تفسير سورة القيامة (3)
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
من براهين البعث العقلية خلق آدم الأول بعد الإقرار بما جاء به النص، خلق آدم الأول وأنه بعد موت الإنسان ينعكس ما حصل أولًا، فتخرج الروح أولًا، ثم يكون حمأ مسنونًا في القبر ويتصلب، وبعد ذلك يكون صلصالًا، ثم بعد ذلك يبدأ يتفتت حتى يكون ترابًا، فيرجع إلى ما كان عليه.
- التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -
من البراهين قصة خلق آدم عليه السلام، فإن آدم خلقه الله جل وعلا وابتدأ خلقه من طين، من تراب، صلصال، حمأ مسنون، فلما اكتمل خلقه نفخ الله جل وعلا فيه الروح {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72]، وهذا الابتداء -ابتداء للخلق أول مرة- برهان على الإعادة لأنك تجد أن الإنسان إذا مات ينعكس هذا الخلق.
فآخر ما دخل فيه الروح، وأول ما يخرج منه عند ابتداء الحياة الآخرة أول ما يخرج منه الروح، فبه صار بشرًا سويًا؛ بدخول الروح، فإذا أراد الله جل وعلا أن يميته أمر الملائكة بأن يقبضوا روحه فيبقى جسدًا -يعني الإنسان- مثل ما كان أول مرة، جسدًا لا روح فيه، لو نفخ فيه الروح صار حيًا.
ثم بعد ذلك لو انتُظر بهذا الجسد قليلًا بعد فراق الروح، لانتقل إلى الحال قبل دخول الروح فيه أول مرة، ثم الحال التي تليه، ثم الحال حتى يكون ترابًا رميمًا في القبر.
فإذن من براهين البعث العقلية خلق آدم الأول بعد الإقرار بما جاء به النص، خلق آدم الأول وأنه بعد موت الإنسان ينعكس ما حصل أولًا، فتخرج الروح أولًا، ثم يكون حمأ مسنونًا في القبر ويتصلب، وبعد ذلك يكون صلصالًا، ثم بعد ذلك يبدأ يتفتت حتى يكون ترابًا، فيرجع إلى ما كان عليه.
تبقى بذرة الإنسان في القبر، قد ثبت في الصحيح من حيث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «» -يعني النفخة الأولى والثانية يعني نفخة الصعق ونفخة البعث «»، قالوا: "يا أبا هريرة أربعون يومًا؟"، قال: "أبيت؟"، قالوا: "أربعون شهًرا؟"، قال: "أبيت". يعني أبيت أن أقول شيئًا لا علم لي به قال بعد ذلك يعني تتمة لحديث النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «».
لهذا في القرآن كثيرًا ما تجد أن دليل البعث إحياء الله جل وعلا الأرض بعد موتها، أنت الآن تأتي إلى أرض لا فيها لا عشب ولا نبات إلى آخره، وتأخذ التراب وتمحصه وتنظر هل فيه بذور، هل ترى بذور وتشوف هذه بذرة كذا، لا ترى بذورًا، إذا أنزل الله جل وعلا عليه الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى، الآن هذه الأرض فيها كثير من بذور بني آدم.
خفف الوطأ فما أظن أديم *** الأرض إلا من هذه الأجساد.
فهناك بذور كثيرة.
فالله جل وعلا أقام البرهان على إعادة البعث بما تراه من إحياء الأرض الميتة، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال « » يعني هذه البذرة يركب الإنسان.
فإذا أراد الله جل وعلا قيام الناس من رب العالمين هناك نفخة الصعق يموت الجميع، بين نفخة الصعق ونفخة البعث هناك أحوال عظيمة يكون فيها تغيّر هذا الكون، الأرض لا أحد عليها تتغير، الجبال تذهب {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا . فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} [طه:105-106] يعني الأرض {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه:107]، هذا الذي دفن وراء جبل أو دفن في سهل خلاص الأرض استوت، صارت الآن الجبال ذاهبة، الوديان أيضًا تتغير، الأرض مُدت، السماء تغيرت، الشمس كورت، القمر تغير.
يعني أن ما بين النفختين تتغير فيه أحوال الملكوت لأجل الاستعداد ليوم القيامة العظيم.
ثم جل وعلا يُرسل مطرًا كما ثبت ذلك في الحديث تمطر به الأرض أربعين صباحًا، وهذا المطر وصفه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بأنه كمني الرجال؛ يعني أبيض غليظ، ليس من مني الرجال لكنه كمني الرجال يناسب تلك الإعادة، وتتخيل الأرض والناس الآن بذر فيها، فيمطر الله جل وعلا ذلك المطر، وكما تنبت الآن الأرض بالمطر كذلك تنبت الأرض بالأجسام تنبت أجسام عكس الذي حصل أولًا، يعني خلق آدم ثم عكسه، ثم يرجع من جديد، وآخر شيء تأتي الروح.