تفسير سورة القيامة (4)
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
في هذه السورة بين جل علا في أولها هذا يوم القيامة واستغراب من استغرب {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ}، الإنسان هنا المراد به الإنسان الكافر لأن المؤمن يؤمن بذلك.
في آخر السورة أقام البرهان على ذلك فكر في نفسك كيف جئت {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:37-40]، بلى إنك قادر سبحانك.
- التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -
وقد قال فيها ابن القيم في أبيات جميلة في النونية قال:
وإذا أراد اللهُ إخراج الـورى *** بعد الممات إلى المعاد الثـاني
ألقى على الأرض التي هم تحتها *** والله مقتدر وذو سلطــان
مطــرًا غليظًا أبيضًا متتابعًا *** عشًرا وعشًرا بعدها عشـران
فتظل تنبت منه أجسام الورى *** مثل النبات كأجمل الرّيحــان
حتى إذا ما الأم حان ولادهـا *** وتمخضت فنفاسها متـدانـي
أوحى لها ربُّ السماء فتشقّقت *** فإذا الجـنين كأكمل الشبـان
يعني عمره ثلاث وثلاثين سنة، هذه أجساد بدون أرواح.
فيأمر الله جل وعلا الملك أن ينفخ في الصور نفخة الحياة؛ نفخة البعث بعد الموت {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر من الآية:68].
هنا قال جل وعلا في سورة القيامة {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ . بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:3-4]، وهذا في شيء ليس هو مجرّد جمع العظام الذي استغربه المشركون، ولكن أبلغ، حتى البنان سيعود كما هو، البنان هذا الذي لا يشترك واحد من الخلق مع آخر في شكل بنانه -يعني في شكله- فإنه سيعود كما كان، بهذه البذرة الصغيرة من آخر عظم الظهر، يعني أن كل إنسان سيعود الأرواح؛ وأرواح السعداء في الجنة، وأرواح الأشقياء في النار، ثم تعود الأرواح إلى الأجساد في أعظم اتصال وأبلغ اتصال بما لا يكون معه انفكاك، حياة دائمة لا يقبلها الجسد الانفكاك عن الروح ولا الروح الانفكاك عن الجسد.
في هذه السورة بين جل علا في أولها هذا يوم القيامة واستغراب من استغرب {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ}، الإنسان هنا المراد به الإنسان الكافر لأن المؤمن يؤمن بذلك.
في آخر السورة أقام البرهان على ذلك فكر في نفسك كيف جئت {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:37-40]، بلى إنك قادر سبحانك.
السورة موضوعها واحد:
وفي أولها؛ ذكر يوم القيامة والاستغراب الكافر له.
وفي آخرها؛ البرهان على ذلك -أحد البراهين-.
وما بين ذلك؛ فيها وصف لما يحصل يوم القيامة، وفيها وصف للكافر وصف للمؤمن، وصف للسعداء ووصف للأشقياء، وحالة الموت الذي لا يفرّ منه لا يستطيع أحد أن يفرَّ منه.
فالواجب على كل مسلم خاصة في هذا الشهر الكريم أن يعوِّد نفسَه تدبر القرآن؛ لأن الله جل وعلا أمر عباده بالتدبر، وبالتدبُّر يحصل القلب أمور السرور والانشراح والبهجة، لأنّ الله أمرك بذلك حيث قال سبحانه {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وقال {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، وقال {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون من الآية:68]، وقال {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص:29].
فإذن القرآن يحتاج إلى تدبر، وأهل الذكر الذين مدحهم الله جل وعلا هم أهل القرآن؛ الذين تدبروا وعلموا وفقهوا الذي عنده استعداد لفقه الكتاب وفقه السنة فيسعى لذاك ويفقه، والتفسير بحره طويل من جهة لغته ومن جهة العقيدة التي يمكن تقريرها عن طريق التفسير والمسائل.
والسورة مليئة بمسائل كثيرة؛ لكن نكتفي بهذه الإشارة عن غيرها لضيق الوقت.
أسأل الله جل وعلا لي ولكم البصيرة في الدين، وأن يجعلنا من أهل القرآن، ومن المتدبرين فيه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
تفسير سورة القيامة