فلسطين: قدسية المقاومة وصنمية القيادة
لا شرعية لِمَن لا يؤمن بالمقاومة، ولا يعمل من أجلها، ولا يساهم فيها، ولا يشترك معها، ولا يدافع عنها، ولا يخذل عن رجالها، ولا يتبنى أعمالها، ولا يتشرف بإنجازاتها، ولا يرفع رأسه عاليًا بتضحياتها...
لا شرعية لِمَن لا يؤمن بالمقاومة، ولا يعمل من أجلها، ولا يساهم فيها، ولا يشترك معها، ولا يدافع عنها، ولا يخذل عن رجالها، ولا يتبنى أعمالها، ولا يتشرف بإنجازاتها، ولا يرفع رأسه عاليًا بتضحياتها، ولا يباهي الأمم بها، ولا يفاخر الآخرين بقوتها، ولا يتمنى المزيد منها، ولا يدعو الله بالسلامة والنجاة لرجالها، وأن يُسدِّد الله خطاهم، ويحفظ أرواحهم، ويحمي شعبهم وأهلهم، ويصد عنهم كل اعتداء، وينقذهم من كل غارةٍ، ويُسلِّمهم من كل حربٍ ومكيدة، ويعمي عنهم العيون والعملاء، والخونة والأعداء..
ولا شرعية لِمَن يخجل من المقاومة، أو يخاف من نتائجها، أو يجبن عن التصدي لتداعياتها، أو يُعلِن البراءة منها، ويتخلّى عن القائمين عليها، أو المنفذين لعملياتها، فيُنكِر الانتساب إليهم، وينأى بنفسه بعيدًا عنهم، أو يصب جام غضبه عليهم، منتقدًا ومعترضًا، أو رافضًا ومستنكرًا، لئلا يتهم بالمداراة، أو بحجب المعلومات، أو تقديم العون والمساعدة، مخافة السجن والاعتقال، أو العقوبة والمحاكمة، أو العزل والإقصاء، أو المقاطعة والحرمان..
ولا قيمة لِمَن لا يقاوم، أو لا يدعم المقاومة، ولا يساند المقاومين، ولا يمدهم بما يحتاجون، ولا يُقدِّم لهم ما يريدون، مساندةً ومناصرة، وإيواءًا ومساعدة، ودعمًا وعطاءًا، فليس مِنَّا من لم يقاوم، أو لم يُحدِّث نفسه بالمقاومة، ويحلم بها، ويتوق إليها ويتمناها..
فالمقاومة هي الهوية، وهي العِزَّة والشرف، وهي الكرامة والسؤدد، وغيرها ذلٌ واستعباد، وضعفٌ واستسلام، وصغارٌ وهوانٌ لا يمنح هويةً، ولا يجلب اعترافًا، ولا يُحقِّق هدفًا، ولا يصل إلى غاية، ولا يصنع مجدًا، ولا يُعيد حقًا، ولا يرغم عدوًا، ولا يجبره على كف العدوان، ووقف الاعتداء، والامتناع عن الظلم والقتل والإيذاء..
ولا سمع ولا طاعة، ولا شرعية ولا حصانة، ولا قيمة ولا احترام، ولا تقدير ولا تبجيل، ولا قدسية ولا تأليه، ولا تبرير ولا تفسير، ولا إيضاح ولا بيان، ولا صدقية لناطقٍ رسمي، ولا لحواريٍ يطوف، ولا لِمَن يبحث عن دورٍ أو تصريح، ولا لِمَن يحاول التخفيف والتلطيف، أو الإنكار والنفي، أو الدفاع والصد، عمَّن يحاول البراءة من المقاومة والتخلّي عنها، أيًا كانت الدواعي والأسباب، وبغض النظر عن مكان الإقامة والجهة المقصودة بالخطاب، إذ لا مبرِّر للتنديد بها، ولا حجة لكل القائلين بعدم المسؤولية عنها، وإن كان لا يعرف تفاصيلها، ولم يطلع على خطواتها، ولا يعلم هوية منفذيها، أو لم يكن على علمٍ بتوقيتها، بحجة أنه سياسيٌ ولا علاقة له بالعمل العسكري، وليس مسؤولًا عن المقاومة، ولا يصدر التعليمات لها..
لا مُبرِّر لمسؤولٍ ولا لقائدٍ أيًا كان، ولا يحق لزعيمٍ ولا لرئيسٍ مهما بلغ مقامه، وارتفع شأنه، وذاع صيته، وحفظ اسمه، وعُرف رسمه، أن يرفع الغطاء عن المقاومين، أو أن يتخلّى عنهم، ويتركهم لمصيرهم المحتوم مع العدو الصهيوني، الذي يتربص بهم، ويحاول تصفيتهم أو اعتقالهم، انتقامًا منهم، وإرضاءًا لشعبه، وتعويضًا لهم عن الفشل الذريع الذي أصابه، إذ أصبح همَّه الكبير ملاحقتهم والوصول إليهم، وتصفية الحساب معهم، عِقابًا لهم، ودرسًا وعبرة لغيرهم..
إنه لعيبٌ كبير، ومنقصةٌ شديدة أن يتبرأ القادة من المقاومة، وأن ينأوا بأنفسهم عنها، وهي التي صنعتهم وجاءت بهم، ورفعتهم وسمَت بهم، وقدمتهم وجعلتهم سادةً وقادة، ومنحتهم قيمة وصنعت لهم مكانة، ما كانوا ليصلوا إليها دونها، فالمقاومة ترفع شأو من حمل رايتها، وتنهض بالأمة التي تعتمد عليها، وتتبناها منهجًا وخيارًا، لكنهم منها يتبرأون، وعنها يبتعدون، ويظنون أنفسهم أنهم منها يتطهرون، وأنهم بفعلهم هذا ينالون ما يتطلعون إليه، ويحصلون على ما كان بالنسبة إليهم مستحيلًا..
بعضهم ينأى بنفسه ويستنكر، حرصًا على مفاوضاتٍ فاشلة، وحواراتٍ هزيلة، وسعيًا وراء سرابٍ ووهمٍ، وخيالٍ وأحلام، وسلامٍ لا يقود إلى دولةٍ، ولا يحقق عودة، ولا يحمي شعبًا، ولا يصد عدوًا ولا يلجمه، ولا يسكته ولا يرضيه، فهذا عدوٌ لا يرضيه غير موتنا، ولا يسعده شيءٌ كقتلنا، ولن يرضى عنّا ولو كنا عنده خدمًا وعبيدًا، وأجراء وعملاء، وهو حرصٌ بلا ثمن، إذ لا يرضي الدول الكبرى، ولا عواصم القرار العظمى، التي ستبقى تؤيد الكيان وتنتصر له، وتدافع عنه وتحرص عليه..
وبعضهم ينأى بنفسه ويُنكِر المسؤولية والعلم، سعيًا لدور، وحرصًا على علاقة، وتأمينًا لبقايا حرارة هاتفٍ يستجيب للنداء بصعوبة، أو لا يرنّ عند الآخرين بسهولة، ولا يسمح لأصحابه بالرد إلا قليلًا، ولا الاستجابة إلا بحدود، ولا الوعد إلا فيما يسمح لهم به، فينكرون تصريحًا أو تلميحًا، إيمانًا أو استجابة، وصلًا لخطوط، أو فتحًا لقنوات، أو تيسيرًا لمساعي ووساطات، أو سعيًا لكسبِ ودٍ ورضا، وقبولٍ وموافقة، أو خوفًا على مكان إقامة، أو قلقًا على دورٍ ومهمة، ومستقبلٍ ووجود، بعد أن ضاقت عليهم الدنيا التي كانت لهم، واشتدت المِحن التي كانت بعيدة عنهم..
أليس غريبًا أن يتمسك الشعب المُعنَّى بالمقاومة، وأن يصر على قادته أن يتمسكوا بها، وألا يُفرِّطوا فيها، وألا يتخلّوا عنها، وهم الذين يدفعون وحدهم الثمن، فهم الذين يُقتلون ويُعتَقلون، وبيوتهم التي تُخرَّب وتُدمَّر، ومدنهم التي تُجتاح ومخيماتهم التي تُدَك، وهم الذين يُحاصَرون ويُعانون، ويُضطهَدون ويُعذَّبون، وهم الذين ينظرون بعيونهم إلى الدبابات التي تحتشد وتتربص، ويرقبون الجنود الذين يتلمَّظون وينتظرون، ويدركون الموت الذي يتطاير من عيونهم قدحًا كالشرر..
ولكنهم على الرغم من أسوِرة الرعب التي يصنعها العدو حولهم، وهالة القوة التي ينصبها في محيطهم؛ إلا أنهم يُرعبونه بمقاومتهم، ويُخيفونه بصمودهم، ويَتوعدونه بما عندهم، وبما سيُفاجئونه وشعبه، مما لا قِبَلَ لهم به، ولا قدرة عندهم على تحمله أو صده، أو الصبر عليه والثبات في مواجهته، وكلهم أملٌ ويقين بأنهم الأقوى والأصلب، والأقرب إلى النصر والأبعد عن الهزيمة والكسر..
إنها المقاومة، عِزَّ من آمن بها، وانتصر من تمسَّك بها، وحافظ عليها، ورفع الله قدر من كان له سهمٌ فيها.