[267] سورة الشعراء (3)
محمد علي يوسف
- التصنيفات: التفسير -
حين قال له فرعون: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ}[1] كان من الممكن لنبي الله موسى عليه السلام أن يرد بردودٍ كثيرة ويُبرِّر مقتل الرجل المصري..
كان من الممكن أن يُبيِّن أنه قتل خطأ وأنه لم يكن يقصد قتله..
كان من الممكن أن يُوضِّح أن الرجل كان معتديًا صائلًا وأنه كان يدفعه..
كان من الممكن أن يربط الأمر بجرائم فرعون الكثيرة في حق قوم موسى عليه السلام من تذبيح أبنائهم واستحياء نسائهم..
كان من الممكن أن يقول الكثير والكثير..
لكنه لم يفعل..
لم يستدرج إلى مراء التبرير ولم يضيع الوقت في متاهات الجدال..
إنه صاحب رسالة جاء لمهمة ولديه هدف عليه أن يحققه..
لقد تجاوز تشغيب فرعون باعتراف مباشر بسيط قائلًا: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء من الآية:20]..
نعم قد فعلت ولن أقف طويلًا مع هذا الأمر أو أدفع عن نفسي شيئًا قد حدث وقد نُفيت بسببه سنين عددًا بعد أن تآمرتم لقتلي دون تحقيق أو تبيُّن..
فعلها وتاب عنها واستغفر في حينها ودفع الثمن من سنين غربته وإبعاده..
فعلها إذا ولم يُبرِّرها أو يُزيِّنها..
لكنه عبر إلى الأهم..
لم يضيع الوقت في غيابات التبريرات ليذهب مباشرة إلى هدفه الذي يعلو على الأشخاص والأحداث ويسمو على التفاصيل والزلات..
وكذلك حامل الرسالة..
لا ينشغل طويلًا إلا بهدفه ولا ينفق وقته ويضيع حياته القصيرة في التبرير الذي يصل أحيانًا إلى تزيين الخطأ وتحسينه لدرجة قد تؤدي في النهاية إلى ضياع الهدف الأصلي وطمس الثوابت وتواري الحق..
وكثيرًا ما يكون الطريق الأقصر هو اعتراف المرء بالخطأ والسعى لإصلاحه ثم الانتقال إلى الأهم والأنفع بدلًا من تضييع الأعمار والثوابت في التبرير والتزيين..
لكن هذا حال أصحاب الرسالة وذوي الأهداف السامية الذين ليس لديهم ترف تضييع الوقت والجهد..
أما بالنسبة لأصحاب الفراغ والبطحات على الرؤوس فلهؤلاء شأنٌ آخر واهتمامات أخرى..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- [الشعراء من الآية:19]..