صدقه.. معجزته صلى الله عليه وسلم
الصدق كصفة إذا تحلى بها إنسان تجاورت إلى جانبها صفات كثيرة محمودة، يؤكد هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما: "أربعٍ من كن فيه ربح: الصدق، والحياء، وحُسن الخُلق، والشكر"، وما قاله لقمان الحكيم حين سأله أحدهم: "ما بلغ بك ما ترى؟"، فأجابه: "صدق الحديث، وأداء الأمانة، وتركي ما لا يعنيني".
- التصنيفات: السيرة النبوية -
من جملة أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الكثيرة والكبيرة، يحتل "الصدق" ركنًا ركينًا فيها، استرعى انتباه زمرة من العلماء والمفكرين، وليس في هذا ما يدعو للاستغراب؛ فقد احتلت صفة الصدق في الدين الإسلامي مكانة كبيرة؛ فغير أنها مذكورة في القرآن الكريم بألفاظها "الصادقين صدقوا صدق"، إلا أن السنة المطهرة لم تغفل ذكرها في أحاديث كثيرة.
مرد هذا أن الصدق كصفة إذا تحلى بها إنسان تجاورت إلى جانبها صفات كثيرة محمودة، يؤكد هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما: "أربعٍ من كن فيه ربح: الصدق، والحياء، وحُسن الخُلق، والشكر"، وما قاله لقمان الحكيم حين سأله أحدهم: "ما بلغ بك ما ترى؟"، فأجابه: "صدق الحديث، وأداء الأمانة، وتركي ما لا يعنيني".
ولهذا لم يكن غريبًا أن يتحلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة، ولكن الأغرب في نظر بعضهم أن يتحلى ويُنادى بهما في الجاهلية، وهذا ليس غريبًا على المجتمع المكي، فهو مجتمع تجاري اقتصادي يقدر للصدق والأمانة مكانتهما، لما تمثلانه من موقعٍ هام في تعاملاتهم اليومية والموسمية حال سفرهم في رحلتي الصيف والشتاء.
ذلك أن الصدق صفة شاملة تختص بربّ العباد والعباد، ومحلها الباطن والظاهر، فالصادق يخلص لله في تعبده له، كما يصدق مع الناس في وعوده وعهوده وبيعه وشرائه وسائر تعاملاته معهم، وهذا ما يبدو للناس من ظاهره، أما في باطنه فهو صادق تمام الصدق مع نفسه حين يقيمها على شرع الله لا تحيد عنه.
والمشركون على كثرة ما ادَّعوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم: ساحر، شاعر، مجنون، لم يتهموه بالكذب، يشهد بهذا ما قاله الترمذي عن علي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نُكذِّبُك ولكن نُكذِّب بما جئت به"، فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: من الآية 32].
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمى الأمين، فعرفوا أنه لا يكذب في شيء، ولكنهم كانوا يجحدون"، وكان أبو جهل يقول: "ما نُكذِّبُك؛ لأنك عندنا صادق، وإنما نُكذّب ما جئتنا به". وروي أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل: "يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس عندنا أحد غيرنا"، فقال له: "والله إن محمداً لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة فماذا يكون لسائر قريش (الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية، القاهرة، د. ت، ج2، ص 15)؟".
ويؤكد النضر بن الحارث أعدى أعداء قريش للإسلام صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأمانته حين قام خطيبًا في سادة قريش قائلاً لهم: "يا معشر قريشٍ، إنه والله قد نَزَلَ بكم أمرٌ ما أَتَيْتُم له بحيلة بَعْدُ، قد كان محمدٌ فيكم غلامًا حدثًا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانةً".
بل إن أنيس الغفاري مارس قبل إعلان إسلامه إجراء اختباراً دلل به على صدق ذلك الرجل الذي خرج من مكة نبيًا، وورد ذلك في قصة إسلام أبي ذر الغفاري حين قال ابن عباس عنه: "كنتُ رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل فكلمه وائتني بخبره فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث عليّ -تأخر- ثم جاء فقلت: "ما عندك؟" فقال: "والله لقد رأيتُ رجلاً يأمر بخير وينهي عن الشر"، وفي رواية: "لقد رأيتُ رجلاً بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله ورأيته يأمر بمكارم الأخلاق"، قلتُ: "فما يقول الناس؟" قال: يقولون: "شاعر كاهن ساحر"، وكان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس: "لقد سمعتُ قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعتُ قوله على أقراء الشعر -قوافيه- فلم يلتئم علي لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون".
كما أنه ليس مستغربًا أن يشهد لصدق وبصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلةٌ من أتباعه من علماء المسلمين المبرزين رغم اختلاف عصورهم وجنسياتهم وألوانهم وألسنتهم، فإن الزمن بطبعه متغير لكن سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم تبارز الدنيا بثباتها في تقديم شمائل ودلائل نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا شهد بصدقه المعجز المتأخرين أمثال أبو الحسن الندوي ومحمد أحمد المسير، فقد شهد من المتقدمين أيضًا بذات الإعجاز كالإمامين الغزالي وابن حزم.
حين رأى الدكتور محمد سيد أحمد المسير (الدكتور محمد أحمد المسير، النبوة المحمدية ص 23): "إن الصدق -يقصد صدق الرسول- عليه الصلاة والسلام هو المعجزة الأولى التي دفعت الناس إلى الإيمان بالرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم".
كان ابن حزم يرى أن السيرة العطرة للنبي صلى الله عليه وسلم تقف وحدها دليلاً على صدق دعوته وثبوت نبوته، بما لا يحتاج معه لمعجزة، فيقول (ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل ج1ص 342): "فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لِمَن تدبرَهَا تقتضي تصديقَه ضرورةً، وتشهد له بأنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حقاً فلو لم تكن له معجزة ٌ سوى سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى".
نعم.. فقد كانت شمائله وأحواله صلى الله عليه وسلم شواهد قاطعة بصدقه حتى أن العربي القُح كان يراه فيقول: "والله ما هذا وجه كذاب، فكان يشهد له بالصدق بمجرد شمائله"، كما قال الغزالي (أبو حامد الغزالى، أحياء علوم الدين ج 3 ص 484).
يُجمل أبو الحسن الندوي ما جاءت به روايات السيرة النبوية الصحيحة من شمائل محمد قبل البعثة: "وشبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظًا من الله تعالى، بعيدًا عن أقذار الجاهلية وعاداتها، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلُقًا، وأشدهم حياءً، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش والبذاءة، حتى ما أسموه في قومه إلا الأمين، يعصمه الله تعالى من أن يتورط فيما لا يليق بشأنه من عادات الجاهلية، وما لا يرون به بأسًا ولا يرفعون له رأسًا. وكان واصلاً للرحم، حاملاً لما يُثقِلُ كواهل الناس، مُكرمًا للضيوف، عونًا على البرِّ والتقوى، وكان يأكل من نتيجة عمله، ويقنع بالقوت" (أبو الحسن الندوي: كتاب (السيرة النبوية) ص 170 ط1. دار ابن كثير، القاهرة).
والصدق والأمانة احتلتا في الدراسات الاستشراقية مكانةً واعتبار حين اطلع المستشرقون على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذوها معيارًا للقياس والتتبع في أموره كلها سواء بين أتباعه في السلم وآناء الحرب، وفي بيته، ومع نفسه، وبين المسلمين وبين أهله، وبين المهاجرين أهل موطنه ومرباه الأول، وبين الأنصار أهل مهجره وموطن إقامته، فلم يجدوا فيها عوجًا ولا انحيازًا منه في أدق الأمور وأعظمها، فسطروها معجزة ناصعة وهم الذين لا تخرج منهم الإشادة إلا بالكاد، ويعرفون ما يحمله مصطلح"المعجزة" من دلالات، فتتالت أقوالهم راصدة شاهدة صادقة مصدقة بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
بدأ المستشرقون بدراسة أحوال البيئة التي نشأ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على كافة الأصعدة سواء السياسية والأخلاقية والتجارية والاقتصادية والثقافية، وقاسوا أخلاقه صلى الله عليه وسلم إلى أخلاق بني جلدته وبلدته، وكان نتاج هذا أن قال دون بايرون (الباحث الأرجنتيني دون بايرون (1839م-1900م): اتح لنفسك فرصة، تعريب عبد المنعم محمد الزيادي): "لا يبعد أن يكون محمد يحس بنفسه أنه في طينته أرق من معاصريه، وأنه يفوقهم جميعًا ذكاء وعبقرية، وأن الله اختاره لأمر عظيم وقد اتفق المؤرخون على أن محمد بن عبد الله كان ممتازًا بين قومه بأخلاق حميدة، من صدق الحديث والأمانة والكرم وحسن الشمائل والتواضع حتى سماه أهل بلده الأمين، وكان من شدة ثقتهم به وبأمانته يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم".
وهو ما يأتي اتفاقًا مع جرسان دتاسي (المستشرق جرسان دتاسي: نقلاً عن كتاب "هذا هو الإسلام"، ص 87) حين قال: "إن محمداً ولد في حضن الوثنية، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة، انزعاجًا عظيمًا من الرذيلة وحبًا حادًا للفضيلة، وإخلاصُا ونية حسنة غير عاديين إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم الأمين".
وفي نفس السياق يقول كليمان هوار (المستشرق الفرنسي كليمان هوار (1854م-1927م): تاريخ العرب، ج1، كان أستاذ في اللغات الشرقية وشغل منصب رئيس مجمع البحوث والآداب في باريس): "اتفقت الأخبار على أن محمدًا كان في الدرجة العليا من شرف النفس، وكان يلقب بالأمين، أي بالرجل الثقة المعتمد عليه إلى أقصى درجة، إذ كان المثل الأعلى في الاستقامة".
وكذلك يقول هربرت وايل (المستشرق الأيرلندي هربرت وايل: كتاب المعلم الاكبر، ص 17): "بعد ستمئة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد فأزال كل الأوهام، وحرم عبادة الأوهام، وكان يلقبه الناس بالأمين، لما كان عليه من الصدق والأمانة".
ويختتم السير ويليام موير (المؤرخ والمستشرق الإنكليزي السير ويليام موير: حياة محمد، ص 20) ركب من شهد بالأمانة للرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: "إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه، وحسن سلوكه. ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله. وخبير به من أنعم النظر في تاريخه المجيد، وذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم".
أما حين تفرغوا لصفة الصدق في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم أتت شهاداتهم منثالة ترصد بشيء من الانبهار مواقع هذه الصفة والقيمة خلال مجريات حياته كلها، فقد شهد بلاشير (بلاشير، ترجمة للقرآن الكريم للفرنسية ص 105) بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كون أسلوبه الخاص في أحاديثه النبوية مفارقًا تمام المفارقة لأسلوب القرآن الكريم، حيث يقول: "الإعجاز هو المعجزة المصدِّقة لدعوة محمد الذي لم يرتفع في أحاديثه الدنيوية إلى مستوى الجلال القرآني".
وانطلاقًا من البيت النبوي مرورًا بالمقربين منه صلى الله عليه وسلم يرصد هربرت جورج ويلز (هربرت جورج ويلز (1866م- 1946م) كاتب ومؤرخ وعالم اجتماع بريطاني ذائع الصيت: كتاب "معالم تاريخ الإنسانية"): "إن من أرفع الأدلة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم كون أهله وأقرب الناس إليه يؤمنون به فقد كانوا مطَّلعين على أسراره ولو شكوا في صدقه لما آمنوا به". ويقول في موضع آخر: "أما الإنسان الذي أشعل ذلك القبس العربي، فهو محمد. اشتهر في شبابه بالأمانة والاستقامة".
ويؤكد المستشرق الفرنسي الكونت هنري دي كاستري (المستشرق الفرنسي الكونت هنرى دى كاستري (1853م-1915م): الاسلام، ص 152) أن صدق الرسول نابع من صحة رسالته وعمق اقتناعه بها، يقول: "ولسنا نحتاج في إثبات صدق (محمد) إلى أكثر من إثبات أنه كان مقتنعاً بصحة رسالته وحقيقة نبوته، أما الغرض من تلك الرسالة بالأصل، فهو إقامة إله واحد مقام عبادة الأوثان التي كانت عليها قبيلته مدة ظهوره".
ويهمني أن أنقل قول إدوارد مونتيه (إدوارد مونتيه (1927م-1856م) مستشرق سويسري و أستاذ اللغات الشرقية والعميد الشرفي بجامعة جنيف: مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن. حصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة باريس عام 1883م، عيّن أستاذًا للعبرية والأرامية والعهد القديم في جامعة جنيف، ثم أضيف إليه العربية وتاريخ الإسلام، رأس جامعة جنيف (1910م-1912م)) في مقدمة ترجمته للقرآن الكريم (ظهرت ترجمة إدوارد مونتيه للقرآن الكريم بطبعتها الفرنسية في سنة 1925م، و امتازت بالضبط والدقة، أثنى عنها الأستاذ محمد فؤاد عبد بقوله: "إنها أدق الترجمات التي ظهرت حتى الآن وقد نقل عنها إلى العربية مقدمة هذه الترجمة، وهي في تاريخ القرآن وتاريخ سيدنا رسول الله، وقد نشرت في المنار، فاقتنيت هذه الترجمة فوجدتها قد أوفت على الغاية في الدقة والعناية وقد ذيلها المترجم بفهرس لمواد القرآن المفصل أتم تفصيل") لأنه إنما صدر عن قول عالم متخصص، إذ يقول: "كان محمد نبياً صادقًا، كما كان أنبياء بني إسرائيل في القديم، كان مثلهم يؤتى رؤيا ويوحى إليه".
لم يثبت مفكرو الغرب الصدق للنبي صلى الله عليه وسلم وحسب، بل نفوا عنه كل الصفات السلبية وأولها الكذب التي استشرت في الذهنية الغربية على مستوى الفرد العادي، والمستوى الأكاديمي أيضًا منذ دأبت الكنيسة ممثلة في أساقفتها وباباواتها ببث أكاذيبها متعمدةً تشويه صورته صلى الله عليه وسلم وكان من أوائل من نفوا توماس كارليل (الفيلسوف الإنجليزي الشهير توماس كارليل (1795م-1881م)، من أشهر مؤلفاته (الأبطال وعبادة البطولة) الذي يتضمن أعظم الشخصيات تأثيراً في العالم من خلال المجالات المتعددة التي أصبحوا أبطالها بلا منازع. وفيه أفرد فصلا لنبي الإسلام بعنوان "البطل في صورة رسول: محمد - الإسلام"، عد فيه النبي صلى الله عليه وسلم واحدا من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ).
وجاء نفيه هذا ليشكل خطًا فاصلاً في الدراسات الاستشراقية المنصفة لمعظم من خلفه، إذ يقول: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى من يظن أن دين الإسلام كذب، وأن محمدًا خداع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مئتي مليون من الناس" (توماس كارليل؛ "الأبطال"، ترجمة محمد السباعي، كتاب الهلال عدد 326، ص 53، 1978م).. وليس هذا فحسب بل يعلن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم لصدقه الذي يُنافي الرياء أو التصنُّع، فيقول: "وإني لأُحبُّ محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنُّع" (المصدر نفسه، ص 64).
وينهج هذا النهج من يخلفه من بني جلدته روم لاندو (روم لاندو R.Landau. نحّات وناقد فني إنكليزي، زار زعماء الدين في الشرق الأدنى (1937)، وحاضر في عدد من جامعات الولايات المتحدة (1952م-1957م)، أستاذ الدراسات الإسلامية وشمالي أفريقيا في المجمع الأمريكي للدراسات الآسيوية في سان فرنسيسكو (1953م). من آثاره: (الله ومغامراتي) (1935م)، (بحث عن الغد) (1938م)، (سلم الرسل) (1939م)، (دعوة إلى المغرب) (1950م)، (سلطان المغرب) (1951م)، (فرنسا والعرب) (1953م)، (الفن العربي) (1955م).. وغيرها).
فيقول: "إنّ الإخلاص الّذي تكَّشف عنه محمّد صلى الله عليه وسلم في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل فيما أُنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كلّ أولئك يجعل من غير المعقول اتّهام محمّد صلى الله عليه وسلم بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمّد، استطاع أن يعمّر طويلاً. والإسلام لم يعمّر حتّى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنّه لا يزال يكتسب في كلّ عام أتباعًا جددًا، وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً" (روم لا ندو Rome Landau (كتاب الإسلام والعرب Islam and The Arabs) ص 34).
وكان بالإمكان إيراد أقوال جوستاف مينشينج أستاذ الأديان في جامعة بون، وريورند باسورث سمث في محاضرته عن "محمد والمحمدية" عام 1874م في الجمعية الملكية البريطانية، و فولتير، و باسورث سمث، والكاتب السويسري مسيمر في كتابه "العرب في عهد محمد"، والمستشرق البلجيكي د. دوسين في بحثه "الحياة والشرائع"، والشاعر الفرنسي الكبير لامارتين في كتابه "السفر إلى الشرق"، وكلها تتفق مع ما ذهب إليه كارليل، وما ذهب إليه المستشرق رودلف دوتوراك (رودلف دوتوراك (1852م-1920م) أستاذ اللغات الشرقية في جامعة براغ، الذي ترجم حياة أبي فراس الحمدانى ودرس شعره) الذي أختم بقوله الذي يؤكد صدق النبوة، ونزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من السماء، بالشريعة الإسلامية، نافيًا قول من يدعي خلاف ذلك من الحيلة والخديعة والتزوير، إذ يقول:
"ومما لا ريب فيه، أن محمداً نبي العرب كان يتحدث إلى الناس عن وحي من السماء؛ لأنه أتى إلى العالم بدعوة من ورائها المعجزات ?الآيات، وهي أعظم شاهد على مدعاه، ولا يجوز لنا أن نفند آراؤه، بعد أن كانت آيات الصدق بادية عليها، فهو نبيٌ حق، وأولى به أن يتبع، ولا يجوز لمن لم يعرف شريعته أن يتحدث عنها بالسوء، لأنها مجموعة كمالات إلى الناس عامة" (رودولف دوتوراك في مقدمة ترجمته حياة أبي فراس).
فهذا الشاهد المنصف الأخير وما سبقه من شواهد ينطق لغة الغرب وبمنطقه، وقد جاء من رحم فكره وثقافته وتدينه، فهو جزء من المنظومة الغربية ونسيجها، مما لا يقدر عاقل على رد شهادته، أو التشكيك في صدقها ومصداقيتها، فهي وليدة البحث الحر غير الموجّه، لأنها لم تكن تخاطب العرب أو المسلمين أو تخطب ودهم، فقد صدرت عن رعايا دول كانت تشكل امبراطوريات تستعمر ثلاثة أرباع العالم الإسلامي، فهي ليست سوى قناعات مقصود بها أبناء الغرب، كما أنها نابعة من رصيد معرفي، وعلمي، وثقافي، وفكري ثري، من نتاج الحضارة الغربية الحديثة (دكتورعبدالراضي محمد عبدالمحسن الرسول الأعظم في مرآة الغرب، المقدمة، الهيئة العالمية للتعريف بالرسول ونصرته، الرياض 2011م).
السيد إبراهيم أحمد