[351] سورة الزمر (5) - (6)
محمد علي يوسف
- التصنيفات: التفسير -
(5)
وتلك الأيدي الآثمة التي طالما استحلَّت الحرام ومنعت حق المحرومين..!
تلك الأيدي الظالمة التي طالما بطشت بالمظلومين وزادت قهر المقهورين..!
تلك الأيدي الجائرة التي طالما أشارت أو وقعت على أمر بعذابٍ واعتداء على المساكين..!
تلك الأيدي الباغية التي طالما اجترأت على صفع المطحونين وقمع المستضعفين..!
تلك الأيدي القوية الضخمة التي لم تكن تأبه باتقاء أيدي المظلومين ولا دفعهم عن أنفسهم تحت وطأة غلظتها وقسوتها..!
تلك الأيدي في ذلك اليوم لن تنفعهم..!
ولن يستعملوها حتى في الدفع عن وجههم واتقاء ألسنة النار الحارقة..!
إنها أيدٍ مغلولة هناك..!
وإن وسيلة الاتقاء هي تلك الوجوه التي طالما كانت مُصعّرة للناس في الدنيا..!
نعم كما قرأتها..
إنهم يتقون النار بوجوههم..
تخيل المشهد..
إنه عذاب مزدوج يحمل إلى جوار ألمُ الحرق ذُلّ المهانة ومرارة العجز..
أَوَ يُتقى بالوجه ويُدفع به أم يَدفع عنه..!
إنه الجزاء الوفاق للظالمين ممن ليس لهم خلاق..
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر:24].
(6)
ومن أكثر المعاني التي تكرَّرت في سورة الزمر لفظًا ومعنىً - الإخلاص والخلوص..
{فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر من الآية:2]..
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر:11]..
{قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} [الزمر:14]..
إن أصل الخلوص هو النقاء التام من الشوائب والمُعكِّرات، وإن سورة الزمر تضع ذلك المطلب في أولويات المسلم أن يحقق الدين الخالص الذي أشير إليه في هذه السورة بهذا اللفظ المهيب..
{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر من الآية:3]، هذا هو المطلب وهذا هو ما ينبغي توجيهه لله ربِّ العالمين..
دينٌ خالص..
دينٌ بلا شوائب ولا مُنغِّصات..
دينٌ لا تُعكِّر صفوه الشبهات والشهوات..
دينٌ لا محبة خالصة فيه إلا لله ولا رغبة إلا إليه ولا رهبة ولا خشية إلا منه..
هذا هو الدين الخالص..
وهذا هو ما ينبغي لعبادتنا أن تكونه..
وهذا ما ارتضاه الله لنفسه..
ألا يكون مقامه في القلب أدنى من دنياك أو خالص متاعك الذي لا ترضى أن يُشارِكك فيه مخلوق..
أفنرضى لربنا ما لا نرضاه لأنفسنا...؟!