إن الإسلام قادم
إننا لا نخاف على الإسلام لأن الذي وعد بإظهاره على الدين كله هو الله الذي يقول للشيء كن فيكون هو الله، وإنما نخاف على المسلمين إن هم تركوا الإسلام وضيعوا الإسلام، نسأل الله جل في علاه أن يرد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أحبتى في الله.. (إن الإسلام قادم) هذا ما أُعَنون به موضوع لقاءنا اليوم مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم الأعز، وفي هذه الظروف العصيبة الرهيبة التي تمر بها أمتنا الحبيبة.
وكما تعودنا أحبتي حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً؛ سوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية:
أولاً: واقع مُر أليم.
ثانياً: ولكن الإسلام قادم.
ثالثا: منهج عملي واجب التنفيذ.
فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، واللهَ أسألُ أن يقر أعيننا بنصر الإسلام وعِز الموحدين، وأن يشفي صدور قوم مؤمنين، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شىء قدير.
أولاً: واقعٌ مرٌ أليمٌ.
أحبتى الكرام... لقد ابتليت الأمة الميمونة بنكباتٍ وأزماتٍ كثيرةٍ على طول تاريخها، مروراً بأزمة الردة الطاحنة، والهجمات التترية الغاشمة، والحروب الصليبية الطاحنة، لكن الأمة مع كل هذه الأزمات والمآزق كانت تمتلك مقومات النصر من إيمانٍ صادقٍ، وثقةٍ مطلقةٍ في الله، واعتزازٍ بهذا الدين، فكتب الله لها جل وعلا النصرة والعزة والتمكين.
ولكن واقع الأمة المعاصر واقعٌ مرٌ أليمٌ، فقدت فيه الأمة جُل مقومات النصر بعد أن انحرفت الأمة انحرافاً مروعاً عن منهج رب العالمين وعن سبيل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، انحرفت الأمة ووقعت في انفصام نكد بين منهجنا المضيء المنير وواقعها المؤلم المر المرير، انحرفت الأمة في الجانب العقدي، والجانب التعبدي، والجانب التشريعي، والجانب الأخلاقي، والجانب الفكري، بل وحتى في الجانب الروحي!
وما تحياه الأمة الآن من واقعٍ أليمٍ وقع وفقَ سننٍ ربانيةٍ لا تتبدل، ولا تتغير، ولا تحابي هذه السُننُ أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة؛ بل ولن تعود الأمة إلى عزها ومجدها إلا وفق هذه السنن التي لا يجدي معها تعجل الأذكياء، ولا هم الأصفياء، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
ووالله لقد غيرت الأمة وبدلت في جميع جوانب الحياة؛ فتأمل ستجد الأمة استبدلت بالعبير بعرى، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريق محرق مُهلك مُدمر، وظنت الأمة المسكينة أنها يوم أن نَحَّت شريعة الله وشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وراحت تلهث وراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الكافر تارة آخرى أنها قد رَكِبت قاربَ النجاةِ، فغرقت الأمة وأغرقت وهلكت الأمة وأهلكت، ولن تعود الأمة إلى سيادتها وريادتها إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها، ونبع شرفها، ومعين كرمها، ومعين بقاءها ووجودها؛ إلى كتاب ربها وسنة حبيبها ورسولها صلى الله عليه وسلم.
أيها الشباب لقد انحرفت الأمة فزلَّت وأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وصدق في الأمة قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: من قلة نحن يومئذ؟، قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟!، قال: حب الدنيا وكراهية الموت» (رواه أبو داوود: 4297، وصححه الألباني في الصحيحة برقم: 958).
نعم والله صدقت يا حبيبى يا رسول الله، لقد أصبحت الأمة الآن غُثاء، ذلت بعد عزة، وجهلت بعد علم، وضعفت بعد قوة، وأصبحت الأمة الإسلامية في ذيلِ القافلةِ الإنسانيةِ كلِها، بعد أنْ كانت الأمّةُ بالأمسِ القريبِ الدليلَ الحاذقَ الأرب، بعد أن كانت تقود القافلة الإنسانية كلها بقدارة واقتدار، أصبحت الأمة الآن تتسول على مائدة الفكر الإنساني، بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى التائهين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام، لقد أصبحت الأمة المسكينة تتأرجح في سيرها بل لا تعرف طريقها الذي ينبغي أن تسلكه ويجب أن تسير فيه، بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب جداً الدليل الحاذق الأرب في الضروب المتشابكة في الصحراء المهلكة التي لا يهتدي لل?ير فيها إلا الأولاء المجربون.
أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن الخيرية في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].
أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالوسطية في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143].
أهذه هي الأمة التي أمرها الله بوحدةِ الصفِ والاعتصامِ بحبل الله المتين في قوله سبحانه تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].
وفي قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].
إنّ الناظرَ إلى واقعِ الأمة المرِ المريرِ الأليمِ الذي لا يكاد يخفى على أحد ومما تتعرض له اليوم -لا أقول دولة بعينها- بل ما تتعرض له الأمة جلها من إذلالٍ مهينٍ، وما تتعرض له الآن من ذل وهوان وضرب بالنعالِ ليؤكد تأكيداً جازماً هذا الواقع المر الأليم الذي لا يحتاج لمزيد بيان أو مزيد تشخيص أو تدليل.
أيها الأحبة الكرام.. لا ريب على الإطلاق أن الأمة في سُباتٍ منذ أمد طويل، ولا ريب أنها مرضت وغاب مرضها، وجهلت وعظم جهلها، وضلت وضل قائدها، وتراجعت للوراء بعيداً بعيداً، ولكن مع كل هذا وذاك بحول الله وقوته لم تمت ولن تموت هذه الأمة الميمونة بموعود الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، لأن أبناء الطائفة المنصورة في هذه الأمة لا يخلو منها زمان ولا مكان بشهادة سيد الخلق أجمعين كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتى قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون على الناس» (رواه مسلم:1037). أسألُ اللهَ العلي القدير أن يجعلنا وإياكم من أبناء هذه الطائفة المنصورة التي تعيش لدين الله، وتتمنى أن تنصر بكل سبيل دين الله.
ولئن عرف التاريخ أوساً وخزرجا *** فلله أوس قادمون وخزرجَ
وإن كنوز الغيـب تخفي *** طلائع حرة رغم المكائد تخرجَ
صبح تنفس بالضياء وأشرقا *** وهذه الصحوةُ الكبرى تهز البيرقا
وشبيبة الإسلام هذا فيلقٌ *** في ساحةِ الأمجادِ يَتبعُ فيلقا
وٍقوافل الإيمان تتخذ المدى *** ضرباً وتصنع للمحيط الزورقا
وما أمر هذه الصحوة الكبرى سوى *** وعدٌ مِن الله الجليل تحققا
هي نخلةٌ طاب الثرى فنما لها *** جذع طويل في التراب وأعذقا
هي في رياضِ قلوبنا زيتونة *** في جزعها غصن الكرامة أورقا
فجر تدفق من سيحبس نوره؟! *** أرني يداً سدت علينا المشرقا
ثانيا: ولكن الإسلام قادم.
ولكن الإسلام قادم.. هذا وعد ربنا رغمَ أنوفِ المشركين والمنافقين والمجرمين إن الإسلام قادم.. نعم قادم، أنا أعي ما أقول، وأعي واقع الأمة المر الأليم الذي ذكرت باختصار سالفاً، ومع ذلك أؤكد لكم جميعاً بيقينٍ جازمٍ أن الإسلام قادم، فلقد سطّر علام الغيوب في كتابه العزيز: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، بالإيمان لا تهنوا، بالإيمان ولا تحزنوا، بالإيمان أنتم الأعلون، والله إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يوجد على وجهِ الأرضِ شرٌ محضٌ بالرغمِ مما نراه الآن من تهديدات لا لبلدٍ ما، بل للأمة جُلها، فأنا أقول إن هذا الشر سيجعل الله جل وعلا فيه خيراً كثيراً، فما من أزمة مرت بالأمة إلا وجعلها الله تبارك وتعالى سبب لقوة الإسلام، وما من ابتلاءٍ إلا وجعله الله سبباً لتمحيصِ الصدور، وسببًا لتمايز الخبيث من الطيب؛ فلقد قال الله في كتابه العزيز: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [ العنكبوت:2- 3].
ولقد ذكر سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام في البلاء سبعة عشر فائدة، ذكر هذه الفوائد كلها في البلاء، فلا تظن أنه مع هذه الأزمة سيزول الإسلام، وسينتهي المسلمون، لا وألف لا، لا والله.
لقد هجم القرامطة على المسلمين في بيت الله، وذبحوا الطائفين حول بيت الله، واقتلع أبو طاهر القرمطي الخبيث الملعون المجرم الحجر الأسود من الكعبة، وظل يصرخ عليه لعنة الله بأعلى صوته في صحن الكعبة وهو يقول: أين الطير الأبابيل؟!، أين الحجارة من سجيل؟!
انظروا إلى هذه الفتنة العاصفة الطاحنة على كل مسلم، وظل الحجر الأسود بعيداً عن بيت الله ما يزيد عن عشرين عاماً، ومع ذلك كله رد الله الحجر ورد الله المسلمين إلى دينه، وانتصر الإسلام على القرامطة كما تعلمون.
وها هو بلاءٌ آخر، لقد هجم التتار الكفار على بغداد وظلوا يذبحون ويقتلون أربعون يوماً حتى جرت الدماء في شوارع بغداد، ومع ذلك كله رد الله المسلمين إلى الإسلام، وأخذ الله ?لصليبيين والتتار وهزمهم شر هزيمة على أيد الصادقين المخلصين الأبرار، أليس هو القائل: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
ولكننا يا أمة الإسلام نريد تحقيق الإيمان فتدبروا معنى الآية الآنفة الذكر تقول لا تهنوا بالإيمان، ولا تحزنوا بالإيمان، أنتم الأعلون بالإيمان، إذاً لا مفر البتة من تحقيق الإيمان الصادق المخلص بالله رب العالمين.
وتدبروا معي قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:8- 9].
وتدبروا معي واسمعوا وعُوا جيدًا قولَ ربِ العالمين: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:32- 33].
إن المجرمين الكفرة الفجرة يريدون أن يطفئوا دين الله، وأبداً أبداً يأبى الله إلا أن يُتم نوره، وأنا أعتقد اعتقاداً جازماً أنها معركة غير متكافئة، لأنها بين القادر القاهر وبين الكفرة الفجرة، إي والله إنها معركة غير متكافئة، فمن له اليد العليا؟!
واسمع لقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].
نعم سينفقون آلاف الملايين ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلَبون، فها هو الإسلام ما زال قوياً شامخاً وسيبقى قوياً شامخاً، أين القرامطة؟! أين التتار؟! أين الصليبين؟! أين المجرمين؟! بل أين فرعون وهامان؟! بل أين أصحاب الأخدود؟! أين كل من عادى وحارب الإسلام أين؟!... هلك الجميع وبقى الإسلام، وسيبقى بموعود الرحمن قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ ?َسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
استحلفكم بالله الذي لا إله إلا هو أن تنتبهوا جيداً، وتعوا ما أقوله وما سأقصه عليكم الآن؛ لقد كنت في زيارة لأمريكا في العشرة الأواخر من رمضان الماضي ووقفت على وثيقة التنصير الكنسي ورأيت بابا الفاتيكان جون بول الثاني يصرخ في هذه الوثيقة على كل المبشرين أي على كل المنصّرين في أنحاء الأرض قائلاً: هيا تحركوا بسرعة لوقف الزحف الإسلامي الهائل في أنحاء أوروبا، ما تحرك أحد للإسلام، والله لو بُذل للإسلام ما يبذل لأي دين على وجه الأرض، ما بقي إلا الإسلام..
في الثالث والعشرين من رمضان الماضي التقيت برئيس جمعية شرطة المسلمين في أمريكا، وهو ضابط أمريكي الأصل، دار بيني وبينه حواراً طويلاً، بدأت حواري بسؤال فقلت له: كيف أسلمت؟! وتعجبت كثيراً حينما قال لي بأنه كان قسيساً متعصبًا للنصرانية، يقول: "لقد قرأت القرآن -أي الترجمة-، وقرأت عدد لا بأس به من أحاديث صحيح البخاري، وقد ذهبت يوماً لزميل لي وهو أمريكي مسلم فقالوا: إنه بالمسجد، فدخلت المسجد لأنادي عليه، فسمعت الآذان وأنا بباب المسجد، يقول: لقد هزت كلمات الآذان أعماقي وشعرت بتغيير كبير في داخلي، لا أستطيع أن أعبر لك عنه لأنني ما تذوقت طعمه قبل أن أستمع إلى هذه الكلمات للآذان، ثم نظرت إلى المسلمين وهم يصلون يقومون معاً ويسجدون معاً، وأنا أنادي على زميلي فلا يرد عليّ، فلما فرغ من الصلاة قلت له أنا رئيسك في العمل وأنادي عليك، فلم لا تجيبني؟! قال: أنا في صلاة بين يديّ ربي جل وعلا لا أجيب إلا هو، فأحسست بسلامٍ عميقٍ في صدري لهذا الدين..
فقلت لزميلي: ماذا تصنعون إن أردتم أن تدخلوا الإسلام؟!، فأمرني بالاغتسال، فاغتسلت وخرجت إلى صحن المسجد، فشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وكان اسمي مايكل فأصبح اسمي عبد الصبور، فقلت له سائلاً: ما نظرتك لمستقبل الإسلام في أمريكا؟! قال: الإسلام قوي جداً جداً في أمريكا، وأرجو أن تتدققوا الألفاظ فأنا أقول: الإسلام لا أقول المسلمون، ثم قال لي: أبشرك بأن كثيراً من الأمريكان بدأوا يفهمون أن رسالة عيسى هي رسالة محمد هي الإسلام، فقلت له: فهل لك أن تقص علي قصة مؤثرة لعضو من أعضاء جمعيتكم؟! قال: يا أخي القصة الوحيدة التي أستطيع أن أؤكدها لك هي أن الإسلام ينتشر بقوة في الشرطة الأمريكية".
ولقد ذهبت مع بعض إخواني من الدعاة والمشايخ إلى إخواننا الأمريكان من السود بمسجد التقوى، فورب الكعبة لقد احتقرنا أنفسنا بينهم، ترى الواحد منهم في صلاته خاشعاً يذكرك بسلف هذه الأمة والتقيت بضابط يقول لى: أصبح من بين هذا العدد ولله الحمد ما يزيد على ألفين وخمسين ضابط يوحدون الله جل وعلا، وهذا عدد كبير ليس بالعدد القليل الهين، ثم قص علىَّ قصة طريفة، فقال: لقد أسلمت ضابطة أمريكية، وجاءت في اليوم التالي تلبس الحجاب، فقال لها رئيسها: ما هذا؟! قالت: لقد أسلمت، قال: لا حرج، لكن اخلعى هذا الثوب. قالت: لا، وردت المرأة بقول عجيب أتمنى أن تستمع إليه كل متبرجة في بلدنا تنتسب إلى الإسلام، قالت: إن الله هو الذي أمرني بالحجاب ولا توجد سلطة على وجه الأرض تملك أن تنزع عني هذا الحجاب إلا بأمر الله. الله أكبر!
إنه اليقين، نعم اليقين، كلمات عجيبة ورب الكعبة، قلت له: "أخي أود منك أن توجه ثلاثة رسائل، الرسالة الأولى للأمريكان، والرسالة الثانية للمسلمين في أمريكا، والرسالة الثالثة للمسلمين في مصر، فقال: أما رسالتي الأولى للأمريكان هي إننا نؤمن بعيسى كما نؤمن بمحمد، سبحان الله! إنه فهم دقيق عميق للدين، ولا عجب فقد كان الرجل قسيساً..
ونود أن يعلم هؤلاء أننا نُجل عيسى ونُجل مريم عليهما السلام، قلت: وجه رسالة للمسلمين في أمريكا، قال: "أقول لهم اصبروا ولا تتعجلوا فإنه لا يتحقق شيء أبداً بدون الصبر -ترجمة حرفية لكلام الرجل-، ثم أقول لهم إن أخطأ واحد منكم فلا ينبغي أن تفزعوا وتحزنوا فلو لم نخطئ ما احتجنا الرب سبحانه وتعالى، فإننا نخطئ لنتوب إلى الله عز وجل"، إنها ورب الكعبة أفق رجل عميق الفكر دقيق النظر، قلت: فوجّه رسالة أخيرة للمسلمين في مصر سأنقلها على لسانك إلى الآلاف من المسلمين، فقال: "قل لهم إن بعدت بيننا وبينكم آلاف الأميال فإن رحمة الله قد وسعت كل شيء، وإننا نحبكم في الله".
أيها الشباب... اعلموا أنه قد بلغ عدد المساجد في قلب قلعة الكفر ما يقرب من ألفي مسجد، وفي ولاية نيويورك فقط مائة وخمسة وسبعين مركز ومسجد إسلامي، ألم يقل ربنا: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [سورة التوبة:33].
وإن آخر الإحصائيات تقول بأن عدد المسلمين في فرنسا يزيد على خمسة مليون مسلم، وفي بريطانيا عدد المسلمين يزيد على اثنين مليون مسلم، وفي كل سنة يدخل الإسلام من البريطانيين ما يزيد على ألفي مسلم من أصل بريطاني، أرقام تبشر بالخير... فالإسلام دين الفطرة، وإنه لقادم لا محال مهما وُضِعت في طريقه العقبات والسدود والعراقيل قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} [الفتح: 28].
إن هؤلاء الكفرة لو سمعوا عن الإسلام وعرفوا صورته الحقيقية جاءوا إليه مسرعين، فإ?هم يعيشون حالة قلقٍ رهيبة، ومن سافر إلى بلاد الشرق والغرب وقف على حجم عيادات الطب النفسي وعرف حجم هذا الخطر، فإنهم قد أعطوا البدن كل ما يشتهيه، وبقيت الروح في أعماق أبدانهم تصرخ وتبحث عن دوائها وغذائها ولا يعلم دواءها وغذاءها إلا الله، قال جل في علاه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].
وها هم العلمانيون يريدون أن يخلعوا عباءة الإسلام عن تركيا بكل قوة {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32].
ففي زيارتي الأخيرة يقول لي أخ تركي: إن عدد المساجد في تركيا يزيد عن خمسة وستين ألف مسجد، ويقسم لي بالله أنهم في رمضان الماضي كانوا يصلون الفجر خارج المسجد كأنهم في صلاة الجمعة، ومع ذلك انظر إلى الضربات التي تكال على تركيا كيلاً، فإن أتباع أتاتورك الخبيث الهالك يريدون أن يجعلوها علمانية بعيداً عن الإسلام، لكنهم عاجزون، إنهم يرقصون رقصة الموت لما يرون كل يوم من شباب في ريعان الصبا، وفتيان في عمر الورود يغذون هذا المد الإسلامي الهائل، لا أقول في مصر ولا في بلاد المسلمين بل في العالم كله، إننا والله نرى العجب العجاب، ونرى الخير الكثير وهذا من باب قول الله سبحانه: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان وهو حديث صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» (رواه أحمد: 18430، وصححه الألباني في الصحيحة برقم: 5).
أسأل الله أن يعجل بالخلافة التي على منهاج النبوة، وأن يمتعنا بالعيش في ظلالها، وإن لم يقدِّر لنا فأسأله أن لا يحرم أبنائنا وأولادنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها...» (رواه مسلم: 2889).
يا أمة التوحيد: لم اليأس؟! إن اليأس سيزيد النشيط خزلاناً، وسيزيد اليائس والقانط يأسأً وقنوطاً.
الرسول وهو في أحلكِ الأزماتِ والأوقاتِ وهو يُطارَد وأصحابه مهاجرون يقول الخباب بن الأرت: «والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه» (رواه البخاري: 3612).
أليس الله هو القائل: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
يا أهل التوحيد: اعلموا علم اليقين بأن كل ابتلاء يزيد الإسلام صلابة ويزيد المسلمين قوة، ويخرج من الصف من خبث في صفوف المؤمنين وقلبه مملوء بالنفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (رواه مسلم: 2999).
وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين وأقر الحاكمَ الذهبيُ وقال الألباني: بل هو صحيح على شرط مسلم، من حديث تميم الدّاريّ أن قال الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترُكُ الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين بعزٍ عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر» (رواه أحمد: 16344، وصححه الألباني في الصحيحة برقم: 3).
ومن جميل ما قاله المفكر الشهير اشبنكنز: "إن للحضارات دورات فلكية فهى تغرب هنا لتشرق هناك، وإن حضارة أوشكت على الشروق في أروع صورة ألا وهي حضارة الإسلام الذي يملك وحده أقوى قوة روحانية عالمية نقية".
أيها الموحدون.. والله والله ما بقي إلا أن ترتقي هذه الأمة إلى مستوى هذا الدين وأن تعرف الأمة قدر هذه النعمة التي امتن بها علينا رب العالمين.
لقد ذكرت آنفاً أن ما وقع للأمة وقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولن تعود الأمة إلى عِزَّتها وسيادتها إلا وِفْقَ هذه السنن التي لا يجدي معها تعجل الأذكياء ولا هم الأصفياء، إذاً محال محال أن ينصر الله عز وجل هذه الأمة وهى خاذلة مضيعة لدينه، بل لا بد أن تنصر الأمة دين الله لينصرها، أليس الله هو القائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].
أليس الله هو القائل: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
أليس الله هو القائل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47].
أليس الله هو القائل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
إذاً لا بد أن نقف جميعاً على بنود هذا المنهج العملي الواجب التنفيذ، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء و أرجئ الحديث عن هذا العنصر إلى ما بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وأحبابه، وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الأحبة الكرام...
ثالثاً: منهج عملى واجب التنفيذ.
أول خطوة عملية على طريق عودة الأمة إلى عزتها وسيادتها وعلى طريق نصرة الله لها هي أن تعود عوداً حميداً إلى كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعودة إلى القرآن والسنة ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً من الأمة، بل إنها عودة واجبة بل إنها أمام حد الإسلام وشرط الإيمان، فلقد سجل الله في كتابه العزيز: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
فالخطوة العملية الأولى: أن أبدأ بنفسي وتبدأ بنفسك، ولا ينبغي أن نعلق كل ما نسمع على غيرنا، فلنبدأ من الآن قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165].
فلو بدأ كل واحد منا وحوّل هذا الكلام في بيته وفي عمله وفي شتى أمور حياته كلها إلى واقعٍ عملي ومنهج حياة، والله لغيّر الله حالنا، فليرجع كل مسلم إلى الله وإلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم كل مسلم على وجه الأرض أن شعار المنافقين واليهود هو سمعنا وعصينا، وأن شعار المؤمنين سمعنا وأطعنا.
قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51].
هذا قول الله ومن أصدق من الله قولاً؟! أما شعار أهل النفاق فقد سطر الله في كتابه عنهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} [النساء: 60- 61].
الخطوة الثانية: تمايز الصف من المؤمن والكافر.
اختر لنفسك الطريق وحدد السبيل والغاية من الآن، وقل لنفسك هل أنت متمثل لأمر الله ولأمر رسول الله؛ شعارك سمعنا وأطعنا، أم شعارك سمعنا وعصينا، واعلم أن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
الخطوة الثالثة: إقامة الفرقان الإسلامي.
هذه هي الخطوة العملية من بنود المنهج ليبدأ كل منا بنفسه ليستبين سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين، مستحيل، لا نريد أن نعيش هذه الحالة التي عليها الأمة، حالة الغبش وحالة التذبذب وحالة اللا ولاء واللا براء، بهذه الحالة لن نقيم لله ديناً في أرضه، بل لا بد وحتماً أن توالي الله ورسوله والمؤمنين وأن تتبرأ من الشرك بكل صوره والمشركين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، علينا أن نُطَهِّرَ عقيدة الولاء والبراء ونربي أولادنا على هذه العقيدة.
أين الولاء لله ورسوله وللمؤمنين في كل مكان وزمان؟! وأين البراء من الشرك كله والمشركين أينما وحينما وجدوا؟! لا بد من إقامة الفرقان الإسلامي حتى يستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، ومن أروع صور الولاء والبراء ما رواه ابن جرير الطبري وغيره بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، فلما جاء قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، فقال عبد الله: "وماذا يقول أبي، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، فقال عبد الله: لقد صدق والله يا رسول الله فأنت والله الأعز وهو الأذل، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله، وإن أهل يثرب لا يعلمون أحداً أبَرَّ بأبيه مني أما وقد قال فلتسمعن ما تَقَرُ به عينُك".
فلما قدموا المدينة قام عبد الله على بابها بالسيف لأبيه ثم قال: "أنت القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؟! أما والله لتعرفن هل العزة لك أم لرسول الله، والله لا يأويك ظلها ولا تبيتن الليلة فيها إلا بإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فصرخ عبد الله بن أُبي: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي!، فاجتمع إليه رجال فكلموه. فقال: والله لا يدخل بيته إلا بإذن من الله ورسوله، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال: « »، فأتوه فقالوا له ذلك فقال: أما وقد جاء الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم، ليعلم من الأعز ومن الأذل".
إنه الولاء لله ورسوله.. أليس الله هو القائل: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22].
رابعاً: رفع راية الجهاد.
لنرفع راية الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، لا من أجل وطنية، ولا من أجل قومية، ولا من أجل حرية، لقول سيد البشرية صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (رواه البخاري: 3126).
ولن ترفع الأمة راية الجهاد إلا إذا عادت ابتداءً إلى كتاب الله وسنة رسول الله.
خامساً: تحويل الإسلام في حياتنا بأخلاقياته وسلوكياته إلى واقع عملي ومنهج حياة.
إننا نرى بوناً شاسعاً بين منهجنا وواقعنا، بين ما نتعلمه من أخلاق وما نحن عليه من أخلاق، فلابد أن نحول هذا الدين العظيم إلى واقع عملي في بيوتنا وفي عملنا وفي شوارعنا وشتى أمور حياتنا.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لنعلم يقيناً أن القول إذا خالف العمل بذر بذور النفاق في القلوب، كما قال علام الغيوب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2- 3].
أيها الأحبة الكرام: إننا لا نخاف على الإسلام لأن الذي وعد بإظهاره على الدين كله هو الله الذي يقول للشيء كن فيكون هو الله، وإنما نخاف على المسلمين إن هم تركوا الإسلام وضيعوا الإسلام، نسأل الله جل في علاه أن يرد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم قيّد لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية يا رب العالمين.
(من خطب الشيخ محمد حسان).
- التصنيف:
- المصدر:
محمد بوطاهر
منذ