مهلا يا شيخ حاتم !
محمد جلال القصاص
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه ، وبعد :ـ
قسَّم الشيخ حاتم الشريف الرافضين للحوار بين الأديان إلى خائفين منه ورافضين له ـ الحوار أعني ـ إلا أن يقام للدعوة إلى دين الله مبيناً أن هناك أهدافاً أخرى للحوار غير الدعوة إلى الله ، مستدلاً بصلح الحديبية .
واشتد الشيخ حاتم الشريف على المتوجسين خِيفة ـ على حد تعبيره ـ من الحوار مع الكافرين أو المبتدعين ، وراح يصفهم بأنهم بلا إرادة قد سقطوا في ( فكرة المؤامرة ) ، ليس عندهم سوى ( النواح والعويل ) ـ وهي من صفات النساء ، غفر الله له ـ ، وأنْ ليس عندهم إلا الدعوة لمنهجهم والعمل على إيجاد نسخ مماثلة لهم (من مسلوبي الإرادة، وأُسَراء التوجّس الْمُقَيَّدين بسوء الظن )بنص كلامه .. وهو يتكلم عن إخوانه !!
وحقيقة لا أدري عمن يتكلم الشيخ تحديداً، عيني تبصر جيداً ولا أرى من يتكلم عنهم هذا الشريف ، فعلمي أن النواح والعويل من صفات النساء لا الرجال ، ولم أسمع أحداً من الرافضين ـ أو المتوجسين الخائفين ـ للحوار بين الأديان يعوي أو ينوح .!!
وعلمي بأن المتوجسين خيفة من ( الحوار بين الأديان ) هم ممن كانوا ينظرون له ، بل ويمارسونه ، وليسوا ممن لا يحسنون الحوار وبالتالي يخافون أن يتحاوروا فلذا توجسوا وخافوا ومن ثَمَّ أدبروا ، إن الخائفين المتوجسين قد جربوا أو درسوا تجارب مَن جربوا ، وعادوا يشكون من لؤم القوم وخبثهم .
وإن ( الحوار بين الأديان ) تجربة استمرت لقرنٍ أو يزيد من الزمان ، وعاد من سلك طريقها يقول الطريق مقطوعٌ مسدودٌ . فعلمَ تريد منا أن نسلك طريقاً مقطوعاً .. مسدوداً ؟!
هذا منطقهم ، وقد أصابوا.
وظلماً حصرَ الشيخ حاتم الشريف حجج الرافضين ( للحوار بين الأديان ) في القول بأن الحوار مع ( الآخر ) من الكافرين أو المبتدعين في الدين لا يكون إلا لهدف الدعوة إلى الله ثم حَمَلَ عليهم وراح يردهم عن رأيهم يريد أن يوردهم موائد ( الحوار ) ، واستحضر صلحَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع قريش في الحديبية ، يقول حوار لشيء آخر غير الدعوة .. يقول استثمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المشترك بينه وبين قريش ( الكفار ) يومها . . . يقول اتفق معهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تعظيم الحرمات ، ويغمز مخالفيه بأنهم من أتباع رأس الخوارج الذي نادى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعدل . وقبح الله الخوارج . وغفر الله له غمزه إخوانه .
ثم .. راح الشيخ يعرض وجهة نظره والأهداف التي ينبغي علينا أن ننشدها من ( الحوار بين الأديان ) ،
يقول نتحاور لـ ( نَفْهَمَ المخالفين فهمًا عميقًا ) ونتحاور ( ليفهمنا الآخرون ) كي يحترموا حضارتنا وقيمنا .!!
وكأن ( الحوار بين الأديان ) ـ بوضعه الحالي ـ مناظرة أو عرضاً للإسلام وعرضاً للكفر ـ أو البدعة ـ وكأنْ لا سبيل لمعرفة الآخر ( من الكافرين أو المبتدعين ) إلا من خلال الحوار ، وكأن من يتحاور يأتينا بقلب صافٍ يعرض ما عنده ويسمع ما عندنا .
يا شيخ !
إنهم الأفاكون ، الذين يعرفون الحق وهم له منكرون ، إنهم الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون ،إنهم الملأ ، لم يأتوك ولن يأتوك ليعرفوا ما عندك ، لم يجهلوا دينك ولذا جاءوا يتعلموا ، ولا أنك حين تجلس إليهم تتكلم إليهم بدينك أو تناقش دينهم ، إنهم جاءوا للمشترك .. لتعديل الثوابت ومِن ثم الالتقاء عليها ، أو قل لتوسيع المشترك . فالحوارات لا تعقد لشرح الإسلام وبيان فساد غيره من ( الأديان ) ، ومادة الحوارات هي ثوابت الإسلام ( الجهاد ) ( المرأة ) ( أهل الذمة ) ( الخلافة ) ( الحاكمية ) .. الخ .
إن معرفة الآخر يا شيخ لا تأتي من موائد ( الحوار بين الأديان ) ، وإنما دونك حديثهم لأقوامهم ولمن ( يبشرونهم ) بدينهم عن دينك وجَدِّكَ ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، يقولون ما كان نبياً ، ويقولون زنا ، ويقولون حملت به آمنة من الزنا ، وليس قول السفهاء بل قول المقدمين فيهم . . أهل ( العلم ) و ( الورع ) !
فجدك جدُّك .. ويدنك دينك .
ويقول الشيخ نتحاور ( للوصول إلى صلح يحفظ الدين والأعراض والأموال ) ، إي والله هكذا يقول !!
استحضر يوم الحديبية وصوَّر له الخيال أن حالنا على موائد ( الحوار ) كحال جده ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الحديبية ، ويوم الحديبية شاعَ .. شاعَ ... ، فقط شاعَ أن رجلاً واحداً من ( المستضعفين ) ( المُحْرِمين ) الذين لم يأتوا لقتال ولم يستعدوا للقتال ، وقد بعدوا عن ديارهم وباتوا في ديار عدوهم في قلب كنانة وقيس ـ نصف مليون من الأعداء أو يزيد ـ وكانوا بالأمس على أبواب المدينة يريدون الدعوة كلها .. حين شاعَ أن رجلا ممن هذا حالهم قتل ، هبُّوا وبايعوا على القتال حتى يأخذوا ثأر صاحبهم . وقبل يوم الحديبة هم بأنفسهم الذين خفُّوا لبني قينقاع حين كشفوا سوءة امرأة لحظة من الزمن . فدعك من يوم الحديبية لا تستشهد به . لا حالنا حالهم ، ولا نجرأ أن نقول بقولهم ، ولا أن نفعل فعالهم . إن أعراضنا في كل مكان تنتهك ودمائنا في كل مكان تسفك ، وعدونا في عقر دارنا ، ولا تستطيع ولا أستطيع أن ندفع عنهم ، دعك من يوم الحديبية . لا شأن ليوم الحديبية ب( الحوار بين الأديان ) . إن أنسب مثالٍ ( للحوار بين الأديان ) الذي ندعى إليه هو مفاوضات قريش في مكة مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي قال عنها الله { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ]
إن كل متدبرٍ لحال الكفر مع الإيمان يجد أن أهل الكفر يسلكون طريقين لصد الناس عن دين الله ، طريق الجدال وطريق القتال ، وهذا قول الله تعالى { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ }[ غافر : من الآية 5] . يجادلون وفي ذات الوقت يقاتلون .
الجدال للتمويه وللتشويش على الغافلين والمغفلين ودوامة للاستقطاب جهد المخلصين الطيبين ، والقتال وسيلة الجاهلية للاستئصال الحق ، كذا كانت قريش { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }[ الأنعام : من الآية 121] ، تجادل في ذات الوقت الذي تفتن فيه المؤمنين عن دينهم بالتعذيب ، والحال اليوم كما كان بالأمس..جدالٌ وقتال . النصارى يجادلون ويقاتلون ، والعلمانية تجادل وتقاتل ، والوثنية تجادل وتقاتل .
فلن يعطيك هؤلاء صلحاً إلا أن يرون منك بأساً ، كما كانت قريش يوم الحديبية ، فلم تجلس للصلح إلا بعد أسر ثلاثين من فرسانها ، وخيبة فارسها ـ خالد بن الوليد يومها ـ في الغدر بالمسلمين وهم يصلون .
ـ إنهم الكافرون يقاتلون ويجادلون . فيسعنا أن نسكت ، أم أن نجتزئ الواقع ونقرأه قراءة خاطئة فلا . ولا .
ـ أرتاب من تلك المصطلحات ( الإصلاح ) فعند العارفين أن دعوى ( الإصلاح ) في القديم والحديث مرتبطة بالنفاق ، ولا أرمي الشيخ بالنفاق أعوذ بالله من ذلك ولكن أتكلم عن دعوى ( الإصلاح ) ، مرتبطة من يوم ظهرت بالنفاق ، قال الله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [ البقرة : 11 ] والسياق عن المنافقين . وحديثاً رفع أتاتورك شعار ( الإصلاح ) ، ورفع محمد عبده ( الإصلاح ) فكان ثمرة ( إصلاحه ) جامعة القاهرة وسعد زغلول وزوجة سعد زغلول ومن دخل عليها سعد زغلول وكشف غطاء وجهها ، ولطفي السيد ... الخ .
وأرتاب من ( حضارتنا ) و ( ثقافتنا ) و ( المقدسات ) و ( الاحترام ) كلها من بضاعة غيرنا ، وقد جاءنا بها نبينا بيضاء ناصعة لا حاجة لنا في سواها .
وإن الخوارج هم الذين يشتدون على أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان من عباد البقر والشجر والصلبان . وليس هذا حال من يرفض الحوار بعد أن جربناه سنين طويلة .
محمد جلال القصاص
ليلة الثلاثاء / 12 /6/ 1429هـ
الموافق / 16 / 6 / 2008
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام