لها مقدمة تكشف النقاب عن سبب إنشائها والغرض المراد بها فلبيت الدعوة راجيا أن ينفع الله بهذا العمل كل قارئ وسامع ويهدينـا جميعا صراطه المستقيم. ويجعلنا من الذين أنعم عليهم من النبييـن والصديقيـن والشهـداء والصالحيـن.
سبب إنشاء هذه الخطبة وتعميمها في جميع المساجد المغربية من قبل الملك المذكور أحسن الله إليه، وقدس روحه.
قال صاحب "الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى" الشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري ما نصه باختصار وتصرف: "وفي سنة ست وعشرين ومائتين وألف وجه السلطان المولى سليمان رحمه الله ولده الأستاذ الأفضل المولى أبا إسحاق إبراهيم بن سليمان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مع الركب النبوي في جماعة من علماء المغرب وأعيانه مثل الفقيه العلامة القاضي أبي الفضل العباس بن كيران، والفقيه المولى الأمين بن جعفر الحسني الرتبي، والفقيه العلامة الشهير أبي عبد الله محمد العربي الساحلي، وغيرهم من علماء المغرب وشيوخه فوصلوا إلى الحجاز وقضوا المناسك وزاروا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاروا فيه في الروضة المباركة وسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم.
حكى صاحب الجيش: أن المولى إبراهيم ذهب إلى الحج واستصحب معه جواب السلطان فكان سببا لتسهيل الأمر عليهم وعلى كل من تعلق بهم من الحجاج شرقا وغربا، حتى قضوا مناسكهم على الأمن والأمان والبر والإحسان قال: حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان يعني "ابن سعود" ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام، من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر الحرام وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والأثام التي كانت تفعل بهما جهارا من غير نكير وذكروا أن حاله كحال آحاد الناس لا يتميز عن غيره بزي ولا مركوب ولا لباس وأنه لما اجتمع بالمولى إبراهيم أظهر لـه التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته، وكان الذي تولى الكلام معه هو الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي، فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفنا السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟
فقال لـه القاضي: بلغنا أنكم تقولنا بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوي.
فقال: معاذ الله إنما نقول كما قال مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة"، فهل في هذا من مخالفة؟
قالوا: لا، وبمثل هذا نحن نقول نحن أيضا.
ثم قال القاضي: وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم.
فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه و سلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه وقال: معاذ الله إنما نقول إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، وكذا غيره من الأنبياء، حياة فوق حياة الشهداء.
ثم قال القاضي: وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم، وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها.
فقال: معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا وهل منعناكم أنتم لماَّ عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية، من الأموات أن تقضى لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الله، وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى، وتذكير مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور ثم يدعوا لـه بالمغفرة ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رحمه الله ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدا للذريعة. فأي مخالفة للسنة في هذا القدر؟". اهـ (من الجزء الثامن صفحة [122] من الكتاب المذكور) طبع دار الكتاب بالدار البيضاء ـ بالمغرب))
قال محمد تقي الدين الهلالي: وسبب إيفاد السلطان المولى سليمان المذكور هذا الوفد واهتمامه به هذا الاهتمام أن الملك السعودي عبد الله ملك الدولة السعودية المشتملة على نجد والحجاز لما فتح الله له الحجاز وتوطدت دولته كتب إلى جميع ملوك المسلمين وأمرائهم يشرح لهم دعوة الدولة السعودية وعقيدتها المطابقة للكتاب والسنة وينفي عنها ما نسبه إليها فقهاء السوء في جميع البلدان من أنها تكفر المسلمين ولا تعظم النبي صلى الله عليه وسلم كما ينبغي لكل مسلم حنيف أن يفعله وقد أغرى رجال الدولة العثمانية فقهاء السوء في جميع البلاد الإسلامية التي يشملها حكمهم، وطعنوا في الدولة العربية السعودية لأنها طهرت الحرمين الشريفين مـن الشرك والعقائد الفاسدة ومنعتهم من التسلط عليهما وعلى ما جاورهما من البلاد كنجد والعراق، ومن جملة الملوك الذين كتب إليهم ملك الدولة السعودية عبد الله بن سعود ملك المغرب المولى سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستطع غيره من الأمراء والرؤساء أن يبعثوا وفودا إلى الحرمين للاجتماع بالملك السعودي ومعرفة ما يدعوا إليه لأنهم لم يكونوا مستقلين أحرارا أقوياء كما كان ملوك المغرب لأن الدولة العثمانية كانت مستولية على بلاد العرب ومصر و بلدان الشمال الإفريقي كلها إلا المغرب الأقصى فإنها لم تستطع أن تستولي عليه مع استيلائها على الجزائر المجاورة لـه.
ولذلك انفرد المولى سليمان رحمه الله ملك المغرب بهذه المزية وانشأ هذه الخطبة المباركة وأمر جميع المساجد أن يخطبوا بها على الشعب المغربي لتنوير العقول وإعلان براءة الدولة وسنة رسوله.
فقدس الله روحه ورحمه وسائر ملوك هذه الدولة العلوية.
السلطان مولاي سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله من مفاخر ملوك المسلمين في القرن الثاني عشر إذ كان علاّمة مشاركا تحريرا سلفيا مصلحا كبيرا عاملا بعلمه آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا للسنة محاربا للبدع معلما للأمة ما علمه الله منفذا فيها لأحكام الله ومن ذلك منعه للمواسم التي اعتاد المغاربة إقامتها لصالحيهم قال في "الاستقصاء":
وكتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها على حال متفقرة الوقت وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة والتغالي في البدعة وبين فيها بعض آداب زيارة الأولياء وحذر من تغالي العوام في ذلك وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً".
ووجه خطبته المعروفة " من إنشائه وبلاغته لخطباء المساجد يخطبون بها في الجمع حذر فيها من اتباع أهل البدع وأنكر عليهم ونهى عن الاجتماع في المواسم بالإنشاد والآلات والرقص وأوعدهم بالعقوبة إن لم ينتهوا".
وهي خطبة جليلة دلت على مقامه رضي الله عنه في الدين ومبلغ غيرته عليه وإخلاصه لـه فما أجدرها بأن يعيد جميع خطباء المغرب الخطبة بها في كل مناسبة اقتداءاً بهذا الإمام الجليل وما أجدر الوعاظ والمدرسين أن يدرسوها للعامة ويعظوهم بها رغبة في إسماعهم كلمة الله وتبليغهم ما يجهله الكثير منهم من أحكامه التي هي من الأهمية بالمقام الأول بل ما أجدر أساتذة المدارس والواضعين لبرامج التعليم فيها أن يجعلوها من بين مواد الدراسة والحفظ للتلاميذ لينشأوا عارفين بدينهم ونقاوته مما يلصقه به أعداؤه المبتدعون مقدرين فضل أسلافهم العاملين المجدين خصوصا من كان مثل مولانا سليمان عليه من الله الرحمة والرضوان.
وأنه مازال العلماء والمصلحون مهتبلين بهذه الخطبة مقدرين لها قدرها فهذا الفقيه الأديب اللوذعي الأريب السيد الحبيب الرشيدي لمـا سمعها مدحها ومدح منشئها بقصيدة غراء اشتملت على 40 بيتا منها:
يا حسنها مـن خطبة أحيـا بها *** ما مات من سنن الشيوخ المجـد
ومنها:
فيهـا دعـا لله قومـا أعلنـوا *** بالشطح والتصفيق والفعل الـردي
جعلـوا مواسم ما لها في سنـة *** أصل بأضرحـة الفحـول الزهـد
رفضوا علوم الشرع إيغالا كمـا *** جلسـوا التنقيص الشيوخ بمرصـد
فهموا على دين النبي أضر مـن *** متبوعهـم والكـل عـاد معتـد
حتى رمـاهـم ربنـا بثواقـب *** من عدل سيدنا الهمـام الأوحـد
فأقامـهم والله راض عنه فـي *** سجـن المهـانة بالمقـام الأبعـد
وأثنى عليها وعلى منشئها من أجلها فقيد السلفية والدعوة للإصلاح الديني العلامة عبد السلام السرغيني برد الله ثراه في محاضرته في (الدعوة لإقامة السنة ومحاربة البدع) التي ألقاها بالنادي الذي كان للمسامرات بالمدرسة بفاس.
وهؤلاء علماء القرويين عندما قاموا قومتهم الموفقة ورفعوا عريضة بتأريخ 17 المحرم عام 1352لجلالة السلطان المعظم سيدي محمد بن يوسف دام الله علاه بواسطة ممثله بفاس حضرة الباشا أرفقوها بنسخة من هذه الخطبة الجليلة مستندين عليها مثنين على منشئها قدس الله روحه وهي جديرة بكل ذلك وبأكثر منه رحم الله منشئها ووفق علماءنا وولاتنا للإقتداء به والسير على منواله في القيام بواجبهم الديني من الدعوة والإرشاد فيستحقوا إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويهيئوا الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس قبل أن يحل عليهم الحديث الشريف « »، ويؤدوا الأمانة التي أخذ الله ميثاقهم بتبليغها {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187].
وهذا ما دعانا اليوم للقيام بنشرها رغبة في حصول النفع بها بعد ممات صاحبها كما فعل بها في حياته وتسهيلا على من أراد الحصول عليها ممن يريد الدعوة إلى الله بها والله سبحانه من وراء القصد.
نَصُّ الخُطْبَة
الحمد لله الذي تعبدنا بالسمع والطاعة، وأمرنا بالمحافظة على السنة والجماعة، وحفظ ملة نبيه الكريم، وصفيه الرؤوف الرحيم، من الإضاعة إلى قيام الساعة، وجعل التأسي به انفع الوسائل النافعة أحمده حمدا ينتج اعتماد العبد على ربه وانقطاعه، واشكره يقصر عنه لسان البراعة، واستمد معونته بلسان المذلة والضراعة، واصلي على محمد رسوله المخصوص بمقام الشفاعة، على العموم والإشاعة والرضى عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه بحسب الاستطاعة. أما بعد، أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم واستعمل فيما يرضيه آمركم ومأموركم، فإن الله قد استرعاءنا جماعتكم وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم، يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.
ولهذا نرثي لغفلتكم! أو عدم إحساسكم! ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم!
فالقوا لأمر الله آذانكم وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم واخلصوا الله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوا واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون! والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعا! وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا! فيما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا! وتسموا فقراء و أحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا! {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:103-104].
وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، وسبة وضيعة وسنة مخالفة لأحكام الشريعة وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا! وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا!
وتصدى له أهل البدع من "عيساوة" و"جلالة" وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يترقبون للهوهم الساعات! وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات! وكل ذلك حرام ممنوع والإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع.
فأنشدكم الله عباد هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه سيد الشهداء موسما؟ وهل فعل سيد الأمة أبو بكر لسيد الإرسال صلى الله عليه وعلى جميع الصحابة والآل موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من التابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ثُم أنشدكم الله هل زخرفت على عهد رسول الله المساجد؟!!
أو زوقت أضرحة الصحابة والتابعين؟!!
إلا ما جد كأني بكم تقولون هذه المواسم المذكورة وزخرفت أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع، حسبنا الإقتداء والإتباع {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23]، وهذه المقالة قالها الجاحدون {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون من الآية:36]، وقد رد الله مقالتهم، ووبخهم وما أقالهم فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدون وأهل الصلاح والدين، « » (الحديث).
وبالضرورة أنه لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، فقد قبُض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعِقد الدين قد سُجِّل، ووعْدُ الله بإكماله قد عُجِّل، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3].
قال عمر رضي الله عنه على منبره: "أيها الناس، قد سننت لكم السنن، وفرضت الفرائض وتركتم على الجادة فلا تميلوا بالناس يمينا ولا شمالا".
فليس في دين الله ولا فيما شرع نبي الله، أن يتقرب بغناء ولا شطح والذكر الذي أمر الله به، وحث عليه ومدح الذاكرين به، هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد، فهذه طريقة الخلف، فمن قال بغير طريقتهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف : 108]، فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟! أأمناً من مكر الله؟! أم تلبيسا على عباد الله!؟ أم منابذة لمن النواصي بيده؟! أم غروراً لمن الرجوع بعدُ إليه؟! فتوبوا واعتبروا، وغيروا المناكر واستغفروا، فقد اخذ الله بذنب المترفين من دونهم! وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع، ما بين العاصي والمداهن المطيع! أ فيزين لكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم؟ أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم!؟ فتوبوا إلى رب الأرباب، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، ومن أراد منكم التقرب بصدقة، أو وفق لمعروف أو إطعام أو نفقة، فعلى مَن ذَكر الله في كتابه ووعدكم فيهم بجزيل ثوابه، كَذوِي الضرورة الغير الخافية والمرضى الذين لستم بأَولى منهم بالعافية؟ ففي مثل هذا تُسَد الذرائع وفيه تُمتَثل أوامر الشرائع، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة من الآية:60].
ولا يتقرب على مالك النواصي، بالبدع والمعاصي! بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون، والأتقياء المفلحون: أكل الحلال وقيام الليالي، ومجاهد النفس في حفظ الأحوال، بالأقوال والأفعال البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد ونصيحة تهتدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خلق القرآن يحدى، وصلاة وصيام واجتناب مواقع الأثام، وبيع النفس والمال من الله، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة من الآية:111]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام من الآية:153]. الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الصراط المستقيم كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث، وتغيير الأحكام الشرعية بالبدع والإحداث، والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص؟
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر من الآية:8]
عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ي ؟
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ . {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا}»[البقرة:166-167].
فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان والخلائق أن يمنعوا هؤلاء الطوائف، من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم، فإياكم ثم إياكم والبدع فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية، فمن المنقول عن الملل، والمشهور في الأواخر والأول، أن المناكر والبدع إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم وانقطعت عنهم الرحمات ووقعت فيهم المثلاث، وشحت السماء وحلت النقماء وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقعت بركة الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طرق الفوائد، والدب مع الله ثلاثة: حفظ الحرمة بالاستسلام والإتباع، ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع ومراعاتها في الضيق والاتساع. لا ما يفعله هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قام إليه رجل يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا، أو قال: أوصنا. فقال: « ».
وهانحن عباد الله أرشدناكم وأنذرناكم وحذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم.
- التصنيف: