(2) حكم وشروط الاعتكاف
عبد السلام حمود غالب الأنسي
متابعة لما نشرنا سابقًا حول مفهوم الاعتكاف وزمانه ومكانه نواصل بقية أحكامه..
المبحث (الثاني والثالث).
- التصنيفات: فقه الصيام - ملفات شهر رمضان -
متابعة لما نشرنا سابقًا حول مفهوم الاعتكاف وزمانه ومكانه نواصل بقية أحكامه..
المبحث (الثاني والثالث).
المبحث الثاني - حكم الاعتكاف وما يوجبه النذر على المعتكف.
المبحث الثالث - شروط الاعتكاف.
المبحث الثاني - حكم الاعتكاف وما يوجبه النذر على المعتكف.
المطلب الأول - حكم الاعتكاف:
الاعتكاف غير المنذور مستحب باتفاق العلماء، ولكن يُحسن بيان الآراء المذهبية لتحديد رتبة السنة على وجه الدقة.
فقال الحنفية: "الاعتكاف ثلاثة أنواع: واجب، وسنة مؤكدة، ومستحب".
أما الواجب: فهو المنذور، كقوله: "لله عليَّ أن أعتكف يومًا" أو أكثر مثلًا.
وأما السنة المؤكدة على سبيل الكفاية: فهي اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، لاعتكافه صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه بعده.
وأما المستحب: فهو في أي وقتٍ سوى العشر الأخير، ولم يكن منذورًا، كأن ينوي الاعتكاف عند دخول المسجد، وأقله: مدة يسيرة، ولو كانت ماشيًا على المفتى به.
والصوم شرط لصحة الاعتكاف المنذور فقط وغير شرط في التطوع، وأقله يوم، فلو نذر اعتكاف ليلة لم يصح، وإن نوى معها اليوم لعدم محليتها للصوم، أما لو نوى بها اليوم صح، والفرق أنه في الحالة الأولى جعل اليوم تبعًا لليلة، ولما بطل نذره في المتبوع وهو الليلة، بطل في التابع وهو اليوم، وأما في الحالة الثانية، فقد أطلق الليلة، وأراد اليوم مجازًا مرسلًا، باستعمال الليلة في مُطلَق الزمن وهو اليوم، فكان اليوم مقصودًا.
ولو نذر الاعتكاف ليلًا ونهارًا، وإن لم يكن الليل محلًا للصوم، لأنه يدخل الليل تبعًا.
وقال المالكية: الاعتكاف قربة ونافلة من نوافل الخير ومندوب إليه بالشرع أو مرغب فيه شرعًا للرجال والنساء، لا سيما في العشر الأواخر من رمضان، ويجب بالنذر.
وقال الشافعية والحنابلة: "الاعتكاف سنة أو مستحب كل وقت، إلا أن يكون نذرًا، فيلزم الوفاء به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه، تقربًا إلى الله تعالى، واعتكف أزواجه بعده معه. فإن نذره وجب الوفاء به على الصفة التي نذرها من تتابع وغيره، لحديث: « » (رواه البخاري)، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: « ».
المطلب الثاني ـ ما يوجبه النذر على المعتكف:
إذا نذر المسلم نذر يوم أو أيام، فهل يدخل معه الليل، وهل يجب التتابع بين الأيام أو لا، ومتى يدخل المعتكف هل قبل الغروب أو قبل طلوع الفجر؟
الجمهور يرون دخول الليل مع اليوم، ويجب التتابع بين الأيام المنذورة كأسبوعٍ وشهر، ويدخل المعتكف قبل غروب شمس ذلك اليوم، ويخرج بعد الغروب من آخر يوم. والشافعية لا يرون دخول الليلة مع اليوم إلا في العشر الأخير من رمضان، ولا يلزمه التتابع فيه على الأظهر إلا بشرط، ويدخل المعتكف قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس.
وعبارة الحنفية: "من أوجب على نفسه اعتكاف يومين فأكثر، لزمه اعتكافها بلياليها؛ لأن الليالي تدخل تبعًا؛ لأن ذكر الأيام بلفظ الجمع يدخل فيها لياليها، ويلزمه تتابعها وإن لم يشترط التتابع؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع، بخلاف الصوم فإن مبناه على التفرق؛ لأن الليالي غير قابلة للصوم، فيجب على التفرق، أما الاعتكاف فالأوقات كلها قابلة له..
وتدخل الليلة الأولى، ويدخل المسجد قبل الغروب من أول ليلة، ويخرج منه بعد الغروب من آخر أيامه..
ومن نذر اعتكاف الليالي لزمته الأيام، وتلزمه الليالي بنذر اعتكاف أيام متتابعة، ويلاحظ أن الليالي تابعة للأيام التالية إلا ليلة عرفة وليالي النحر فتبع للنُهُر الماضية رفقًا بالناس".
وعبارة المالكية: "ولزم المعتكف يوم بليلته المنذورة، وإن نذر ليلة فقط، فمن نذر ليلة الخميس، لزمه ليلته وصبيحتها، ولا يتحقق الصوم الذي هو من شروط الاعتكاف غير المنذور، فيلزم ما نواه قلَّ أو كثر بدخوله معتكفه..
ولزم دخول المعتكف قبل الغروب أو معه، ليتحقق له كمال الليلة. ولزم خروجه من معتكفه بعد الغروب ليتحقق له كمال النهار".
وعبارة الحنابلة: "من نذر اعتكاف شهر، لزمه التتابع، ودخلت فيه الليالي، ودخل معتكفه قبل غروب شمس ليلته الأولى، ولا يخرج إلا بعد غروب شمس آخر أيامه..
وإن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه، ولم تدخل ليلته، ويلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لأن الليلة ليست من اليوم، وهي من الشهر، وإطلاق اليوم يفهم منه التتابع فيلزمه، كما لو قال متتابعًا، وكذا إطلاق الشهر يقتضي التتابع، كما لو حلف: "لا يكلم زيدًا شهرًا" وكمدة الإيلاء والعُنَّة والعدة، بخلاف الصيام. فإن أتى بشهر بين هلالين أجزأه ذلك، وإن كان الشهر ناقصًا، وإن اعتكف ثلاثين يومًا من شهرين جاز؛ وتدخل فيه الليالي؛ لأن الشهر عبارة عنهما، ولا يجزئه أقل من ذلك".
وعبارة الشافعية: "إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة، بلا خلاف، فالليلة ليست من اليوم، بل يلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لأن حقيقة اليوم: ما بين الفجر وغروب الشمس..
وإن نذر اعتكاف شهر بعينه، لزمه اعتكافه ليلًا ونهارًا أي دخلت لياليه، سواءً أكان الشهر تامًا أم ناقصًا؛ لأن الشهر عبارة عما بين الهلالين أي جميع الشهر، تم أو نقص إلا أن يستثنيها لفظًا. وإن نذر اعتكاف نهار الشهر، لزمه النهار دون الليل؛ لأنه خص النهار، فلا يلزمه الليل.."، وهذا موافق للحنابلة.
والراجح عند الأكثرين من الشافعية: أنه إن نوى التتابع أو صرّح به، لزمته الليلة، وإلا فلا.
والصحيح أنه لا يجب التتابع بلا شرط، وأنه لو نذر يومًا لم يجز تفريق ساعاته، وأنه لو عين مدة كأسبوع وتعرض للتتابع فيها لفظًا وفاتته، لزمه التتابع في القضاء، وإن لم يتعرض للتتابع لم يلزمه في القضاء جزمًا؛ لأن التتابع فيه لم يقع مقصودًا، بل لضرورة تعين الوقت، فأشبه التتابع في شهر رمضان.
ولو قال: لله عليَّ أن أعتكف العشر الأخير من رمضان، دخلت لياليه، حتى الليلة الأولى، ويجزئه وإن نقص الشهر، لأن هذا الاسم يقع على ما بعد العشرين إلى آخر الشهر، بخلاف قوله: عشرة أيام من آخر الشهر، وكان ناقصًا لا يجزئه؛ لأنه جرَّد القصد إليها، فيلزمه أن يعتكف بعده يومًا.
ولو نذر اعتكاف يوم معين ففاته فقضاه ليلًا، أجزأه. ولو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد فقدم ليلًا، فالمعتمد أن يقضي يومًا كاملًا، وذلك إذا قدم حيًا مختارًا، فلو قدم فيه ميتًا أو قدم مكرهًا، فلا شيء عليه.
المبحث الثالث ـ شروط الاعتكاف يشترط لصحة الاعتكاف ما يلي:
1- الإسلام: فلا يصح الاعتكاف من الكافر؛ لأنه من فروع الإيمان.
2- العقل أو التمييز: فلا يصح من مجنون ونحوه، ولا من صبي غير مميز؛ لأنه ليس من أهل العبادات، فلم يصح منه الاعتكاف كالكافر، ويصح اعتكاف الصبي المميز.
3- كونه في المسجد: فلا يصح في البيوت، كما تقدم، إلا أن الحنفية أجازوا للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها: وهو محل عينته للصلاة فيه.
4- النية اتفاقًا: فلا يصح الاعتكاف إلا بالنية، للحديث المتقدم: « » ولأنه عبادة محضة، فلم تصح من غير نية كالصوم والصلاة وسائر العبادات. وأضاف الشافعية: "إن كان الاعتكاف فرضًا، لزمه تعيين النية للفرض، لتميزه عن التطوع".
5- الصوم: شرط مطلقًا عند المالكية، وشرط عند الحنفية في الاعتكاف المنذور فقط دون غيره من التطوع، وليس بشرط عند الشافعية والحنابلة فيصح بلا صوم، إلا أن ينذره مع الاعتكاف، ويصح عند الجمهور غير المالكية اعتكاف الليل وحده إذا لم يكن منذورًا.
ودليل المشترطين حديث: « ».
ودليل غير المشترطين حديث عمر أنه قال: "يا رسول الله، إني نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام ليلة، فقال له: « »"، وفي رواية أنه جعل على نفسه أن يعتكف يومًا.. إلخ فلم يشترط له الصيام، ولصحة اعتكاف الليل، لأنه لاصيام فيه، ولحديث ابن عباس: « » (قال بعض الحفاظ: "والصحيح أنه موقوف").
6- الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس: شرط عند الجمهور، إلا أن الخلو.
من الجنابة شرط عند المالكية لحل المكث في المسجد، لا لصحة الاعتكاف، فإذا احتلم المعتكف وجب عليه الغسل إما في المسجد إن وجد فيه ماء، أوخارج المسجد.
وكذلك قال الحنفية: "الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف، لا لصحته، فلو اعتكف الجنب، صح اعتكافه مع الحرمة. وأما الخلو عن الحيض والنفاس فهو شرط لصحة الاعتكاف الواجب".
7- إذن الزوج لزوجته: شرط عند الحنفية والشافعية والحنابلة، فلا يصح اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها، ولو كان اعتكافها منذورًا. ورأى المالكية: "أن اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها صحيح مع الإثم".
وأضاف ابن جزي المالكي شرطًا آخر: وهو الاشتغال بالعبادة على قدر الاستطاعة ليلًا ونهارًا، من الصلاة والذكر والتلاوة خاصة، عند ابن القاسم، ومن سائر أعمال الآخرة عند ابن وهب، فعلى الأول، وهو الراجح، لا يشهد جنازة ولا يعود مريضًا، ولا يدرس العلم، وعلى الثاني: يفعل ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- (لمزيدٍ من الفائدة: يُراجع الفقه الإسلامي وأدلَّته للزحيلي).
- (الموسوعة الفقهية: منقول للفائدة دون تصرُّف).