الحواس والفجوات المعرفية!

منذ 2014-08-12

تساؤل تأمُّلي: "تُرى لو كان الله قد خلق الناس بأربع حواس فقط -بدون حاسة البصر مثلًا- ما هو المستوى العلمي الذي كُنَّا سنصل له الآن؟ وهل كان وصولنا -بدون حاسة البصر- إلى ما نحن عليه الآن من معارف هو مسألة وقت فقط، أي أن الإنسانية كانت ستصل إلى معارف اليوم لكن بعد زمن أم كُنَّا لن نصل مهما طال الزمن؟ هل من استنتاجات؟".

تساؤل تأمُّلي:

"تُرى لو كان الله قد خلق الناس بأربع حواس فقط -بدون حاسة البصر مثلًا- ما هو المستوى العلمي الذي كُنَّا سنصل له الآن؟ وهل كان وصولنا -بدون حاسة البصر- إلى ما نحن عليه الآن من معارف هو مسألة وقت فقط، أي أن الإنسانية كانت ستصل إلى معارف اليوم لكن بعد زمن أم كُنَّا لن نصل مهما طال الزمن؟ هل من استنتاجات؟".

تفكُّر في الإجابة:

لا يستطيع أن يعرف الكائن الحي (كالإنسان) شيئًا عن الكون إلا بالحواس فإنه لو افترضنا أنه له عدد "ن" حاسة، فإنه لن يستشعر من معلومات الكون إلا المعلومات المتناغمة مع هذه الحواس والمعلومات الغير متناغمة مع حواسه التي يمكن تحويلها بوسيلةٍ ما إلى أنواع أخرى من المعلومات المتناغمة مع حواسه.

إلا أنه يكاد يكون بديهيًا -بالنسبة لي- أن عددًا محدودًا "ن" من الحواس لا يمكنه الإحساس بكمِّ المعلومات الهائل الذي يذخر به الكون! بل إنه حتمًا توجد "فجوات معرفية" لا تُملَأ -بشكلٍ مباشر- بالحواس المتاحة ولا يمكن تحويلها -بشكلٍ غير مباشر- إلى ما يمكن مَلؤه بالحواس المتاحة!

كي تتخيل معي هذا هَب أن هناك دودة عمياء صماء -تعيش وسط مجتمع من الدود مثلها تمامًا- لا تستشعر إلا باللمس فقط ولا يوجد لديها في مجتمعها من يستطيع أن يُحوِّل لها المعلومات ذات النكهات البصرية والسمعية والذوقية والشمية -نكهات المعلومات المُتاحة للبشر حاليًا- إلى معلومات ذات نكهة لمسية!

حينها فإن كثيرًا مما هو في الكون لن تشعر به هذه الدودة أصلًا هذا غير أنه كثيرًا ما تستشعره بلمسها لا يمكنها قط -حتى لو ملكت العقل!- أن تضع له نموذجًا عقليًا يُفسِّره، حيث أن النماذج العقلية ذاتها قد تعتمد على الحواس الغائبة في تكوينها.

وهذا لا علاقة له بمسألةٍ أن حاسة اللمس لدى هذه الدودة ستكون مرهفة جدًا بطبيعة الحال! فمهما كان الدود مرهف اللمس فإن "الفجوات المعرفية" لديه ستكون أكبر من "الفجوات المعرفية" للإنسان، إلا أن كل منهما -الدود والبشر- له "فجواتٌ معرفية" بالفعل لأن كل منهما عدد حواسه محدود!

ولا أتخيل أنه يمكن بحال امتلاك الحقيقة الكلية للكون إلا -على الأقل!- بعددٍ هائل من الحواس بالإضافة إلى عقل هائل القدرة على نمذجة ما يتلقاه من معلومات من ذلك العدد اللا نهائي من الحواس.

الاستنتاجات:

* والاستنتاج هنا أن جنسًا بشريًا فاقِدًا لحاسة من الحواس -ولتكن البصر- سيأخذ وقتًا أطول في الوصول إلى جزء -كبُر أم قلّ- من معارفنا، لكن لن يصل إلى كل معارفنا لأنه لا بُدَّ من وجود جزء من المعلومات البصرية لا يمكن تحويلها -من حيث المبدأ- إلى معلومات متناغمة مع باقي الأربع حواس.

* والاستنتاج الآخر أننا كبشرٍ بخمس حواس لا يمكننا كذلك الوصول للمعرفة النهائية التي كان سيمتلكها بشرٌ آخر له حاسة إضافية "مثالٌ للتقريب حاسة تشعر بموجات الجاذبية أو بسيل آشعة النيترينو" فوق حواسنا الخمس. وبالتالي فمعرفة الإنسان عن الكون المادي منقوصة.

وهذا يتوافق مع الآية الكريمة: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]، إذ أن سبر أغوار الكون أكبر من قدرة البشر!

وأيضًا يتوافق مع الآيتين الكريمتين:

1- {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31].

2- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85].

إذ أن الله قد علَّم آدم العلم الممكن أن يتعلَّمه بشر، وأيضًا قد قرَّر الله أن العلم الذي "أُوتيه" البشر هو قليل.

والاستنتاج المباشر من الآيتين أن علم آدم -وهو العلم الأقصى للبشر- عِلمٌ قليل، أي أنه علم غير كامل.

والله أعلم.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 3,835

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً