[175] سورة الإسراء (10)
محمد علي يوسف
ذالكم الحدث المهيب، الذي فيه من العِبر والآيات والومضات الشيء الكثير.. إنها حالة انتقال الاستخلاف من أُمّةٍ إلى أُمّة.. حالة تسليم الأمانة إلى الرسول الخاتم.. وما يترتب على ذلك من انتقال القيادة من قومِ فُضِّلوا على العالمين دهورًا فلم يرعوا ذاك التفضيل وتلك الأمانة حق رعايتها.. بنو إسرائيل الذين أفسدوا في الأرض مرتين، وتمرَّدوا على مولاهم ولم يُعظِّموه حق التعظيم، فكان الاستبدال!
- التصنيفات: التفسير -
ذالكم الحدث المهيب، الذي فيه من العِبر والآيات والومضات الشيء الكثير..
هنالك صلى النبي بإخوانه عليهم السلام، ليتم ذلك المقام الإيماني الباهر، في تلك الأجواء النورانية، التي كان الحبيب أحوج ما يكون إليها في عام الحزن..
إنه ذلك الحدث الجلل الذي سُمِّيت باسمه سورة من أحب سور القرآن لقلب النبي صلى الله عليه وسلم لدرجتة جعلته "يداوم على قراءتها ولا ينام قبل أن يفعل" (ورد بسندٍ صحيح عنه).
إنها سورة بني إسرائيل..
سورة الإسراء (والاسمان ثابتان لها)..
إنها حالة انتقال الاستخلاف من أُمّةٍ إلى أُمّة..
حالة تسليم الأمانة إلى الرسول الخاتم..
وما يترتب على ذلك من انتقال القيادة من قومِ فُضِّلوا على العالمين دهورًا فلم يرعوا ذاك التفضيل وتلك الأمانة حق رعايتها..
بنو إسرائيل الذين أفسدوا في الأرض مرتين، وتمرَّدوا على مولاهم ولم يُعظِّموه حق التعظيم، فكان الاستبدال، ومضت سنة الله، وكما جاء في السورة: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر من الآية:43]..
لقد بدأت السورة بعد ذكر الإسراء بذكر طرف من حال القوم الذين حملوا الأمانة قبل أُمّة النبي صلى الله عليه..
إنهم بنو إسرائيل..
وما أدراك ما بنو إسرائيل؟!
كم رأوا من آيات..
كم أرسل إلى هم من رسل وأنبياء..
وكم جحدوا وكذَّبوا وتمرَّدوا، بل وقتلوا أولئك الأنبياء!
فماذا كانت النتيجة؟
انتقلت عنهم الأمانة واستبدلوا..
ونزل الكتاب الجديد على رجل من ولد إسماعيل عليه السلام وصارت الرسالة إلى غيرهم..
هذا الكتاب الجديد هو الأمانة التى انتقلت..
هو الرسالة التي حُمِّلت للأمة اليافعة..
ولذا تجد سورة الإسراء من أكثر السور التي تكلَّمت عن القرآن وخصائصه وقيمته وفضله..
هنا مصدر الاستخلاف..
هنا الشفاء وهنا الرحمة والهداية للتي هي أقوم..
وهنا يظهر التمسك بالأمانة..
فإذا حملت الأًمّة هذا الكتاب حق حمله؛ استحقت مدلول تلك الرمزية البديعة في حادثة الإسراء..
وإذا هي أحسنت التمسك؛ به استحقت الإمامة..
وإذا هي عملت بمنهجه من ربانية وتسبيح وتعظيم، والتزام وصاياه وتوجيهاته؛ فهي بذلك حقًا الأُمّة المستخلَفة..
أما إن فرَّطت فيه وأفسدت كما أفسد من سبقوها..
فالاستبدال إذًا لا محالة، ولن تجد لسنة الله تبديلًا ولا تحويلًا..
فهل تحملت أمتي ذلك الإرث وصانت هذا الفضل؟
هل صانت الأُمّة قيمة إسراء نبيها وإمامته فكانت أُمة الأئمة؟
أم أنها بدأت مرحلة التفريط والإفساد فضاع منها مسراه الكريم، وصارت على شفا تضييع رمزيته كذلك، وعلى إثره تضيع مزيتها وخيريتها التي أعطاها الله ربّ العالمين؟!
أسئلة ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا ونحن نتلوا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتابي: (العودة إلى الروح).