رمضان ولَّى، فماذا بعد؟!

منذ 2014-08-04

الحمد لله جلّت حكمته فيما شرع، وعظمت رحمته فيما قضي وقدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولا مُعقِّب له في حكمه، ولا راد لقضائه، يفعل ما يشاء بحكمته، ويحكم ما يريد بعزته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمًا ومُعلِّمًا وقائدنا وقدوتنا وقرة أعيننا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ما ترك من شيء يقربنا من الله والجنة إلا ووضّحه لنا وفصَّله تفصيلًا، وما ترك من شيء يقربنا من النار ويبعدنا عن الله إلا ونهانا عنه، وحذّرنا تحذيرًا.

فهو البشير النذير وهو السراج المنير، اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، عدد ما أحاط به علمك، وخط به قلمك، وأحصاه كتابك، وارض اللهم عن سادتنا: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض اللهم عنَّا معهم أجمعين.

وبعد..

معاشر المسلمين انتهي رمضان.. أتصدقون؟! أم أنكم مثلي تتعجبون؟! ولكن هذه طبيعة الأيام، وسنة الله في كونه.

يقول الشاعر أبو البقاء الرندي:

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ *** فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ *** وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتمًا كُلَّ سابِغَةٍ *** إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ *** إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ

بالأمس القريب استقبلنا شهر رمضان وها نحن نودعه وقلوبنا مملوءة بالشوق والحنين وعيوننا مملوءة بالدموع ولا ندري هل لنا معه عودة..

قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحِنّ ومن ألم فراقه تئِن..

وكيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع!

رمضان مسابقة في سوق الرحمة والغفران والعتق من النيران سوق انتصب ثم انفض ربح فيه الرابحون الصائمون القائمون الذاكرون السابقون بالخيرات، وخسر فيه الغافلون والساهون اللاهون.

فهنيئًا لمن صابر وصبر وصلى لله وشكر، هنيئًا لمن تلا كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، وناجاه واستغفره بالأسحار، هنيئًا لمن رجاه ودعاه مستحضرًا قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]..

معاشر الصائمين القائمين الشاكرين الذاكرين المكبرين، إخوتاه يا من صمتم وقمتم، وخشعتم ودعوتم، هنيئًا لكم، هنيئًا لمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدّم من ذنبه، هنيئًا لمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدَّم من ذنبه، هنيئًا لمن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدَّم من ذنبه، هنيئًا لمن فطَّر فيه صائمًا وأطعم جائعًا وأعطى سائلًا، هنيئًا لمن أحسن إلى يتيم وأدخل الفرحة إلى قلب أسير وأحيى كبد مسكين، هنيئًا لمن أتم فريضته وختم عبادته، هنيئًا لمن تقبَّله الله في رمضان.

روى أن عليًا ابن أبي طالب رضي الله عنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: "يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم.. فنُعزيه ماذا فات من فاته الخير في رمضان وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان..!".

أحبابي.. ها قد عدنا إلى حياتنا كما كانت قبل رمضان، فكيف سيكون حالنا بعد رمضان؟ هل سنواظب على عبادتنا الرمضانية أم على بعضٍ منها؟ أم سنحيل أيامنا صحراء مجدبة وأرضًا قاحلة من العبادة والصلة الوثيقة بالله تعالى؟ وهل سنجعل ليالينا وقلوبنا وأرواحنا مظلمة تفتقر إلى نور الطاعة والعبادة.

أيها الأحباب... كثيرًا ما يشعر الناس بكسل وفتور بعد انقضاء الطاعات ولا سيما بعد شهر رمضان المبارك وما إن لملم رمضان رحاله إلا وأغلقت المصاحف، وجفّت العيون، وطويت سجاجيد الصلاة، وسكتت الألسن التي طالما لهجت بذكر الله، وبشمت البطون التي طالما جاعت حسبة لله، وابتلت العروق التي طالما تشققت تطلعًا لما عند الله. فهُجِر القرآن، وتُرِك الصيام، واستبدل الناس بذكر ربهم نجوى لا خير فيها.

وهذا ربما يكون من النفس التي تميل إلى الراحة والدعة أو من الشيطان.

فعندما نُحدِّث الناس عن صيام ستة أيام من شوال عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِي رضي الله عنه أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة).

فبعض الناس يقول وهو يمنّ في عبادته كفاية أننا صمنا رمضان وتسمع كلامًا يدل على أنهم يمتنون على الله بصيامهم ويظن الواحد منهم وكأنة كان في غزوة غزاها مع رسول الله وخالد بن الوليد وكأن كل واحد منهم قد حصل على صك الغفران، أو كأنه سمع بكلتا أذنيه هاتفًا يقول: اعمل ما شئت فقد غفر لك، ولا تضرك بعد اليوم معصية. فلقد صام ثلاثين يومًا وقام ثلاثين ليلة وتصدّق وعبد، وفعل، وفعل..! 

 إلى هؤلاء، وإلى من صام وقام ودعا وخشع وبكي وتذلّل وتصدّق وفعل الخير إيمانًا واحتساباً إلى هؤلاء جمعًا هذه الكلمات.

أصناف الناس بعد رمضان:

الصنف الأول:

قوم كانوا على خير وطاعة قبل رمضان فلما جاء رمضان كانوا على نشاط واجتهاد في العبادة: قراءة قرآن، صيام، قيام، ذكر، صلة الأرحام، صلاة في المسجد، صلاة الفجر، تحري للحلال ولكل ما يرضى الله عز وجل.

فإذا ذهب رمضان يتألمون على فراقه لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر، لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته، لأنهم صاموا حقًا وقاموا شوقًا، فلوداع رمضان دموعهم تتدفق، وقلوبهم تشفق، وهؤلاء القوم علموا ألا مستراح لهم إلا تحت شجرة الخلد وملك لا يبلى في مقعد صِدقٍ عند مليك مقتدر، وتأكدوا أن الصالحات ليست حكرًا على شهر من الشهور أو وقت من الأوقات. فعيشتهم بين الخوف وبين الرجاء حالهم كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61]..

أي: هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله خائفون منه، وجلون من مكره بهم.

كما قال الحسن البصري: "إن المؤمن جمع إحسانًا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنًا".

أي: يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء. وهذا من باب الإشفاق والاحتياط (تفسير ابن كثير رضي الله عنه)..

والمعنى الذين هم من خشية ربهم دائمون في طاعته، جادون في طلب مرضاته. والتحقيق أن من بلغ في الخشية إلى حد الإشفاق وهو كمال الخشية، كان في نهاية الخوف من سخط الله عاجلًا، ومن عقابه آجلًا، فكان في نهاية الاحتراز عن المعاصي.

{والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أن يؤدي ذلك على وجل من تقصيره، فيكون مبالغًا في توفيته حقه، فأما إذا قرىء {والذين يَأْتُونَ مَا أتَواْ} فالقول فيه أظهر، إذ المراد بذلك أي شيء أتوه وفعلوه من تحرُّزٍ عن معصية وإقدامٌ على إيمان وعمل، فإنهم يقدمون عليه مع الوجل، ثم إنه سبحانه بين علة ذلك الوجل وهي علمهم بأنهم إلى ربهم راجعون، أي للمجازاة والمساءلة ونشر الصحف وتتبع الأعمال، وأن هناك لا تنفع الندامة، فليس إلا الحكم القاطع من جهة مالك الملك. ثم إنه سبحانه لما ذكر هذه الصفات للمؤمنين المخلصين قال بعده: {أُوْلَئِكَ يسارعون فِى الخيرات} وفيه وجهان:

أحدهما: أن المراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها لئلا تفوت عن وقتها ولكيلا تفوتهم دون الاحترام.

والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا أنواع النفع ووجوه الإكرام، كما قال: {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:148]، {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت من الآية:27] لأنهم إذا سورع لهم بها فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقًا للآية المتقدمة، لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين (تفسير الرازي).

ويقول (صاحب الظلال) في ظلاله هذا الدرس في السورة يبدأ بتصوير حال الناس بعد أمة الرسل تلك الحال التي جاء الرسول الأخير فوجدهم عليها. مختلفين متنازعين حول الحقيقة الواحدة التي جاءهم بها الرسل من قبل جميعًا.

ويصور غفلتهم عن الحق الذي جاءهم به خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم والغمرة التي تذهلهم عن عاقبة ما هم فيه. بينما المؤمنون يعبدون الله، ويعملون الصالحات، وهم مع هذا خائفون من العاقبة، وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون..  فتتقابل صورة اليقظة والحذر في النفس المؤمنة، وصورة الغمرة والغفلة في النفس الكافرة.

ومن هنا يبدو أثر الإيمان في القلب، من الحساسية والإرهاف والتحرج، والتطلع إلى الكمال. وحساب العواقب. مهما ينهض بالواجبات والتكاليف. فهؤلاء المؤمنون يشفقون من ربهم خشية وتقوى؛ وهم يؤمنون بآياته، ولا يشركون به. وهم ينهضون بتكاليفهم وواجباتهم. وهم يأتون من الطاعات ما استطاعوا.. ولكنهم بعد هذا كله: {يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} لإحساسهم بالتقصير في جانب الله، بعد أن بذلوا ما في طوقهم، وهو في نظرهم قليل. إن قلب المؤمن يستشعر يد الله عليه.

ويحس آلاءه في كل نفس وكل نبضة.. ومن ثم يستصغر كل عباداته، ويستقل كل طاعاته، إلى جانب آلاء الله ونعمائه. كذلك هو يستشعر بكل ذرة فيه جلال الله وعظمته؛ ويرقب بكل مشاعره يد الله في كل شيء من حوله..  ومن ثم يشعر بالهيبة، ويشعر بالوجل، ويشفق أن يلقى الله وهو مقصر في حقه، لم يوفه حقه عبادة وطاعة ولم يقارب أياديه عليه معرفة وشكرًا.

وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات، وهم الذين يسبقون لها فينالونها في الطليعة، بهذه اليقظة، وبهذا التطلُّع، وبهذا العمل، وبهذه الطاعة. لا أولئك الذين يعيشون في غمرة ويحسبون لغفلتهم أنهم مقصودون بالنعمة، مرادون بالخير، كالصيد الغافل يستدرج إلى مصرعه بالطعم المغري. ومثل هذا الطير في الناس كثير، يغمرهم الرخاء، وتشغلهم النعمة، ويطغيهم الغنى، ويلهيهم الغرور، حتى يلاقوا المصير!

تلك اليقظة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم. والتي يستجيشها الإيمان بمجرد استقراره في القلوب.. ليست أمرًا فوق الطاقة، وليست تكليفًا فوق الاستطاعة. إنما هي الحساسية الناشئة من الشعور بالله والاتصال به؛ ومراقبته في السر والعلن؛ وهي في حدود الطاقة الإنسانية، حين يشرق فيها ذلك النور الوضيء: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [المؤمنون:62].

ولقد شرع الله التكاليف وفق ما يعلم من استعداد النفوس؛ وهو محاسبهم وفق ما يعملونه في حدود الطاقة، لا يظلمون بتحميلهم ما لا يطيقون؛ ولا ببخسهم شيئًا مما يعملون، وكل ما يعملونه محسوب في سجل{يَنطِقُ بِالْحَقِّ} ويبرزه ظاهرًا غير منقوص. والله خير الحاسبين إنما يغفل الغافلون لأن قلوبهم في غمرة عن الحق، لم يمسسها نوره المحيي، لانشغالها عنه، واندفاعها في التيه؛ حتى تفيق على الهول، لتلقى العذاب الأليم، وتلقى معه التوبيخ والتحقير: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ . حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ . لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ . قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ . مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:63-67]..

فعلة اندفاعهم فيما هم فيه ليست هي تكليفهم بما هو فوق الطاقة؛ إنما العلة أن قلوبهم في غمرة، لا ترى الحق الذي جاء به القرآن، وأنهم مندفعون في طريق آخر غير النهج الذي جاء به: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}.. في (ظلال القرآن)..

وقال صاحب الوسيط قرأ القراء السبعة {يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ} بالمد، على أنه من الإتيان بمعنى الإعطاء، والوجل: استشعار الخوف. يقال: وَجِل فلان وَجَلًا فهو واجل، إذا خاف، أى: يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر، ومع ذلك فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء، لأى سبب من الأسباب فهم كما قال بعض الصالحين: "لقد أدركنا أقوامًا كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم، أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها".

وقد قرأ آخرون: {والذين يُؤْتُونَ مَآ أتَواْ} من الإتيان. أي: يفعلون ما فعلوا وهم خائفون ثم ختم سبحانه هذه الآيات الكريمة المشتملة على صفات المؤمنين الصادقين، ببيان أن هذه الصفات الجليلة لم تكلف أصحابها فوق طاقتهم، لأن الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب يجعلها لا تحس بالمشقة عند فعل الطاعات، وإنما يجعلها تحس بالرضا والسعادة والإقدام على فعل الخير بدون تردد، فقال تعالى: {وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}..

أى: وقد جرت سنتنا فيما شرعناه لعبادنا من تشريعات، أننا لا نكلف نفسًا من النفوس إلا في حدود طاقتها وقدرتها (الوسيط لسيد طنطاوي)..

روى الترمذي وابن ماجة وأحمد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وصحَّحه الألباني أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ: «لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»..

وحالهم حال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام..

فقد أمر بترك رضيعه الوحيد مع أمه في صحراء وأمر ببناء البيت فبناه على أكمل وجه حتى أُتي بحجر فصعد عليه ليعلو البناء ويكون أليق في تقديمه لله شكرًا وعرفانًا. بعد كل هذا لم يخطر في خلده أنه فعل عظيمًا أو كبيرًا من الأمور فيَمُنّ به فيقول أنا فعلت وفعلت بل بعد الفراغ من بناء البيت على أكمل وجه وأتمه يتمنى على الله القبول {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:127-128] هما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما.

كما روى ابن أبي حاتم من حديث مُحَمَّدٍ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ الْمَكِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ: قَرَأَ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} زَادَ ابْنُ خُنَيْسٍ فِي حَدِيثِهِ، ثُمَّ يَبْكِي، فَقَالَ وُهَيْبٌ: "يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لا يَقْبَلَ مِنْكَ" (تفسير القرآن العظيم مُسندًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لابن أبي حاتم).

وهو في عند البخاري، قال بعض أصحب الخواطر: "وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة يطالب بصحتها والإخلاص والصدق فيها" (تفسير السلمي وهو حقائق التفسير).

ويقول الرازي: "وقال العارفون: فرق بين القبول والتقبل فإن التقبل أن يتكلف الإنسان في قبوله وذلك إنما يكون حيث يكون العمل ناقصًا لا يستحق أن يقبل فهذا اعتراف منهما بالتقصير في العمل، واعتراف بالعجز والانكسار إنهم بعد أن أتوا بتلك العبادة مخلصين تضرعوا إلى الله تعالى في قبولها وطلبوا الثواب عليها وأيضًا فلم يكن المقصود إعطاء الثواب عليه، لأن كون الفعل واقعًا موقع القبول من المخدوم ألذ عند الخادم العاقل من إعطاء الثواب عليه {إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} كأنه يقول: تسمع دعاءنا وتضرعنا، وتعلم ما في قلبنا من الإخلاص وترك الالتفات إلى أحد سواك" (تفسير الرازي)..

عباد شاكرون ربانيون لا رمضانيون:

حالهم يستنون بحال النبي صلي الله عليه وسلم فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» (رواه مسلم)..

عن عطاء، قال: "دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال عبيد بن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فبكت، فقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: يا عائشة ذريني[1] أتعبد لربي، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام، فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، وجاء بلال يؤذنه[2] بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ لقد نزلت على الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191]"..

«لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك»:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ سَائِلٌ مَرَّةً وَعِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرْتُ لَهُ بِشَيءٍ ثُمَّ دَعَوْتُ بِهِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا تُرِيدِينَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ بَيْتَكِ شَىْءٌ وَلاَ يَخْرُجَ إِلاَّ بِعِلْمِكِ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ» (رواه البخاري ورواه مسلم، والنسائي في السنن الكبرى واللفظ له، وأحمد، والبغوي في شرح السنة، والبيهقي في السنن الكبرى).

«لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك» أي: لا تعدي ما تتصدّقين به وتجمعينه، فيحصي الله ما يعطيك ويَعُدُّهُ عليك، وقيل: هو المبالغة في التقصي والاستئثار.

فلا تقل صمت كذا وصليت كذا فيقال لك من الله كذا وكذا.. من النعم والفضل التي لا تحصي.

{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ . وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:32-34].

تخيل أن شخصًا له عندك ملايين وأنت تُسدِّدها جنيهًا بجنيه فهل تعطي له الجنيه كل يوم في تبجح وعجب ومنٍ منك عليه أم أنك تعطية بعينٍ منكسرة وفي تواضع وخجل جمٍّ؟ هكذا صلاتنا وصيامنا وحالنا مع الله تبارك وتعالى
وروى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ». قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لاَ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ» ولله الفضل والمنة..

من تأمَّل أحوال الصحابة وجدهم في قمة العمل مع قمة الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن. عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "وددت أني شعرة فى جنب عبد مؤمن" (رواه أحمد في الزهد؛ كنز العمال)..

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7] فبكى، واشتد بكاؤه، حتى مرض وعادوه. وقال لابنه وهو في سياق الموت: "ويحك! ضع خدي على الأرض؛ عساه أن يرحمني". ثم قال: "ويل أمي إن لم يغفر الله لي"؛ ثلاثًا ثم قضى (رواه أحمد في الزهد).

وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه  كان إذا وقف على القبر؛ يبكى حتى تبل لحيته (أخرجه الترمذي).

وقال: "لو أنني بين الجنة والنار، لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي؛ لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير" (أخرجه أحمد في الزهد).

وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه وبكاؤه وخوفه، وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل، وإتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولَّت مدبِرة، والآخرة قد أسرعت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل (أخرجه أحمد في الزهد).

"وقرأ تميم الداري رضي الله عنه ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] جعل يُردِّدها ويبكي حتى أصبح" (أخرجه أحمد في الزهد).

وقال أبو عبيدة عامرُ بن الجراح رضي الله عنه: "وددت أني كبش، فذبحني أهلي، وأكلوا لحمي وحسوا مرقي" (أخرجه: أحمد في الزهد - بحوث ودراسات من موقع الإسلام اليوم).

وأخرج أحمد في الزهد والنسائي والبيهقي ومَالِكٌ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ يَمُدُّ لِسَانَهُ، فَقَالَ: "مَا صَنَعَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَرِادَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْجَسَدِ إِلاَّ وَهُوَ يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ» (وصحَّحه الألباني).

وكان يبكي كثيرًا ويقول ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا ولما احتضر قال لعائشة رضي الله عنها: "يا بُنيَّة إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد فأسرعي به إلى ابن الخطاب".

حالهم الدوام على الطاعة:

روى الإمامان البخاري ومسلم رضي الله عنهما عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»". قَالَ: "وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ".  

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً". قَالَتْ: "وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلاَّ رَمَضَانَ".

وهؤلاء فازوا برمضان وكسبوه وهو حجة لهم وشاهد لهم وصومهم مقبول وسعيهم مشكور.

الصنف الثاني:

كان قبل رمضان في غفلة وسهو ولعب فجاء رمضان تراه في رمضان مجتهدًا في الطاعة فلا تقع عيناك عليه إلا ساجدًا أو قائمًا أو تاليًا للقرآن أو باكيًا حتى ليكاد يذكرك ببعض عُبّاد السلف، حتى إنك لتشفق عليه من شدة اجتهاده ونشاطه، وما أن ينقضي الشهر الفضيل حتى يعود إلى التفريط والمعاصي كأنه كان سجينًا بالطاعات فينكب على الشهوات والغفلات والهفوات يظن أنها تُبدِّد همومه وغمومه متناسيًا هذا المسكين أن المعاصي سبب الهلاك لأن الذنوب جراحات ورُب جرح وقع في مقتل، فكم من معصية حَرمت عبدًا من كلمة لا إله إلا الله في سكرات الموت.

فبعد أن عاش هذا شهرًا كاملًا مع الإيمان والقرآن وسائر القربات يعود إلى الوراء منتكسًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهؤلاء هم عُبّاد المواسم لا يعرفون الله تعالى إلا في المواسم أو النقمة أو الضائقة فإذا ذهبت، ذهبت الطاعة مولية ألا فبئس هذا ديدنهم.

فيا ترى ما الفائدة إذن من عبادة شهر كامل إن أتبعتها بعودة إلى السلوك الشائن؟

فهؤلاء نقول لهم من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ولى وانقضي ومن كان يعبد الله فإن الله باق دائم لا يتغير {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل:92]..

قال عبد الله بن كثير، والسدّي: "هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئًا نقضته بعد إبرامه. وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. وهذا القول أرجح وأظهر، وسواءً كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا" (تفسير ابن كثير)..

فالذي كان يتلو القرآن ثم هجره بعد رمضان فقد نقض غزله وخان عهده مع الله ومن وصل رحمه في رمضان ثم قطعها بعد رمضان فقد نقض غزله وخان عهده مع الله، فهذه الوجوه التي سجدت لله في رمضان فلا تتجه لغير الله بعد رمضان، وهذه البطون التي صامت عن الحلال في رمضان يجب أن تصوم عن أكل الحرام بعد رمضان، وهذه العيون التي بكت من خشية الله في رمضان يجب أن تمتنع عن النظر إلى الحرام بعد رمضان، هذه الأقدام التي سعت إلى المساجد يجب ألا تسعى في الفساد والإفساد في الأرض بعد رمضان، هذه الأيدي التي كانت ممرًا لعطاء الله تنفق وتعطي في رمضان يجب أن لا تبطش وتسرق وتختلس وترتشي بعد رمضان.

وإن كان رمضان قد مضى طيف خيال فالله حي لا يدركه زوال فلِمَ ننقطع عن العبادة ونهجر المساجد ونهجر القرآن بعد رمضان، فاحذروا أن يُزيِّن لكم الشيطان هذا فإن الله يرضى عمن أطاعه في أي شهر كان ويغضب على من عصاه في كل أوان فهل بعدما ذقتم حلاوة الطاعة تعودون إلى مرارة العصيان والانقطاع دليل على عدم القبول يقول كعب رضي الله عنه: "مَن صام رمضان وهو يُحدِّث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه؛ فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود"..

ولمَّا سُئِل بِشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!".

فالصيام مدرسة ربانية أخذت فيها دورة تدريبية على الطاعة والانقياد إلىه ففي رمضان تركت الحلال الطعام والشراب والشهوة، أفلم تتهيأ نفسك لترك الحرام في رمضان وفي غير رمضان فاجعل كل شهورك رمضان وكل أيامك أعيادًا بطاعتك فكن ربانيًا ولا تكن رمضانيًا، ورمضان كشفك أمام نفسك وأمام الله، فها أنت قد صمت وقمت وانتصرت على نفسك فلا تقل لا أستطيع فلقد استطعت في رمضان فما الذي يمنعك عن الامتثال بعد رمضان؟!

فليس معني انقضاء رمضان هو انقضاء الطاعة وانتهاء الصوم والصلاة وأعمال البر وليس معناه فك القيود وتقطيع السلاسل..

نعم لقد رحل عنَّا رمضان.. وما رحل.. نعم ما رحل عنا رمضان.. رحل رمضان بأيامه ولياليه، وما رحل رمضان بروحه ومعانيه، رحل رمضان جسدًا وما رحل عَنَّا روحًا، رحل رمضان وما رحل الصيام ولا القيام ولا القرآن رحل رمضان وبقي الله. فلقد تعلَّمنا منه الكثير والكثير..

عن الحارث بن مالك الأنصاري: أنه "مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: «كيف أصبحت يا حارث؟»، قال: أصبحت مؤمنًا حقًا، قال: «انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟»، فقال: قد عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت لذلك ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: «يا حارث عرفت فالزم» ثلاثًا"..

وقال صاحب كنز العمال: "هو حارث بن مالك"، وقيل: "حارثة بن النعمان الأنصاري رضي الله عنه" (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال المؤلف: علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري [المتوفى: 975هـ] المحقق: بكري حياني - صفوة السقا).

قال البيهقي هذه القصة في الحارث بن مالك ويقال: "حارثة وقصة الأم في الحارثة بن النعمان شعب الايمان"، وقال صاحب النهاية وفي حديث حارثة [عَزَفَتْ نفْسِي عن الدُّنْيا] أي: عَافَتْها وكرهَتْها. ويُرْوَى [عَزَفْتُ نفْسِي عن الدُّنيا] بضم التاء: أي: مَنَعتها وصَرَفتها (النهاية في غريب الحديث والأثر المؤلف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي).

فيا من تذوقت حلاوة الإيمان وعرفت فضل الأعمال في رمضان فداوم عليه ولازمها ولا تتركها بعد رمضان
ويا من كنت لا تحافظ على الصلاة ووفقك الله للصلاة والمحافظة عليها فإياك أن تضيعها.

عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ» (رواه مسلم).

روي مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -أي ابن مسعود- قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"..

يا من عرفت طريق القيام في رمضان وتذوقت حلاوة المناجاة فلا تحرم نفسك ولو ركعتين قبل أن تنام وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزىً به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعِزّه استغناؤه عن الناس" (رواه الطبراني في الأوسط بإسنادٍ حسن صحيح، الترغيب والترهيب - الألباني)..

يا من فتحت المصحف وعشت في رحابه في رمضان فلا تغلقه بعد رمضان أترضى أن يشكوك رسول الله إلى ربه يوم القيامة: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30].

ويقول أيضًا لنعلم أننا في رحلة أولها المولد وآخرها الموت وهي كلها في عبادة {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد الموت وسمَّى الموت باليقين لأنه أمر متيقن. فإن قيل: فأي فائدة لهذا التوقيت مع أن كل أحد يعلم أنه إذا مات سقطت عنه العبادات؟ قلنا: المراد منه: {واعبد رَبَّكَ} في زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة عن هذه العبادة، والله أعلم" (تفسير الرازي).

وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:9]، وقال قتادة في قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} يعني: أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المشي إليه، وقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: حال بيعكم وشرائكم، وأخذكم وعَطَائكم، اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة (تفسير ابن كثير بتصرَّف قليل)..

فليس بعد السعي إلى الصلاة تكاسل وترك للطاعات بل ذكر وعمل وشغل واستحضار لمعية الله في كل شيء واستحضار أن كل فضل فيه الإنسان إنما هو فضل الله ونعمته، وإن عند الله لا ينال بمعصيته وعن حذيفة رضي الله عنه قال قام النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الناس فقال: «هلمُّوا إليَّ»، فأقبلوا إليه فجلسوا، فقال: «هذا رسول ربّ العالمين جبريل عليه السلام نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته» (رواه البزار والبيهقي وقال الألباني حسن على أقل الأحوال).

وخاطب ربنا تبارك وتعالي نبيه صلى الله عليه وسلم والخطاب لنا معه {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7]، "فالمعنى أن يواصل بين بعض العبادات وبعض، وأن لا يخلي وقتًا من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى" (تفسير الرازي)..

{قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم . يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحجرات:14-18].

يقول تعالى مُنكِرًا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادَّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، وإنما قيل لهؤلاء تأديبًا: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي: لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد.

ثم قال: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} أي: لا ينقصكم من أجوركم شيئًا، كقوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور من الآية:21] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: لمن تاب إليه وأناب.

وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} أي: إنما المؤمنون الكُمَّل {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} أي: لم يشكوا ولا تزلزلوا، بل ثبتوا على حال واحدة، وهي التصديق المحض، {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه، {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} أي: في قولهم إذا قالوا: "إنهم مؤمنون"، لا كبعض الأعراب الذين ليس معهم من الدين إلا الكلمة الظاهرة. قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} يعني: الأعراب الذين يمنون بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول، يقول الله ردًا عليهم: {قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ}، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم، ولله المنة عليكم فيه، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: في دعواكم ذلك..

وقال الحافظ أبو بكر البزار: "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت بنو أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أسلمنا وقاتلتك العرب، ولم تقاتلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فقههم قليل، وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم». ونزلت هذه الآية: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}" (تفسير ابن كثير)..

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11]..

قال مجاهد، وقتادة، وغيرهما: {عَلَى حَرْفٍ}: على شك.  وقال غيرهم: على طرف. ومنه حرف الجبل، أي: طرفه، أي: دخل في الدين على طرف، فإن وجد ما يحبه استقر، و إلا انشمر.

وروى البخاري: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينٌ صَالِحٌ. وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينُ سُوءٍ" (تفسير ابن كثير)..

ويقول الرازي:

"وفي تفسير الحرف وجهان:

الأول: ما قاله الحسن وهو أن المرء في باب الدين معتمدة القلب واللسان فهما حرفا الدين، فإذا وافق أحدهما الآخر فقد تكامل في الدين وإذا أظهر بلسانه الدين لبعض الأغراض وفي قلبه النفاق جاز أن يقال فيه على وجه الذم يعبد الله على حرف..

الثاني: قوله: {عَلَى حَرْفٍ} أي على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة كالذي يكون على طرف من العسكر فإن أحس بغنيمة قرَّ واطمأن وإلا فرَّ وطار على وجهه.

وهذا هو المراد {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ} لأن الثبات في الدين إنما يكون لو كان الغرض منه إصابة الحق وطاعة الله والخوف من عقابه فأما إذا كان غرضه الخير المعجل فإنه يظهر الدين عند السراء ويرجع عنه عند الضراء فلا يكون إلا منافقًا مذمومًا وهو مثل قوله تعالى: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} [النساء من الآية:143]، وكقوله: {فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ الله قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ} [النساء من الآية:141]..

المسألة الثانية:

قال الكلبي: نزلت هذه الآية في أعراب كانوا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صح بها جسمه ونتجت فرسه مهرًا حسنًا وولدت امرأته غلامًا وكثر ماله وماشيته رضي به واطمأن إليه وإن أصابه وجع وولدت امرأته جارية أو أجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان وقال له ما جاءتك هذه الشرور إلا بسبب هذا الدين فينقلب عن دينه..

وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والحسن ومجاهدة وقتادة وثانيها: وهو قول الضحاك نزلت في المؤلفة قلوبهم، منهم عيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس قال بعضهم لبعض ندخل في دين محمد فإن أصبنا خيرًا عرفنا أنه حق، وإن أصبنا غير ذلك عرفنا أنه باطل.

وثالثها:

قال أبو سعيد الخدري: "أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فقال يا رسول الله أقلني فإني لم أصب من ديني هذا خيرًا، ذهب بصري وولدي ومالي. فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام لا يقال، إن الإسلام ليسبك كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة» فنزلت هذه الآية.

أما قوله تعالى: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} فذلك لأنه يخسر في الدنيا العِزَّة والكرامة وإصابة الغنيمة وأهلية الشهادة والإمامة والقضاء ولا يبقى ماله ودمه مصونًا، وأما في الآخرة فيفوته الثواب الدائم ويحصل له العقاب الدائم {وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (تفسير الرازي)..

ولم يقبل الله من بني إسرائيل البقرة التي أُمِروا بذبحها وذلك لكثرة أسئلتهم وحججهم وتحايلهم على شرع الله ولأنهم فعلوا لا عن حب وطواعية؛ بل عن بغض وكراهية وتبرم فقال الله فيهم {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} قال الضحاك، عن ابن عباس: "كادوا ألا يفعلوا، ولم يكن ذلك الذي أرادوا، لأنهم أرادوا ألا يذبحوها. يعني أنَّهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة، والأجوبة، والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت، فلهذا ما كادوا يذبحونها" (تفسير ابن كثير)..

أخي الحبيب.. لا تنسَ عداوة الشيطان الذي كان مكبَّلًا لمدة شهرًا عاجزًا عن غوايتك يستشيط غضبًا بطاعتك يتوعدك بعد رمضان بالكيد والغواية والوقوع في الضلال والمعصية {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:39-40]..

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83]..

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ:20-21]..

إياك والتبرم والمن وكثرة السؤال والحجج فهي المحبطة للعمل..

قال علي رضي الله عنه: "سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك".

وعبَّر عن ذلك ابن عطاء في حِكمه فقال: "ربما فتح الله لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وربما قدَّر لك المعصية فكانت سببًا في الوصول، ومعصية أورثت ذلًا وانكسارًا خير من طاعة أورثت عُجبًا واستكبارًا".

"ذهب بعض الصالحين لزيارة شيخ لهم وهو مريض مرض الموت فوجدوه يبكي، فقالوا له: لم تبكي؟ وقد وفقك الله للصالحات، كم صليتَ وكم صمتَ وكم تصدقتَ وكم حججتَ وكم اعتمرتَ؟ فقال لهم: وما يدريني أن شيئًا من هذا قد قُبل والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] وما يدريني أنِّي منهم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264]..

فمن تحققت فيه التقوى في رمضان فهو المقبول وكذلك لم يتقبل الله عطاءً ممن منت به نفسه فخص نفسه بالغالي والثمين وأبقى لله البخس الرخيص، تبارك الله وتعالي عما يشركون! فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]..

أنهما ابنا آدم من صلبه، وهما هابيل وقابيل وهو الذي اختاره أكثر أصحاب الأخبار. وفي سبب وقوع المنازعة بينهما قولان:

أحدهما: أن هابيل كان صاحب غنم، وقابيل كان صاحب زرع، فقرَّب كل واحد منهما قربانًا، فطلب هابيل أحسن شاة كانت في غنمه وجعلها قربانًا، وطلب قابيل شرّ حنطة في زرعه فجعلها قربانًا، ثم تقرَّب كل واحد بقربانه إلى الله فنزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل ولم تحمل قربان قابيل، فعلم قابيل أن الله تعالى قبل قربان أخيه ولم يقبل قربانه فحسده وقصد قتله..

وثانيهما: ما روي أن آدم عليه السلام كان يولد له في كل بطن غلام وجارية وكان يزوج البنت من بطن الغلام من بطن آخر، فولد له قابيل وتوأمته، وبعدهما هابيل وتوأمته، وكانت توأمة قابيل أحسن الناس وجهًا، فأراد آدم أن يُزوِّجها من هابيل، فأبى قابيل ذلك وقال أنا أحق بها، وهو أحق بأخته، وليس هذا من الله تعالى، وإنما هو رأيك، فقال آدم عليه السلام لهما: قرِّبا قربانًا، فأيكما قُبِل قربانه زوجتها منه، فقبل الله تعالى قربان هابيل بأن أنزل الله تعالى على قربانه نارًا، فقتله قابيل حسدًا له" (تفسير الرازي)..

روى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}». ثُمَّ ذَكَرَ «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».

الصنف الثالث:

قوم دخل رمضان وحالهم حالهم لم يتغير منهم شيء بل ربما زادت آثامهم وعظمت ذنوبهم واسودت صحائفهم وصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأحمد وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصحَّحه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ». قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَظُنُّهُ قَالَ «أَوْ أَحَدُهُمَا». قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فهؤلاء خسروا رمضان وخسرهم وهو حجة عليهم وشاهد عليهم وصومهم مردود وسعيهم مردود.

فاختر لنفسك ممن تكون ومن أي صنف أنت ومع من تحشر يوم القيامة والله نسأل أن نكون ممن يحبهم الله ويرضى عنهم وأن نكون من أوليائه ومن حزبه ونحن في هذه الأيام اختلطت المشاعر وتداخلت الأحاسيس..

مشاعر شفقة: على أعمال قمنا بها ولا ندري أقُبِلَت أم والعياذ بالله ردت.

مشاعر أمل: أن يتقبّل الله مِنّا ويفيض علينا برحماته.

مشاعر فرحة: بعيدٍ جاء نود أن نفرح فيه برحمة الله فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ -وفي رواية: يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى- وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ"، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِى بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -وفي رواية: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ- وَذَلِكَ فِى يَوْمِ عِيدٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا» -وفي رواية: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ...-.

مشاعر رجاء: أن يفرج الله كرب المكروبين من المسلمين في كل مكان وأن يعجل بالفرج على إخوانٍ لنا تُراق منهم الدماء وتُهتك منهم الأعراض وتُدنَّس فيهم المقدسات في فلسطين وفي سوريا والعراق وليبيا وغيرها من البلاد.

مشاعر ثقة: بأن هذه الأقدام التي قامت لله ضارعة والجباه التي سجدت لله خاشعة لن يخذلها أبدًا ولن يردّها خائبة وسيؤتيها نصرًا في الدنيا وجنة ونعيمًا في الآخرة..

اللهم تقبّل مِنَّا واجعلنا من المقبولين..

وكل عام أنتم بخير وتقبَّل الله مِنَّا ومنكم..

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180-182].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- (ذريني: اتركيني ودعيني).

[2]- ("الأذَانِ والإذن: هو الإعْلام بالشيء أو الإخبار به وباقترابه" أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ الأصبهاني، وصحيح ابن حبان؛ تحقيق: شعيب الأرنؤوط؛ قال شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان المؤلف: نور الدين على بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي [المتوفى: 807هـ] المحقق: محمد عبد الرزاق حمزة وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ الأصبهاني).

 

عبد الوهاب عمارة

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 3
  • 0
  • 15,680

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً