تدبر - [280] سورة النمل (7)
وخطاب الهدهد ومشاعره الإيمانية تُجسِّد ما ينبغي أن يكون عليه قلب المؤمن الذي عامل الله وعرفه وأحبه فغضب له وغار على حرماته وأراد الهداية لخلقه..
ليس بشريًا نعم..
ولكنه ليس جاهلًا ولا غافل..
بل إن وعيه وفهمم وإدراكه علا عن كثير ممن يستعلون بعقولهم وأفهامهم..
لم تُبهِره كثيرًا زخارف ملك سبأ ولم يلتفت طويلًا لأسبابها العظيمة ولا عرشها المزين..
فقط أشار إليه إشارة عابرة..
{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم} [النمل:23]..
ثم التفت طويلًا لما أهمَّه ولِما يشغل قلب وفِكر العارف..!
التفت للدين..
للتوحيد..
لمعرفة الله..
عن ذلك تكلَّم وفي ذلك فصل وبين..
{وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُون} [النمل:24]..
ولقد غضب وغار..
ومستنكِرًا تساءل واستفهم..!
{أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ}..؟!
كيف لا يسجدون له..؟!
كيف يستبدلون عبادة الشمس بعبادته..؟!
كيف لا يعرفونه..؟!
إنه ربي..!
ربي {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}..
يُخرِج رزقي ورزقكم حتى وإن كان مخبوءًا تحت الثرى..
ويهديني ويهديكم لإيجاده..
هكذا عاملته وبذلك عرفته..
{وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم} [النمل من الآية:25-26]..
كذلك يتحدَّث العارف عن ربه..
وهكذا يغضب لحرمته..
وهكذا يعرف الناس به ويحرص على هدايتهم لما اهتدى إليه وتعريفهم بما عرف..
هكذا العارف.. ولو كان هدهد.
- التصنيف: