مسائل في صلاة الفجر (وقته/ آذانه/ حكم التثويب..)
السيد العربي بن كمال
فهذه عجالة تبين ما يتعلق بوقت الفجر وآذانه وهل فيه تثويب، قول: "الصلاة خير من النوم" أم لا؟ وهل هناك آذان أول وأخر ثان أم هو آذان واحد؟ وإن كانا اثنان، فمتى الأول ومتى الثاني، وفي أيهما يقال الصلاة خير من النوم؟
- التصنيفات: فقه الصلاة -
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأشهد ألا إله الا الله الملك الحق المبين وحده لا شريك له والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
أما بعد:
فهذه عجالة تبين ما يتعلق بوقت الفجر وآذانه وهل فيه تثويب، قول: "الصلاة خير من النوم" أم لا؟ وهل هناك آذان أول وأخر ثان أم هو آذان واحد؟ وإن كانا اثنان، فمتى الأول ومتى الثاني، وفي أيهما يقال الصلاة خير من النوم؟ فأقول وبالله تعالى التوفيق ومنه السداد والرشاد:
* وقت الفجر: أول الوقت:
جاء في الحديث عن أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: «وأتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئاً وأمر بلالاً فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول انتصف النهار أو لم وكان أعلم منهم، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب حين وقبت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أخر الفجر» (ص 390). «من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول طلعت الشمس أو كادت وأخر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس ثم أخر العصر فانصرف منها والقائل يقول احمرت الشمس ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق» وفي لفظ: «فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وأخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ثم أصبح فدعا السائل فقال الوقت فيما بين هذين» (رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وروى الجماعة إلا البخاري نحوه من حديث بريدة الأسلمي).
وحديث بريدة صححه الترمذي ولفظه: "أن رجلاً سأل رسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن وقت الصلاة فقال: «صل معنا هذين الوقتين فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن ثم أمره فأقام الظهر ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر وأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل: أنا يا رسول اللَّه قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم».
قوله: "انشق الفجر" أي طلع. وقوله "والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً" بيان لذلك الوقت.
وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: «لا يغرنكم من سحوركم آذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا يعني معترضاً» (رواه مسلم، وأحمد، والترمذي)، ولفظهما: «لا يمنعكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق».
قوله «المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا» صفة هذه الإشارة مبينة في صحيح مسلم في الصوم من حديث ابن مسعود بلفظ: «وليس أن يقول هكذا وهكذا وصوب يده ورفعها حتى يقول هكذا وفرج بين إصبعيه» وفي رواية: «ليس الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه» وفي رواية: «ليس الذي يقول هكذا ولكن يقول هكذا» وفسرها جرير: "بأن المراد أن الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل، والمعترض هو الفجر الصادق، ويقال له الثاني والمستطير بالراء وأما المستطيل باللام فهو الفجر الكاذب الذي يكون كذنب السرحان"، وفي البخاري من حديث ابن مسعود: «وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا» وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم أمرهما على يمينه وشماله (نيل الأوطار كتاب الصلاة، باب الآذان فى أول الوقت).
* وعند البخارى فى كِتَاب الآذان. باب الآذان قَبْلَ الْفَجْرِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ آذان بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِه»، قال فى الشرح: قوله: "وقال زهير" أي الراوي، وهي أيضا بمعنى أشار، وكأنه جمع بين إصبعيه ثم فرقهما ليحكي صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضا ثم يعم الأفق ذاهبا يمينا وشمالا، بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسميه العرب: "ذنب السرحان" فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض، وإلى ذلك أشار بقوله: «رفع وطأطأ رأسه» (فتح البارى). قلت ولعل ذلك هو سبب ما يتعلق بالاختلاف المشهور فى زماننا بوقت الفجر على تفصيل ليس ذلك محله..
* وآخر الوقت:
عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: «{وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس» (رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود). وفي رواية لمسلم: «ووقت الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول» وفيه: «ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول».
* هل يؤذن للفجر آذانان؟
جاء في الحديث عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ{C}{C}{C}{C}{C}{C}» (أخرجه البخاري كتاب الآذان)، قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث جواز الآذان قبل طلوع الفجر" (فتح الباري)، وعن ابن مسعود: أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}لا يمنعن أحدكم آذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم{C}{C}{C}{C}{C}{C}» (رواه الجماعة إلا الترمذي).
قال الشوكانى فى النيل:
والحديث يدل على جواز الآذان قبل دخول الوقت في صلاة الفجر، خاصة وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور مطلقاً، وخالف في ذلك الثوري وأبو حنيفة ومحمد والهادي والقاسم والناصر وزيد بن علي، قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم: "إنه يكتفي به للصلاة"، وقال ابن المنذر وطائفة من أهل الحديث والغزالي: "أنه لا يكتفي به"، وادعى بعضهم: "أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء وتعقب بحديث الباب وأجيب بأنه مسكوت عنه، وعلى التنزل فمحله ما إذا لم يرد نطق بخلافه"، وههنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة الآتي وهو يدل على عدم الاكتفاء، نعم حديث زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في إسناده ضعف كما قال الحافظ.
وأيضاً فهي واقعة عين وكانت في سفر ومن ثم قال القرطبي: "إنه مذهب واضح"، ويدل أيضاً على عدم الاكتفاء أن الآذان المذكور قد بين النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الغرض به فقال: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}ليرجع قائمكم{C}{C}{C}{C}{C}{C}» الحديث فهو لهذه الأغراض المذكورة لا للإعلام بالوقت والآذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والآذان قبل الوقت ليس إعلاماً بالوقت وتعقب بأن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاماً بأنه دخل أو قارب أن يدخل" (نيل الأوطار كتاب الصلاة باب الآذان فى أول الوقت..)، وعلى ذلك فالفجر آذانان آذان قبل الوقت وآذان عند دخول الوقت وهذا للفجر فقط..ولكن متى يكون ذلك الآذان الذى هو قبل الوقت..؟
** وقت الآذان الأول:
عند البخاري في كِتَاب الآذان باب: آذان الْأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ.
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ»، وفى كِتَاب الآذان باب الآذان بَعْدَ الْفَجْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».
قال في الشرح:
فإن بلالا كان في أول ما شرع الآذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت: "كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة، فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن" (أخرجه أبو داود وإسناده حسن)، ورواية حميد عن أنس: «أن سائلا سأل عن وقت الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر» الحديث (أخرجه النسائي وإسناده صحيح)، ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر، واستقر آذان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روي: "أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه، وأنه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}ألا إن العبد نام{C}{C}{C}{C}{C}{C}» يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا مرفوعا ورجاله ثقات حفاظ.
لكن اتفق أئمة الحديث على ابن المديني وأحمد ابن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدار قطني على: "أن حمادا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفرد برفعه، ومع ذلك فقد وجد له متابع"، أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربي وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف.
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا، لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر.
وله طريق أخرى عن نافع عند الدار قطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضا، وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قوة ظاهرة، فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الآذان الأول (فتح البارى)، وفى كِتَاب الآذان: باب الآذان قَبْلَ الْفَجْرِ.
قال فى الشرح:
"وإلى مشروعيته مطلقا ذهب الجمهور... وادعى بعض الحنفية -كما حكاه السروجي منهم- أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الآذان، وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود، لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الآذان، فحمله على معناه الشرعي مقدم، ولأن الآذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين.."، وادعى ابن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة وفيه نظر.
وفى الباب الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ آذان بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُم...{C}{C}{C}{C}{C}{C}».
قال فى الشرح:
"فإن قيل تقدم في تعريف الآذان الشرعي أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والآذان قبل الوقت، ليس إعلاما بالوقت، فالجواب أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاما بأنه دخل أو قارب أن يدخل، وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول وقتها مرغب فيه، والصبح يأتي غالبا عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الن?س قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، والله أعلم" (فتح الباري). وفى الباب عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومْ..{C}{C}{C}{C}{C}{C}».
قال في الشرح:
قال القاسم: "لم يكن بين آذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا، وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الآخرى من قوله «إن بلالا يؤذن بليل»، ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك القصة المذكورة، لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث، وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت: "ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا" وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري" قال القاسم: "أي في روايته عن عائشة".
وقد وقع عند مسلم في رواية ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثل هذه الزيادة، وفيها نظر أوضحته في كتاب (المدرج) وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة إليه، وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الآذان قبل الفجر هو وقت السحور، وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي، وكلام ابن دقيق العيد يشعر به، فإنه قال بعد أن حكاه: "يرجح هذا بأن قوله: «إن بلالا ينادي بليل» خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعا، وذلك إذا كان وقت الآذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع الفجر فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب، بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق"، قال: "وهذا يدل على تقارب وقت آذان بلال من الفجر" انتهى..
وصحح النووي في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني، وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال: "قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن ويتربص بعد آذانه للدعاء ونحوه، فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب بالطهارة وغيرها، ثم يرقى ويشرع في الآذان مع أول طلوع الفجر" (فتح البارى). وعلى هذا فقد يكون الوقت من نصف الليل الثاني إلى ما قبل الفجر، وليس لذلك حد محدود بالساعة إنما يكون في وقت تتحقق منه المصلحة المرادة شرعا: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ{C}{C}{C}{C}{C}{C}».
* هل في آذان الفجر تثويب:
في تحفة الأحوذي كتاب: (الصلاة عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم) بابُ مَا جَاءَ فِي التّثْوِيبِ فِي الْفَجْر، قال المباركفوري: "التثويب هو العود إلى الإعلام بعد الإعلام، ويطلق على الإقامة كما في حديث حتى إذا ثوب أدبر حتى إذا فرغ أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، وعلى قول المؤذن في آذان الفجر الصلاة خير من النوم، وكل من هذين تثويب قديم ثابت من وقته صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا..." ومراد الترمذي بالتثويب ههنا هو قول المؤذن في آذان الفجر الصلاة خير من النوم.
وفى الباب عن بِلاَلٍ قَالَ: "قَالَ لِي رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُثَوّبَنّ فِي شَيْءٍ مِنَ الصّلَوَات إِلاّ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ»، قال أبو عيسى: "حدِيثُ بِلاَلٍ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيث أَبِي إِسْرَئِيلَ المُلاَئيّ، وأَبُو إسرائيلَ لم يسمعْ هَذا الحديث من الحكمِ (بن عُتيْبَةَ) قال: "إنما رواه عن الحسن بنِ عُمَارة عن الحكم بن عُتَيْبَةَ" قَالَ: "وفي البابِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ".
وَرُوِي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَ يقُولُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ "الصّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النّوْمِ".
قوله: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}لا تثوبن في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر{C}{C}{C}{C}{C}{C}» من التثويب قال الجزري في النهاية: "هو قوله الصلاة خير من النوم، وقال والأصل في التثويب أن يجيء الرجل مستصرخاً فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمي الدعاء تثويباً لذلك، وكل داع مثوب وقيل إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة وأن المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعاهم إليها، وإذا قال بعدها الصلاة خير من النوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها" انتهى كلام الجزري وحديث الباب أخرجه: (ابن ماجه والبيهقي).
وقال عبد الرحمن لم يلق بلالا..، قال الذهبي في الميزان: "أبو إسرائيل الملائي الكوفي هو إسماعيل بن أبي إسحاق خليفة ضعفوه وقد كان شيعيا بغيضاً من الغلاة الذين يكرهون عثمان"، قال ابن المبارك: "لقد من الله على المسلمين بسوء حفظ أبي إسرائيل، وذكر أقوال الجرح"، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق سيء الحفظ".
قوله: "وفي الباب عن أبي محذورة" أخرجه أبو داود قال: "قلت يا رسول الله علمني سنة الآذان الحديث... وفي آخره «فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله» (ورواه ابن حبان في صحيحه)، وفي الباب أيضاً عن أنس قال: "من السنة إذا قال المؤذن في آذان الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم" (أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني ثم البيهقي في سننهما)، وقال البيهقي إسناده صحيح كذا في نصب الراية، وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة فيه ( تحفة الأحوذى).
وقال الشوكانى:
"وقد روى إثبات التثويب من حديث أبي محذورة قال: علمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الآذان وقال: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}إذا كنت في آذان الصبح فقلت حيَّ على الفلاح فقل الصلاة خير من النوم{C}{C}{C}{C}{C}{C}» (أخرجه أبو داود وابن حبان مطولاً من حديثه وفيه هذه الزيادة، وفي إسناده محمد بن عبد الملك ابن أبي محذورة وهو غير معروف الحال والحارث بن عبيد وفيه مقال).
وذكره أبو داود من طرق أخرى عن أبي محذورة، وصححه ابن خزيمة من طريق ابن جريج، ورواه النسائي من وجه آخر، وصححه أيضاً ابن خزيمة ورواه بقي بن مخلد، وروى التثويب أيضاً الطبراني والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عمر بلفظ: «{C}{C}{C}{C}{C}{C}كان الآذان بعد حيَّ على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين{C}{C}{C}{C}{C}{C}» قال اليعمري: "وهذا إسناد صحيح"، وروى ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي عن أنس أنه قال: "من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حيَّ على الفلاح قال الصلاة خير من النوم" قال ابن سيد الناس اليعمري: "وهو إسناد صحيح"، وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان وعن نعيم النحام عند البيهقي، وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب عمر بن الخطاب وابنه وأنس، والحسن البصري وابن سيرين والزهري، ومالك والثوري وأحمد وإسحاق، وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعي وهو رأي الشافعي في القديم، ومكروه عنده في الجديد وهو مروي عن أبي حنيفة واختلفوا في محله فالمشهور: "أنه في صلاة الصبح فقط"، وعن النخعي وأبي يوسف إنه سنة في كل الصلوات وحكى القاضي أبو الطيب عن الحسن بن صالح: "إنه يستحب في آذان العشاء"، وروي عن الشعبي وغيره: "إنه يستحب في العشاء والفجر"، والأحاديث لم ترد بإثباته إلا في صلاة الصبح لا في غيرها فالواجب الاقتصار على ذلك والجزم بأن فعله في غيرها بدعة كما صرح بذلك ابن عمر وغيره نيل الأوطار كتاب الصلاة أبواب المواقيت).
وعلى هذا ففي آذان الفجر تثويب وهو أن يقول المؤذن بعد حى على الصلاة حى على الفلاح، يقول فى آذانه "الصلاة خير من النوم" ولكن: متى يكون التثويب، في الآذان الأول أم في الثاني؟
قال المباركفوري:
"واعلم أنه قد ثبت كون الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في آذان الفجر بعد حي على الفلاح حي على الفلاح، من حديث أبي محذورة وبلال المذكورين وكذا من حديث ابن عمر قال الآذان الأول بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين رواه السراج والطبراني والبيهقي وسنده حسن كما صرح به الحافظ، وهو مذهب الكافة وهو الحق وأما ما قال الإمام محمد في موطئه من أن الصلاة خير من النوم يكون ذلك في نداء الصبح بعد الفراغ من النداء ففيه نظر".
قال الشوكانى:
"وروي عن علي بن الحسين أنه قال: هو الآذان الأول، وقول بعضهم وقد صحح ابن حزم والبيهقي والمحب الطبري، وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن علي بن الحسين وابن عمر وأبي أمامة ابن سهل موقوفاً ومرفوعاً ليس بصحيح، اللَّهم إلا أن يريد بقوله مرفوعاً قول علي بن الحسين هو الآذان الأول، ولم يثبت عن ابن عمر وأبي أمامة الرفع في شيء من كتب الحديث..." (نيل الأوطار كتاب الصلاة أبواب المواقيت).
هذا والله الموفق لكل خير، والله تعالى أعلى وأعلم، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
هذا وما توفيقي الا بالله العلي الكبير سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.