[221] سورة الأنبياء (6)
محمد علي يوسف
- التصنيفات: التفسير -
وها هم قد نصبوا المنجنيق وأوقدوا النيران..
وإنها ليست أي نيران..
إنه جحيم يبني بنيانًا تتحاكى عنه الأجيال..
إنه لبنيان من اللهب ألسنته تتطاير حتى تكاد تحرق ظهور الطير في كبد السماء - إذا ما مرَّت من فوق الجحيم..
{ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الأنبياء من الآية:97]..
وها هو البطل يتقدَّم، رافعًا رأسه صابرًا محتسبًا، لم تحن رأسه أثقال القيود، ولا دفعات السفهاء..
وماذا يضيره إن مات فدى ربه..
إن قُتِل فداءً للحق الذي يؤمن به؟
وهل ترهبه نيرانهم؟
وماذا عساها تكون في نيران الآخرة التي تنتظرهم؟
تقدَّم الفتى العزيز إلى المنجنيق، وليس على لسانه إلا كلمة واحدة..
حسبي الله ونعم الوكيل..
يكفيه الله لا يريد سواه..
ترى كيف كانت مشاعره وهو يقترب من النيران؟!
كيف كان إحساسه، وألسنة اللهب تبدو من بعيد، وهو يقترب منها بسرعةٍ رهيبة؟!
حسبي الله ونعم الوكيل..
لا غير، ولا ضير..
لكن... ما هذا؟!
ما ذلك البرد؟!
ما أجمل هذا السلام الذي يشعر به!
سلام يشبه الذي يحويه قلبه العامر باليقين..
لقد تبدَّلت النواميس الكونية كرامة لك أيها المِقدام..
لقد صار الجحيم بردًا وسلامًا لك أيها الخليل..
فلتُذِب النار القيود، وليخرج الخليل، وليمشِ بين الناس لم يُصبه مسّ من لهيب!
نعم الربّ ربك يا إبراهيم، ونعم الدين دينك أيها المسلم الحنيف.