ومن التسخير!
أرأيت عندما تشك يدك بدبوس أين تشعر بالألم؟! بالطبع تشعر بالألم في يديك! لكن أليس مركز الحس في المخ؟! إن الذي يشعر بالألم هو جزء في مخك لأنه هو من يستقبل إشارة الألم! لكن بالرغم من ذلك فأنت تشعر به في يديك. إن الأمر ليس بسيطًا كما يبدو من الوهلة الأولى! لأنك لا تدرك بمخك أين شكة الدبوس من جسمك فحسب! لكنك تدرك أين هي في الفضاء المحيط بك! بدليل أنك يمكنك بيدك الأخرى الاتجاه مباشرة إلى مكان الشكة في الفضاء ثلاثي الأبعاد من حولك!
تمهيد:
أرأيت عندما تشك يدك بدبوس أين تشعر بالألم؟! بالطبع تشعر بالألم في يديك! لكن أليس مركز الحس في المخ؟! إن الذي يشعر بالألم هو جزء في مخك لأنه هو من يستقبل إشارة الألم! لكن بالرغم من ذلك فأنت تشعر به في يديك. إن الأمر ليس بسيطًا كما يبدو من الوهلة الأولى! لأنك لا تدرك بمخك أين شكة الدبوس من جسمك فحسب! لكنك تدرك أين هي في الفضاء المحيط بك! بدليل أنك يمكنك بيدك الأخرى الاتجاه مباشرة إلى مكان الشكة في الفضاء ثلاثي الأبعاد من حولك!
حسنًا.. بصرف النظر عن شرح هذا من وجهةٍ طبية إلا أن النتيجة النهائية هي أنك تشعر بالشكة ليس في رأسك حيث مركز الإحساس، لكنك تشعر بها أينما "حدثت بالفعل"!
ماذا عن باقي الحواس؟
حسنًا، أعرني انتباهك الآن أيها القارئ الكريم.. ماذا عن عملة سقطت أرضًا على أرض غرفتك فسمعت صوتها؟ ألست تنطر ببصرك مكان "سقطت بالفعل"؟! وذلك بالرغم أنك سمعت الصوت بمخك -مركز البصر فيه- ثم رأيت العملة التي سقطت بمخك إلا أنك أدركت مكانها "الحقيقي"!
وما العجب في كل هذا؟!
حسنًا، كل هذا يبدو عاديًا؟ لكن ألا يوجد فارق يبدو جوهريًا -لكنه ليس جوهري كما سيتضح- بين إحساسك بمكان الدبوس وإحساسك بمكان العملة؟
بلى.. فإن الشكة وقعت في نقطة من جسدك بينما العملة وقعت على نقطة من الكون خارج جسدك! لكن مهلًا.. أليست النتيجة من حيث الإدراك واحدة؟! ففي كلتا الحالتين لقد خلق الله سبحانه وتعالى علاقة مخك بالكون -سواءً كان "جسدك" أم "خارجه"- بحيث تتجاوز الحدود الضيقة التي تقبع فيها مراكز الحس في المخ لتصل إلى الكون من حولك!
ويكأن هذا المكان الذي سقطت عليه العملة من الأرضية يقع في امتداد لجسدك على الغرفة من حولك، فلو أعدنا تعريف "الجسد" بأنه كل نقطة في الكون تستطيع أن تدركها، سيستوى بهذا التعريف مكان من جسدك الحي بمكانٍ من أي مكان آخر في الكون! حتى لو كان هذا المكان على بعد ملايين بل بلايين السنين الضوئية، بل في أطراف الكون المنظور Observable universe!
إن الكون من حولك سواءً كان نقطة في جسدك الحي أم نقطة على أرضية الغرفة أم نجم على مسافات شاسعة، كل هذا هو "جسدك" بمفهومٍ آخر غير مفهوم الجسد التي تصل له أوعيتك الدموية.. بمفهوم "الجسد" الذي يصل له إدراكك!
إنك بغض النظر عن حاسة إدراكك حِسًا كانت -في شكة البوس- أم سمعًا وبصًرا- في العملة التي سقطت -أم بصرًا فقط- في نجم في "أطراف الكون"، فإن النتيجة واحدة وهي أنك تشعر بالشيء أينما كان!
ويكأن "جسدك" هو الكون بأسره أو كأن الكون المادي كله هو سترة تلبسها روحك حين الميلاد ثم تعيش فيها وبها ثم تخلعها حين الممات!
ويكأن الكون بأسره قد سخَّره الله ليكون في قبضة إدراكك!
أبعادٌ أعلى!
لكن مهلًا.. هل أنت تدرك الكون من حولك فضاءًا ثلاثي الأبعاد فقط؟ إنك ستدرك ظهور بقعةٍ على سطح الشمس بعد حدوثها بثمان دقائق -زمن وصول الضوء إلى مركز البصر في المخ!-، أي أن ما تدركه الآن على سطح الشمس هو ما "حدث" من ثمان دقائق. وكأنك لا ترى خلال فضاء ثلاثي الأبعاد فحسب بل ترى خلال الزمن أيضًا، بُعدٍ إضافي وهو الزمن.
ويكأن "جسدك" بمفهومه الأوسع ممتد في أربعة أبعاد!
إن "التسخير الإدراكي" لم يمتد إلى أطراف جسدك فحسب؛ بل إلى أطراف الكون الرباعي الأبعاد!
حاسة العقل و"البُعد الفكري"!
لكنك تستطيع بما آتاه الله لك أيها الإنسان من علم أن تدرك بعقلك ما لا تستطيع إدراكه بحواسك الخمسة، فأنت تستطيع إدراك إلكترون يدور حول نواة ذرة في جسدك -أو في نجمٍ بعيد لا فرق على الإطلاق!- بالرغم أنك لم تدرك هذا الإلكترون بحواسك الخمس قط! إلا أنك استطعت وضع نموذجًا عقليًا له!
وكأن العقل حاسةٌ أمضى وأرقى من حواسك الخمس تستطيع إدراك به ما لا تستطيع الإدراك بهم.
وكأنك في هذه الحالة تنظر بعقلك خلال بُعدٍ أعلى من الأبعاد الفضائية الزمنية وهو "البُعد الفكري"، أي أن الله قد سخَّر لك الكون ليس فقط كإدراك حسي ولكن كإدراك عقلي أيضًا خلال أبعاد غير حسية منه وهي "الأبعاد الفكرية"...!
الحمد لله..
الحمد لله ربِّ العالمين الذين جعل الكون بأسره بأبعاده الحسية والفكرية مُسخَّرًا لنا بقدرتنا على الإحساس به كأنه جزء من جسدنا الممتد أو بإدراكه عقليًا بسبر أغوار أبعاده الفكرية.
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية:13].
- التصنيف: