[266] سورة الشعراء (2)
محمد علي يوسف
- التصنيفات: التفسير -
{أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء من الآية:41]..
هذا ما كان يشغل السحرة في تلك اللحظة..
الأجر الدنيوي والعائد المادي والقرب من السلطان..
ولقد قرأ فرعون هذا الطمع في سؤالهم فزاد في إجابته على مطلبهم بأن طمأنهم على موقعهم منه فقال: {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء من الآية:42]..
ستكونون قريبين من السلطان..
ستكون له حظوة لديه وزلفى عنده..
سيكون لكم "ظهرًا" فلن يجرؤ أحد بعد اليوم على ضرب بطونكم..
يا لسعادتهم وحماستهم بعد هذا الوعد من الطاغوت ذي الأوتاد..
لكن هذا كان قبل السجود..
قبل أن تخالط قلوبهم بشاشة الإيمان بالرب المعبود..
وبعد أن كان كل هِمهم الدنيا وأجرها قبل لحظة الشهود لآية الرب الودود قالوا لمن هدَّدهم بزوال تلك الدنيا بل بزوالهم عنها: {لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء من الآية:50]..
{قَالُوا لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَلَّذي فَطَرَنَا فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا} [طه:72]..
وهذه من أزكى ثمرات المعرفة وأشهى قطوف العلم بالله..
أن يستقيم الميزان وتبدو الدنيا بزينتها رخيصة إن وضعت فى مواجهة مع إرضاء الله وما عنده..
حينئذ يرتفع الشعار عاليًا خفاقًا نقيًا رقراقًا يُردِّده العارفون: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص من الآية:60]..
ويُنظر عندها إلى كل تهديد وتخويف بمنطق {لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}..
هذا ما حدث حين عرف السحرة مولاهم الحق فتكشفت لهم تلك القيمة الحقيقية للأشياء وبدت لهم المعايير الصحيحة فما تردَّدوا في الاختيار بين الدنيا وما عند الله..
إن معرفة الله إذا استقرَّت في قلب عبد فإنها تهز -بل تُزلزل- كل تصوراته الخاطئة ونظراته القاصرة فتسقط كافة أوثان النفس لتخر مُتهدِّمة على أنقاض سوء الظن والتعلُّق بالخلق..
وكما رجف المنبر برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما تحدَّث عن الملك حتى قالوا ليخرن به فإن قلب المؤمن وحياته وتصوراته ونظراته للأمور ترجف وتهتز وتنقلب رأسًا على عقب -بل هي في الحقيقة تعتدل- وذلك حين يعرف الله حق المعرفة فيرى الأمور بقيمتها الحقيقية ويزن الدنيا وما عليها بميزان مختلف.. ميزان المعرفة.