غزة تحت النار - (60) استئناف القتال فرصة العرب للتوبة

منذ 2014-08-10

أيها القادة العرب ويلكم توبوا إلى الله، وأوبوا إليه، واستغفروا لذنبكم، وابكوا على خطيئتكم، واسألوا الله المغفرة، وعودوا إلى شعوبكم، واركنوا إلى أهلكم، وكونوا مع مقاومتكم تسعدوا، وانصروا أهلكم تسروا، وأيدوا المقاومة تعزّوا، فما الكرامة إلا في ظلال المقاومة، وما العِزَّة إلا في رحال قوة المقاومة وركابها، فهل تردوا على العدو حلفه، وتنكثوا عهده، وتنقضوا ميثاق الخيانة معه، لتستبدلوه بميثاق الشرف، وعهد الأمانة، وتكونوا ضمن حلف الصادقين، وأفواج المقاتلين، عل شرف النصر ينالكم، وثوب العِزَّة يستركم، ورايات القوة تُظلِلكم وتحميكم.

أتاحت المقاومة الفلسطينية باستئنافها القتال ومواصلتها المعركة، بعد انتهاء الهدنة الأخيرة، الفرصة للأنظمة العربية للتوبة ومراجعة حساباتها، وتصحيح مسارها، وتعويض ما فاتها، وشطب العار الذي لطخ شرف بعضها، وأساء إلى سمعتها، وسود صفحات تاريخها، وجعلها ردءًا للعدو ورديفًا له، بدلًا من أن تكون سندًا للمقاومة وعونًا لها، ومساندة للشعب الفلسطيني ومناصرةً له.

ربما بعد عودة العدوان الصهيوني البغيض على قطاع غزة، تتمكن بعض الأنظمة العربية التي كانت على مدى شهرٍ من القصف الجوي والبري والبحري المتواصل، صامتةً أو عاجزةً أو متآمرةً، أو حائرةً أو خائفة، فتنتهز الفرصة التي أتيحت لها من جديد، لتُعيد تفكيرها، وتراجع حساباتها، وتحاسِب نفسها، وتُعدِّل مسارها، وتُصوِّب اتجاهها، وتعرف عدوها من صديقها، وتؤوب إلى الحق، وتستعيد الرشد والعقل، فما قد ارتكبته في حق الفلسطينيين والعرب والمسلمين جريمةً كبيرة، لن تغفرها لهم شعوبهم، ولن ينساها تاريخهم، ولن تشطب بحالٍ من سجلاتهم في الدنيا ولا من صحائف أعمالهم يوم القيامة، وستبقى لعنةً عليهم، تطاردهم ولا تفارقهم، وتتنزَّل عليهم في الدنيا والآخرة، من العباد ومن ربِّ العباد والملائكة والناس أجمعين.

المعركة مع العدو الصهيوني لم تنتهِ، ولا نظنها ستنتهي حتى نطرده من أرضنا، وندحره من بلادنا، ونستعيد حقوقنا، ونُحرِّر أرضنا، ونعود إلى وطننا، وهذا الأمر بإذن الله سيكون مهما طال الزمن، فهي سنة الحياة، وطبائع الشعوب، وحينها سيذكر التاريخ أبطال التحرير وصُنَّاع النصر، وسيحفظ ذكرهم، ويُقدِّر تضحياتهم، ويُكرِم شهداءهم، لكنه لن ينسَ أيضًا العملاء والخائنين، والمُفرِّطين والمتآمرين، وسيبقى يلعنهم، وسيورث الأجيال من بعده لعنتهم والبراءة منهم.

تُخطئ الأنظمة العربية إذا اعتقدت أن شعوبها ستسكت عن جريمتها، وستتغاضى عن فعلتها، وستقبل منها الصمت والسكوت، فضلًا عن المؤامرة والخيانة، فالشعوب العربية حُرةٌ شريفةٌ، عزيزةٌ أبية، ماضيها ناصعٌ وتاريخها مشرفٌ، تنتصر لفلسطين وتحبها، وتنصِر أهلها وتُضحِّي من أجلهم، وتحب من ساندهم وأيَّدهم، وتُناصِر من والاهم وكان معهم، وتُعادي كل من خانهم وتآمر عليهم، وتقف ضد من كان معهم كنودًا، وفي تعامله لئيمًا، وستحفظ ذاكرتها الجريمة، وستذكرها دومًا حتى يأتي يومٌ فيه يقتصُّون وينتقِمون، فيُحاسِبون الحكام على جرمهم، والقادة على خيانتهم، وقد علَّمنا التاريخ أن الشعوب لا تنسى، وأنها هي التي تبقى وتدوم، بينما الحكام يذهبون ويندثرون، ويُحاسبَون ويعاقَبون، ويدفعون أثمان أعمالهم، ويؤدون عواقب أفعالهم.

أيها القادة العرب كونوا عقلاء راشدين، واعين مستنيرين، وتعلَّموا من أخطائكم، وخذوا العِبرة من خواتيم أعمال من سبقكم، وعاقبة من مضى منكم، فها هي الفرصة تُتاح لكم من جديدٍ لتتوبوا وتُبدوا ندمكم، وتُصحِّحوا أخطاءكم، وشعوبكم ستغفر لكم إذا تُبتم توبةً صادقةً نصوحة، وستتجاوز عن جريمتكم إذا أبديتم الندم فعلًا، وحاولتم الإصلاح والتعويض حقيقة.

واعلموا أنكم بتوبتكم تفوزون، وبعودتكم لا تخسرون، وبمساعدتكم للشعب الفلسطيني تتطهَّرون من معاصيكم، وتتخلَّصون من أدرانكم، وتعودون بين شعوبكم أطهارًا، أنقياء أصفياء أخيارًا، فالشعوب العربية تتألَّم لِما يصدر منكم، وتتبرأ أمام الله وأمام الفلسطينيين من أفعالكم الشنيعة، وتصرفاتكم القبيحة، وجرائمكم الكبيرة، ولعلها تخجل من الانتماء إليكم، والانتساب إلى أنظمتكم، فهي لا تشعر بفخر الثراء، ولا نعيم الاستقرار، ولا تقبل بصفات البذخ والرخاء، بينما الشعب الفلسطيني يُحاصَر ويُقتَل، ويُعذَّب ويُضطهَد، وتُدمَّر بيوته ومساكنه، وتُخرَّب مساجده ومعامله، وتحرث شوارعه وطرقه، ويُحرَم من كل لوازم الحياة الكريمة البسيطة قبل الكبيرة، والضرورية قبل الرفاهية منها.

إنها فرصةٌ كبيرة، ونداءٌ أخير، يمنحه الله لكم أيها القادة العرب على أيدي أهل غزة وقِواه المُقاوِمة، وهي فرصةٌ قل أن تُعطى، ومن النادر أن تُمنح، فمن فاتته الأولى قل أن يجود الزمان عليه بغيرها تعويضًا، والعاقل الكيِّسُ الفطن من يقتنص الفرصة ويستفيد منها ولا يضيعها، وها هي المقاومة تتفضَّل عليكم وتمنّ، وتُكرِمكم وتمنحكم، فلا تضيعوا الفرصة، ولا تخسروا السانحة، وأعلنوا ولاءكم للمقاومة، ونصرتكم لها، وزودوها بما تحتاج من دعمٍ وإسنادٍ، ومالٍ وسلاح، وارفعوا الصوت عاليًا ضد كل من يتآمر عليها، ويريد بها شرًا، وسارعوا إلى رفع الحصار، وفتح البوابات المغلقة، ولا تسمحوا لأحدٍ أن يستخدمكم أو أن يستغلكم، فهذا العدو لا يحترم عملاءه، ولا يكافئ المتعاونين معه، ولا يحفظ فضل الخائنين من أجله.

واعلموا أن المقاومة الفلسطينية عزيزةٌ أبية، وقادرةٌ قوية، وعميقةٌ متجذِّرة، وممتدةٌ منتشرة، وشاملةٌ واسعة، وهي باحتضان الشعب لها، وتأييده لدورها، واستعداده للتضحية من أجلها، قادرة على الصمود والبقاء، والثبات والمواصلة، وقد أثبتت أنها قادرة على الصمود في وجه العدو وإيذائه، وإلحاق الضرر به وإساءة وجهه، وقتل جنوده وإرهاب مستوطنيه، وتخريب اقتصاده وتعطيل حياته، ولديها من السلاح ما يكفيها، وعندها من الذخيرة ما يقويها، ورجالها يتسابقون إلى الشهادة، ويُبدِعون في المقاومة، ويتباهون بالنصر، ولا يخافون من المواجهة، ولا يهربون من أرض المعركة.

أيها القادة العرب ويلكم توبوا إلى الله، وأوبوا إليه، واستغفروا لذنبكم، وابكوا على خطيئتكم، واسألوا الله المغفرة، وعودوا إلى شعوبكم، واركنوا إلى أهلكم، وكونوا مع مقاومتكم تسعدوا، وانصروا أهلكم تسروا، وأيدوا المقاومة تعزّوا، فما الكرامة إلا في ظلال المقاومة، وما العِزَّة إلا في رحال قوة المقاومة وركابها، فهل تردوا على العدو حلفه، وتنكثوا عهده، وتنقضوا ميثاق الخيانة معه، لتستبدلوه بميثاق الشرف، وعهد الأمانة، وتكونوا ضمن حلف الصادقين، وأفواج المقاتلين، عل شرف النصر ينالكم، وثوب العِزَّة يستركم، ورايات القوة تُظلِلكم وتحميكم.

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 0
  • 0
  • 1,338
المقال السابق
(59) بداياتٌ جديدةٌ ونهارٌ آخر
المقال التالي
(62) العرب شركاء أم متضامنون؟!

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً