(التايم): مشعل الرجل الذي يُطارِد إسرائيل
كتبت مجلة (تايم) الأمريكية تقريرًا مطوَّلًا عن سيرة حياة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. ويتابع التقرير -الذي كتبه مايكل كرولي- تاريخ مشعل منذ تعرُّضه للاغتيال على أيدي عملاء الموساد في العام 1997م في العاصمة الأردنية عمان، ويُسلِّط الضوء على آرائه ودوره في حركة حماس...
كتبت مجلة (تايم) الأمريكية تقريرًا مطوَّلًا عن سيرة حياة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. ويتابع التقرير -الذي كتبه مايكل كرولي- تاريخ مشعل منذ تعرُّضه للاغتيال على أيدي عملاء الموساد في العام 1997م في العاصمة الأردنية عمان، ويُسلِّط الضوء على آرائه ودوره في حركة حماس.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير، من ترجمة وتحرير (عربي21):
استلقى خالد مشعل على سرير المستشفى وهو يصارع الموت إذ تدفَّق السُمُّ في عروقه مُغلِقًا جهازه التنفسي ببطء. وكان أمامه بضعة أيام على أفضل تقدير كي يبقى على قيد الحياة، وكان يتنفس من خلال جهاز يضخ الهواء إلى رئتيه. وكان القيادي بحركة حماس بحاجةٍ فقط إلى ترياق لإنقاذ حياته، ولكن الشخص الوحيد الذي كان يستطيع توفيره هو نفس الشخص الذي حاول قتله، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو..
ومع تحرُّك عقارب الساعة على مدار أربعة أيام في أواخر سبتمبر 1997م وفقدان مشعل للوعي وتدهور حالته بشكلٍ سريع، واجه نتنياهو خيارًا مؤلمًا للغاية، فعملاء الموساد الذين رشوا السُمَّ في أذن مشعل في إحدى شوارع العاصمة الأردنية عمان للقصاص لضحايا سلسلة الهجمات الانتحارية داخل إسرائيل، تم إلقاء القبض عليهم وهم يحاولون الفرار..
وتوعَّد الملك حسين بمحاكمة العملاء الإسرائيليين إذا مات مشعل، وكانوا سيواجهون الإعدام في حالة إدانتهم. وتدخَّل الرئيس بيل كلينتون في محاولة لتجنُّب أزمة عالمية من شأنها أن تعوق جهوده للتوصل إلى اتفاقيات سلام بين إسرائيل وأعدائها العرب. وأصرّ كلينتون أن يقوم نتنياهو -الذي كان في مدته الأولى كرئيس للوزراء- بتوفير الترياق، وقد أذعن القائد الإسرائيلي على مضض، حتى أنه سافر إلى عمان لتقديم اعتذار شخصي للملك. وأُعيد مشعل إلى الحياة مرةً أخرى وعزَّز الحادث من مكانته بشكلٍ دائم وأطلق عليه من وقتها: (الشهيد الحي). وبدلًا من قتل أحد ألد أعداء إسرائيل، قام نتنياهو بإعادته إلى الحياة.
وبعد ذلك بخمسة عشر عامًا، في ديسمبر 2012م، ظهر مشعل في بدلته الغربية ولحيته الملونة بالأبيض والأسود، وخرج من داخل نموذج ضخم لصاروخ من طراز M75 في قلب مدينة غزة لمخاطبة حشد من الفلسطينيين المُهلِّلين بوجوده. وقال: "لن نعترف أبدًا بشرعية الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك ليس هناك أي شرعية لإسرائيل مهما استغرق هذا الصراع"..
وقال بصوتٍ مثل الرعد وهو يقف أمام الصاروخ الأخضر الذي يعلوه بطول بضعة أدوار، وهو نموذج للصواريخ التي تستخدمها حماس الآن ضد إسرائيل بالآلاف: "سوف نُحرِّر القدس شِبرًا شِبرًا، حجرًا حجرًا، وإسرائيل ليس لها حق التواجد في القدس"..
واليوم، لا زال خالد مشعل وبنيامين نتنياهو خصمين في الأزمة الدولية في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حربًا على حماس في ما أصبح أكثر المعارك دموية ضد الحركة المسلحة التي تسيطر على قطاع غزة.
القيادي الفلسطيني البالغ من العمر 58 عامًا، والذي يشغل الآن منصب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والمُتحدِّث الأبرز باسمها، والذي يُقدِّم حوارات تلفزيونية مع أمثال تشارلي روز والبي بي سي، يواجه نتنياهو عدوًا تزايدت قيمته منذ الحادث الذي جمعهما..
ويقول ناثان ثرال -المُحلِّل في مجموعة الأزمات الدولية-: "أنه بالرغم من عدم قيادة مشعل لحماس بشكلٍ رسمي إلا أنه يظل أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في السياسة الفلسطينية، ويتابع أن مشعل يُعتبر مرشحًا مقبولًا لقيادة الحركة الفلسطينية بشكلٍ عام بعد انتهاء رئاسة محمود عباس البالغ من العمر 79 عامًا.
تصنف الولايات المتحدة وإسرائيل مشعل كإرهابي، وتربطه بعديد من التفجيرات الانتحارية وآلاف الصواريخ التي أُطلقت على إسرائيل. وكان نتنياهو قد أمر باغتيال مشعل في أعقاب تفجير بشع في سوق في القدس راح ضحيته 16 شخصًا وأُصيب 169.
وهناك جدل داخل إسرائيل وخارجها حول ما إذا كان مشعل شخص مُتعصِّب غير قابل للتغيير أو براجماتي قادر على الاعتدال. وفي تصريحاته العلنية منذ بدء القتال الحالي رفض مشعل أي وقف لإطلاق النار لا يحتوي على تغيير جذري في موقف إسرائيل من حماس وغزة. وقال من مقرِّه في قطر يوم 24 يوليو/ تموز: "لن نقبل بأي مبادرة لا تنص على رفع الحصار"..
ولكن بعض المُحلِّلين يعتقدون أن مشعل -المقيم في العاصمة القطرية الدوحة والتي قابل فيها الدبلوماسيين القطريين والأتراك الذين يتواصلون مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من أجل التوصل لوقف إطلاق النار- هو أكثر رغبة في التوصل إلى صفقة من قياديي الجناح العسكري لحركة حماس.
ويقول دينيس روس -المفاوض الأمريكي الأسبق في عملية السلام والباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى-: "بدا أن الجناح السياسي مستعدًا لوقف ذلك في وقتٍ مُبكِّر، ولكن الجناح العسكري لم يكن مستعدًا وهو من يتولّى زمام الأمور الآن".
ربما يكون ذلك صحيحًا؛ ولكن أحد مسئولي الحكومة الإسرائيلية يصف مشعل بالشخص الراديكالي الذي لا تختلف آراؤه بشكلٍ كبير عن قيادات الجناح العسكري في غزة. وقد أصبح القضاء على مشعل مكونًا رئيسيًا للجهود الإسرائيلية في العلاقات العامة أثناء الحرب، والتي تُصوِّر القيادي الفلسطيني أنه جهادي يستقل عربة ليموزين.
حيث قال نتنياهو عنه -في حوار مع سي إن إن في 22 يوليو-: "هذا الرجل، خالد مشعل، يتجول في فنادق خمس نجوم في الدول الخليجية، ويعيش أمتع أيام حياته في الوقت الذي يُقدِّم فيه شعبه كعلف لهذه الحرب الإرهابية المُروِّعة التي يشنوها ضدنا"..
بعد ذلك بأيامٍ قليلة عرضت قناتي تلفزيون في غزة تسجيل فيديو غريب لمشعل يتحدَّث فيه قائلًا: "بسم الله الرحمن الرحيم... أريد البدء بشكر الطاقم الممتاز العامل في مطبخ الفندق الذي أقيم فيه"..! وأضاف أن تكلفة غرفة الفندق تساوي تكلفة مستشفى وثلاثة أنفاق في غزة.
وَوِفقًا للجيروساليم بوست فإن بعض النشطاء الإسرائيليين اخترقوا البث التلفزيوني للقنوات الفضائية وقاموا بعرض هذا التسجيل المفبرك.
ويقول بعض المُحلِّلين أن مثل هذه التسجيلات الساخرة يمكن أن تلقى صدى لدى الفلسطينيين، فمشعل لم يقضي أي وقت في الأراضي المحتلة منذ أن هربت عائلته أثناء حرب 1967م من الضفة الغربية التي وُلِد فيها. وانتقل مشعل في البداية إلى الكويت التي انضم فيها إلى الإخوان المسلمين وهو في الخامسة عشرة من عمره، وتخرَّج من قسم الفيزياء وعَمِل مُدرِّسًا، ثم انتقل بعدها إلى الأردن التي قاد فيها فرع حماس القوي هناك، ثم إلى سوريا، ثم هرب من الحرب الأهلية هناك في يناير 2012م إلى قطر.
وقد قام مشعل بزيارة نادرة إلى غزة في عام 2012م، بترتيب النظام الإخواني الذي كان يحكم مصر في ذلك الوقت، وكانت أول زيارة معروفة له إلى القطاع الفلسطيني المحاصر. ويرى ثرال أن في ذلك مشكله بالنسبة لمصداقية مشعل لدى الشارع.
ويقول: "تستمد حماس الدعم الشعبي من صدقها وقربها من الناس الذين يقبع معظمهم في الفقر ويعيشون في مخيمات للاجئين في غزة وسوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية. لذلك فمن غير المستغرب أن يستمر أعداء مشعل في حملة السخرية.
وقد نشر بعض المغردين المؤيدين لإسرائيل صورة لمسئولي حماس في كابينة طائرة خاصة وأمامهم كعكة شيكولاته ضخمة بانتظار الأكل، وادعوا أن مشعل هو أحد المتواجدين في الصورة..!
وفي الواقع تظهر الصورة قيادات أخرى في حماس ولكن ليس خالد مشعل. وفي مصر التي يُعادي نظامها حماس المؤيدة للإخوان أظهر التلفزيون الرسمي مؤخرًا صورًا لمشعل وهو يتناول العشاء ويمارس الرياضة داخل فندقه. وصرخ المذيع المصري قائلًا: "أين الشجاعة؟ أين البطولة؟ إذا كان لديك الجرأة فلتعد إلى غزة".
ولكن من الصعب التشكيك في الرجل الذي أجبر رئيس وزراء إسرائيلي على إعطائه "ولادة ثانية" كما يصفها مشعل. فالعالم العربي لم ينسى بعد الحادثة التي كانت قد أوشكت على قتل مشعل. فالعام الماضي عرضت الجزيرة وثائقي مدته 90 دقيقة حول الحادثة تحت عنوان "اقتلوه ببطء"..
وهو يعرض إعادة تمثيل لواقعة قيام عملاء الموساد بانتظار مشعل خارج مكتبه في صباح 25 سبتمبر-أيلول عام 1997م، حيث قام أحدهم برش مادة الفنتانيل في أذن مشعل من خلال جهاز مخبأ خلف ضمادات ذراع..
وكان الإسرائيليون يأملون أن الجرعة القاتلة من مادة الفنتانيل المعدَّلة -بنسبة أقوى 100 مرة من المورفين- سوف تدخل مشعل في غيبوبة طويلة لا بفيق منها أبدًا. وأن العملاء سوف يهربون ولن يتركوا وراءهم أي دليل على المؤامرة.
ولكن الخطة تعثَّرت من البداية، فحُرَّاس مشعل كانوا مرتابين من عملاء الموساد حتى قبل الاعتداء عليه، ونجحوا في ملاحقتهم والقبض عليهم. -وتم العثور على ثلاثة عملاء آخرين في أماكن أخرى بالمدينة، وجميعهم دخلوا الأردن بجوازات سفر كندية-..
وعلم مشعل أن العملاء كانوا يحاولون فعل شيء غريب، ولكنه اعتقد أنهم فشلوا في إيذائه..
وقال: "شعرتُ بصوتٍ عالٍ في أذني، مثل الصعقة الكهربية".. ولكنه كان على ما يرام، أو على الأقل هذا ما كان يبدو.
وفي وقتٍ لاحق من اليوم بدأ مشعل يدرك أن الهجوم شكَّل تهديدًا على حياته عندما شعر بصداعٍ شديد وبدأ في التقيؤ..
وتدخل كلينتون في جهدٍ دبلوماسي للخروج من الأزمة محاولًا إنقاذ اتفاقية سلام هامة بين الأردن وإسرائيل والتي كان من المزمع توقيعها بعد أسبوعين فقط..
وفي النهاية قدَّم نتنياهو الترياق للأطباء الأردنيين الذين لم يثقوا في أي شيء يُقدِّمه الإسرائيليين. واعتذر بنفسه للملك الذي رفض رؤيته..
وخرج مشعل من هذه الأزمة بطلًا، وتولى رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس بعدها بسبع سنين، عام 2004م، عندما قامت إسرائيل بقتل سلفه عبد العزيز الرنتيسي من خلال إطلاق قذيفة على سيارته من طائرة هليكوبتر عسكرية. -والرنتيسي تم إطلاق سراحه من سجن إسرائيلي في صفقة 1997م لإنقاذ حياة مشعل-..
ويقول الأستاذ في جامعة ميريلاند شيبلي تلهامي أن مشعل: "أثبت حنكته في مواجهة التحديات الصعبة بالرغم من استهانة الكثيرين بقدراته، بما في ذلك بعده عن غزة وقيادتها"، وليس هناك وسائل استطلاع رأي موثوق بها في فلسطين ولكن شعبية مشعل ظهرت جليًا في الترحاب الذي لاقاه في غزة عندما ألقى خطابًا أمام نموذج صاروخ القسام.
وربما يصف نتنياهو ذلك بالكابوس، ولكن الآخرون في الغرب يبدون أكثر تفاؤلًا؛ فدعوات مشعل لتدمير إسرائيل يصحبها مواقف له أكثر حرصًا. فقد نأى بنفسه نوعًا ما من ميثاق حماس المليء باللغة المتعصبة حول "الصهيونية العالمية" و"اليهود تجار الحروب". واقترح هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل في مقابل انسحابها إلى حدود 1967م والاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وترفض إسرائيل بشدةٍ هذه المواقف، ولكن بعض الدبلوماسيين يرون فرصة لتحقيق تقدُّم. ففي عام 2009م دعت مجموعة من أبرز صُنَّاع السياسة الخارجية الأمريكية بما في ذلك برينت سكوكروفت، وزبيغنيو بريجنسكي، ووزير الدفاع الحالي لباراك أوباما تشاك هيغل، إلى "منهج أكثر واقعية تجاه حماس" والذي يمكن أن يشمل مفاوضات معها..
وفي مؤتمر أمني الأسبوع الماضي تحدَّث رئيس المخابرات العسكرية الأمريكية المنتهية مدته مايكل فلين قائلًا: "أن حماس ليست سيئة كما يبدو. إذا تم تدمير وإنهاء وجود حماس ربما ينتهي بنا المطاف بشيءٍ أسوأ بكثير"..
وفي تصريحاتها العلنية على الأقل تعتبر إسرائيل هذا الكلام أحمق ومتهور. وبعد زيارة مشعل إلى غزة عام 2012م تحدَّث نتنياهو بغضبٍ حول الصمت العالمي تجاه تصريحات مشعل التي وصفها مُتحدِّث باسم الحكومة الإسرائيلية بـ"الموقف المتشدِّد في معارضة إسرائيل."
وربما يحاول نتنياهو استكمال عمله الذي لم ينتهي بعد، ولكن قتل مشعل في قطر ربما يخلق أزمة دبلوماسية خطيرة أخرى. ولكن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان يعتقد أنه يجب القيام بذلك على أي حال، وِفقًا لتقرير بثته القناة الثانية الإسرائيلية..
وقد قام عملاء الموساد من قبل بتخدير وخنق قيادي في الجناح العسكري لحركة حماس في فندق في دبي في مارس عام 2010م، -وهي حادثة مشهورة بالتقاط الكاميرا لها عند وقوعها-.
ومنذ بضعة أعوام سأل مراسل الجزيرة الرئيس الأسبق لجهاز الموساد داني ياتوم، والذي أشرف على المحاولة الفاشلة لاغتيال مشعل، عما إذا كانت إسرائيل ستحاول مرةً أخرى قتل القيادي الحمساوي، فرد قائلًا: "لا بُدَّ أن يعي الإرهابي أن أي شخص يقوم بأعمال إرهابية لن يتمتع بالحصانة".
- التصنيف: