تدبر - [218] سورة الأنبياء (3)
بين التماثيل العملاقة تقدّم.. ها هي تبدو مهيبة ونيران المشاعل تلقي بظلال متراقصة على طلائها اللامع قد عُلِّقت أمامها القرابين الغالية؛ من صنوف الطعام والشراب، وقد بدأت اللحوم في التعفُّن؛ من طول ما عُلِّقت من دون أن ينتفع بها مخلوق..!
بين التماثيل العملاقة تقدّم..
ها هي تبدو مهيبة ونيران المشاعل تلقي بظلال متراقصة على طلائها اللامع قد عُلِّقت أمامها القرابين الغالية؛ من صنوف الطعام والشراب، وقد بدأت اللحوم في التعفُّن؛ من طول ما عُلِّقت من دون أن ينتفع بها مخلوق..!
ألاَ تأكلون؛ صاح إبراهيم!
ردَّدت جدران المعبد صدى صيحته العالية..
إنه يسألكم فلم لا تردون؟!
إنه يُحاججكم فلم لا تدفعون؟!
ما لَكُم لا تَنطِقون؟!
لا مجيب ولا جواب إلا الصمت..!
ولو كان للصمت لسان لصاح مجيبًا:
لا فائدة يا إبراهيم..!
لا فائدة تُرجى من تلك الأحجار المصمتة..!
لا قيمة لتلك الآلهة المزعومة..!
ولا عقول ولا حكمة لمن يظنون بها غير ذلك..!
لم يتردَّد المِقدام، ولم يتلكأ الخليل، الذي لم يعرف يومًا التراجع ولا التباطؤ ولا النكول..
لقد قال ووعد: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء:57]..
وسيُوفي بوعده، ويبرّ قسمه، ولو كان الثمن... حياته..
استل الخليل معوله..
وضرب..
بكل الغضب للحق، والغيرة التى تعتمل في نفسه... ضرب..
بكل العِزَّة والإباء الإيماني... ضرب..
بكل البغض والاحتقار، لهذه الأحجار الفاتنة، ولهذا المنطق العليل... ضرب.
لم تمرّ لحظات حتى كانت الحجارة تتهاوى عند قدميه الفتيتين..
لم تمرّ لحظات إلا وظهرت الحقيقة الجلية..
هؤلاء تراب..
لا يساوون شيئًا..
إنها ليست معركة متكافئة..
إن فأس الحق يطيح برءوس الطواغيت التى طالما سجدت لها جباه الأقوياء..
فلتهتز جدران معبد الكفر أمام ضربات العقيدة ومعاول الحق والتوحيد..
الآن صاروا جُذاذًا وعادوا إلى حقيقتهم..
هباءً منثورًا..
لقد ترك فقط كبيرهم..
تركه وأهون عليه أن يلحقه برفاقه لكنها الحجة والبرهان..
ها هي أداة السحق لزملائك..!
ادفع عن نفسك التهمة يا أبكم..!
ادفع عن نفسك إن كنت تستطيع، ولن تستطيع، فما أنت إلا مثلهم فقاعة لن تلبث إلا أن تنفجر حين يقربها وهج الحق.
ــــــــــــــــــــــــــ
من كتابي: (العودة إلى الروح).
- التصنيف: