صِف لنا الفيل؟!
ما أن سمِع ذلك الضرير تلك الجملة حتى مدَّ يده يتحسَّس ذلك الفيل الضخم القابع إلى جواره، فكان أول ما لمسته يده ذيل الفيل فقال بثقةٍ متناهية: الفيل مخلوق أفعواني رفيع يشبه الحبل المرن! مدَّ الأعمى الثاني يده ليصفه هو الآخر فارتطمت يده بقدم الفيل فهب مخالِفًا للضرير الأول وقال: لا.. بل الفيل مخلوق أسطواني راسخ كالعمود الصلب ذو جلد سميك مشعر وهو ده الفيل وليس ما تزعم! صاح كفيف ثالث معترِضًا بينما يمسك بخرطوم الفيل وقال بدهشة: ماذا تقولان؟! الفيل "الفيل كائن أنبوبي مُجوَّف وبه تجاعيد عميقة وهو ده الفيل وليس ما تقولان!
ما أن سمِع ذلك الضرير تلك الجملة حتى مدَّ يده يتحسَّس ذلك الفيل الضخم القابع إلى جواره، فكان أول ما لمسته يده ذيل الفيل فقال بثقةٍ متناهية: الفيل مخلوق أفعواني رفيع يشبه الحبل المرن!
مدَّ الأعمى الثاني يده ليصفه هو الآخر فارتطمت يده بقدم الفيل فهب مخالِفًا للضرير الأول وقال: لا.. بل الفيل مخلوق أسطواني راسخ كالعمود الصلب ذو جلد سميك مشعر وهو ده الفيل وليس ما تزعم!
صاح كفيف ثالث معترِضًا بينما يمسك بخرطوم الفيل وقال بدهشة: ماذا تقولان؟! الفيل "الفيل كائن أنبوبي مُجوَّف وبه تجاعيد عميقة وهو ده الفيل وليس ما تقولان!
- كلا... بل هو مخلوق عاجي مُصمَت ذو ملمسٍ أملس ناعم، وطرف مُدبَّب حاد، وهو ده الفيل وليس ما تفترون.
هكذا صاح رابعهم بثقةٍ منقطعة النظير وهو يتشبث بناب الفيل العاجي...!
تطور الأمر إلى احتداد ومِراء، وربما وصل للشجار والكل مُصِرٌّ على وصفه للفيل وتناسوا جميعًا تلك الحقيقة البسيطة!
حقيقة أن الفيل ليس شيئًا من هذا وأنه في الوقت نفسه - كل هذا..!
ليس عيبًا أن تعجز الحواس أحيانًا عن إدراك الحقيقة كاملة، وربما يكون لهؤلاء العميان عذرهم في ذلك المثال الصيني الشهير - فذلك هو ما بلغته حواسهم وأدركته غرائزهم القاصرة نظرًا لأنهم عميان لم يستطيعوا النظر لذلك المخلوق!
لكن تعيبهم بلا شك تلك الثقة الزائدة وذلك التسرُّع الحاسم الذي تميّز به وصفهم للفيل.
وليس ذنب الفيل أن الأبصار كليلة وأن النظر مفقود؛ لكن الذنب ذنب من تناسى تلك الحقيقة وتعامل كأنه يدرك كل شيء ويحيط عِلمًا بكل شيء وأنه قد وصل إلى عمق الحقيقة لمجرد أنه أمسك بجزء منها فاختزل كل ما تبقى في ذلك الجزء الذي أمسك به..!
وتلك هي مشكلتنا الأزلية.. الاختزال المُتسرِّع! وكما سارع العميان جازمين بوصف الفيل وقائلين بكل ثقة: هو ده الفيل - يسارع البعض أيضًا قائلين بحسمٍ مبهر هي دي مصر..!
قد وقع النظر السوداوي على مُتحرِّش حقير... هيا بسرعة قلها: هي دي مصر...!
آخر وقعت عيناه على فسادٍ أو ظلم فلتخرج الكلمة المعتادة: هي دي مصر...!
واسطة، محسوبية، رشوة، إهمال، جهل، فقر: وهي دي مصر...!
وعلى النقيض ها هي عين المتفائل الرومانسي تقع على عطاء وبذل وخير مُرسل... الله أكبر هي دي مصر طبعًا..
دفء ومودة وتكافل.. أيوه طبعًا هي دي مصر..
جدعنة ورجولة وثورة ومطالبة بالحق... هو ده الكلام وهي دي مصر.. وهكذا...
على حسب النظارة التي ترتديها والجزء الذي قرَّرت أن تمسك به من جسد الفيل.. عذرًا أقصد من جسد مصر ستصفها.. سيراها البعض واحة دافئة تمتلئ بالأصالة.. وسيراها آخرون مستنقع ظلمٍ وفسادٍ وتحرُّشٍ وانحلالٍ وجهل، وسيسأل كالعادة كيف نبت في واديها الطيب كل هذا القدر من الأوغاد..!
وسيرى البعض الشعب المتدين بطبعه ويتغاضى عن شواهد كثيرة؛ قد تقدح في ذلك الطبع المزعوم وسيُصِرّ آخرون أنها أم الدنيا دون أن يسأل نفسه لماذا وكيف صارت للدنيا أُمًّا ومتى قرَّرت الدنيا أن تترك أُمّها في ذيل الأمم.. كل هذا ليس مهمًا..!
المهم أن يرى كل شيء كما يريد أو كما قرَّر أن يراه بما يُوافِق طبيعته النفسية ومزاجه التقييمي..
المشكلة أنه ليس أعمى ولا ضعيف البصر لكنه لا يحب أن يراها إلا هكذا...!
والمشكلة الأخطر أنه يُصِرّ أن الأشياء هكذا ولا بُدَّ أن يراها الجميع هكذا...!
فقط لأنه قرَّر إن هي دي مصر كما قرَّر كل أعمى: أن هو ده الفيل..!
- التصنيف: