مشكلاتنا الاجتماعية في ضوء الكتاب والسنة
عبد الرحمن بن عبدالعزيز السديس
هناك شريحة من المشكلات توجد في المجتمع سببها مثلاً إطلاق اللسان، والغيبة والنميمة والحسد والبغضاء، وما يوجد في الصدور بين المسلمين ولا سيما بين بعض طلبة العلم أو بعض الدعاة وليس هذا بغريب، لكن الغرابة كل الغرابة أن تستمر هذه القضايا بلا علاج، وأن يستمر بعض الناس على هذه الأمور، هذه قضايا اجتماعية نحن بحاجة إلى التركيز عليها.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - قضايا إسلامية معاصرة - وسائل التكنولوجيا الحديثة -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه على دينه، ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعــد:
أيها الإخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله تبارك وتعالى الذي هيء لي هذا اللقاء الطيب المبارك بكم، وإن سعادتي لغامرة بهذه الوجوه الناضرة، التي أتت إلى بيت من بيوت الله لأداء فريضة من فرائض الله، والاستماع إلى حلقة من حلق الذكر والعلم، نتواصى فيها بما يجب علينا في هذه الحياة.
نجتمع في هذه الليلة يُذَّكر بعضنا بعضاً انطلاقاً من قول الحق تبارك وتعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]، نحقق في هذه الليلة بإذن الله وتوفيقه وعونه التعاون على البر والتقوى، انطلاقاً من قوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، وهكذا شأن المسلمين، يحرص بعضهم على أداء حقوق إخوانه المسلمين، ولا سيما طلاب العلم الذين أُخِذَ على عاتقهم البلاغ والبيان وأداء هذه الأمانة أن يبينوا للناس ما نزل إليهم من ربهم، ولا يكتمون الحق الذي يعرفونه من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هم في المجتمع أطباء لعلاج كل مشكلة، وعلاج لكل معضلة، وإذا كان الناس حريصين على طب الأبدان فإن المشكلات التي تتعلق بتقصير المسلمين بأداء ما أوجب الله عليهم لهي أهم من قضايا الأبدان، فإن واجبات الأديان أهم بكثير من واجبات الأبدان.
يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته *** أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح فاستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
أيها الإخوة في الله: ما أحوجنا إلى مثل هذه اللقاءات المباركة التي نتحسس فيها مشكلاتنا التي هي بحاجة إلى علاج، وتركها بلا علاج يجعل الداء يستفحل، ومن ثم يستعصي على العلاج والعياذ بالله! والحداد الماهركما يقولون هو من يطرق الحديد الساخن، والمشكلات قد وصلت ذروتها، ولا سيما القضايا الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية لأسباب سأورد أهمها بإذن الله.
وإذا كانت هذه المشكلات تشغل حيزاً كبيراً من أوقاتهم، وتشغل نصيباً كبيراً من القضايا والمعضلات التي تمر على من يبحث لها عن علاج تمثل نسباً عظيمة وإحصاءات كثيرة؛ فلا يجوز أبداً لأهل العلم والدعوة والإصلاح في المجتمعات أن يغفلوها، لأن كثيراً من القضايا التي نعايشها قضايا اجتماعية بالدرجة الأولى.
كم يزعجني رنين الهاتف فأتناول السماعة فإذا بها مشكلة اجتماعية، وإذا بها قضية أسرية: امرأة تشتكي من زوجها، زوج يشتكي من زوجته، امرأة تنوح على حظها ونصيبها مع زوجها البائس المسكين الذي لا يعرف الله والعياذ بالله! الذي ضل عن الصراط المستقيم فأهمل البيت والأسرة وذهب يبحث عما تسول له نفسه الأمارة بالسوء مع قرناء السوء لا كثرهم الله.
كم هي قضايا الطلاق في المجتمع التي بلغت إحصاءات تنذر بالخطر في مستقبل الأجيال!
كم هي قضايا الزواج التي أثقلت كواهل الشباب من الجنسين، وأصبحوا يكتوون بلظى الشهوة التي تصطلي في أجسامهم وهم يريدون الطريق الحلال لقضائها، وإذا بهم يواجهون بمشكلات اجتماعية وعقبات وضعها الناس من قبل أنفسهم، متى ما استحكمت واستمرت في المجتمع فلا نستغرب أن يذهب أجيالنا وفلذات أكبادنا من هنا وهناك لقضاء هذه الشهوة في الطريق المحرم والعياذ بالله!
إذاً: لا يجوز أبداً أن يسكت عن هذه المشكلات وهي مستشرية في المجتمع استشراء النار في الهشيم إذا تركت بلا علاج؛ فقل: على السعادة الاجتماعية السلام، وقل على الأسر: أنها محل للقلق والاضطراب والتعاسة والشقاء، وقل على أجيال المسلمين وفلذات أكبادهم الذين يعدون لحمل راية الإسلام ورفع لواء الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأنهم لن يجدوا الأسرة التي يأوون إليها لتصلح من حالهم ولتخفف من مشكلاتهم.
أحب أن أقدم في بداية هذا اللقاء بعض القضايا المهمة التي تكون توطئة للدخول في الموضوع:
القضية الأولى: أننا معشر هذه الأمة أمة شرفها الله بهذا الدين، الدين الشامل الكامل قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3]، فدين الإسلام لم يترك مجالاً من المجالات التي فيها نفع العباد في المعاش والمعاد إلا بينه وسلكه وطرقه ودعا الناس إليه، وهذه قضية لا يختلف فيها البتة؛ ولهذا فإن القضايا الاجتماعية لا تتطلب منظرين في علم الاجتماع، ولا إلى رواد علم النفس أن يبحثوها، وإنما تحتاج إلى حملة الشريعة؛ لأن شريعة الله لم تترك مجالاً إلا أوضحته غاية الإيضاح ولله الحمد والمنة! وما مات المصطفى عليه الصلاة والسلام إلا وقد بين الخير كله لهذه الأمة وحذرها من الشر كله، بل ما مات عليه الصلاة والسلام وطائر يقلب جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لأمته منه علماً.
فالقضية في المسلمين أنفسهم وإلا فشريعة الإسلام فيها العلاج الناجع، وفيها الحل الناجح لكل قضية من القضايا وكل بلية من البلايا التي ابتليت بها هذه الأمة.
الأمر الثاني: أن كل مشكلة وكل معضلة في المجتمع فإنما سببها ضعف ولاء الناس لعقيدتهم، وتقصيرهم في أمور دينهم، والله الذي لا إله غيره لو أن الناس وقفوا عند نهج كتاب الله والتزموا سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام في كل قضاياهم لم تجد من يشكو من مشكلة، لكن لما وضع الناس أصراً وأغلالاً على أعناقهم وعلى أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان، ولما التمسوا العلاج من غير شرع الله جل وعلا ابتلوا بقلة النتيجة، وضعف الشفاء؛ لأن الشفاء بيد الله عز وجل، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والشفاء للأبدان والأديان وفي كل قضية من القضايا إنما هو في كتاب الله يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57]، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].
نعم، إن في كتاب الله الشفاء والعلاج والدواء لكل قضية من القضايا، ولقد عجز أساطين البشرية ومفكرو الإنسانية أن يجدوا حلولاً للمستعصي من المشكلات، وهيهات أن يجدوها إلا في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام!.
القضية الثالثة التي ألفت النظر إليها: أن وجود هذه الحياة ووجودنا في هذه الحياة إنما هو ابتلاء وامتحان، فالحياة لا تسلم من مشكلات، ولا يمكن أن تكون الحياة وروداً كلها، ولا يمكن أن تكون المجتمعات والأسر والأفراد والبيوت سليمة من المشكلات، لكن المشكلات على نوعين:
النوع الأول: ابتلاء وامتحان من الله عز وجل، فهذا علاجه وشفاؤه بيد الله عز وجل، وعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب ويتضرع إلى الله عز وجل ليفرج عنه كربته، وإلا فلا تجد أحداً إلا وعنده من المنغصات والابتلاءات والمشكلات ما لا يعلمه إلا الله.
النوع الثاني: مشكلات أحدثها الناس أنفسهم لأنفسهم، فلم تكن لتحدث لو أن الناس التزموا في أمورهم هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإن هذه الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ضمنت الخير للبشرية، ولا يشك أحد من المسلمين بحمد الله في هذه القضية المسلَّمة، بل إننا نجد أنفسنا اليوم أكثر قناعة مع قناعتنا ولله الحمد والمنة حينما أفلست النظريات الغربية والفلسفات الشرقية، وتهاوت أمام عظمة الإسلام وعلوه ورفعة منزلته، كل ذلك يجب أن يزيد المسلمين تمسكاً بعقيدتهم، عندما يرون أن البشرية التي جربت ما جربت من النظريات والفلسفات والقضايا التي تريد أن تحقق لها النفع قد خسرت وفشلت وباءت بالذلة والمهانة والصغار، وها هي تموت في عقر دورها، وها هي تفشل اليوم في أماكن نشوئها وعزها، فهذه أكبر قناعة يقتنع بها المسلمون أن دينهم الإسلام ولله الفضل والمنة قد تكفل بكل علاج، وأنه هو الدين الشامل الكامل الذي لا يمكن أن يتأتى للبشرية خير ولا فلاح ولا سعادة إلا من خلال التمسك به.
هذه توطئة للموضوع الذي سوف ندخل فيه، ونحن في هذه الأمسية -أيها الإخوة في الله- نتذاكر بعض القضايا المهمة التي تؤرقنا في الحقيقة، ولا يجوز لنا أن نسكت عنها أبداً؛ لأن واجب المسلم أن يحس بإحساس إخوانه المسلمين، من الشباب والفتيات والأزواج والزوجات والأسر، ومن العامة والخاصة والصغار والكبار الذين يحسون بهذه القضايا، فليس من حقوق المسلم تجاه أخيه المسلم أن يغفل عن قضاياه، بل يجب عليه أن يعالجها وأن يناصحهم، وأن يحرص كل الحرص على أن يقدم لإخوانه المسلمين العلاج بقالب النصح والمودة، وقالب العمل والتطبيق، فلا يكفي في مجال النصح مجرد الكلمات، ومجرد الخطب والمواعظ والمحاضرات ولكننا نحتاج إلى خطوات عملية.
وبهذه المناسبة أنا أقترح -وسأذكر هذا في ختام هذه الكلمة إن شاء الله- أن نجتاز مرحلة القول اللساني واللفظ إلى التخطيط والعمل البناء المثمر، ويجب أن تتولى مراكز الدعوة والإصلاح في المجتمع علاج هذه القضايا، أما أن تترك هذه القضايا لتأكل الأخضر واليابس، وليصطلي بلظاها ونارها فئام في المجتمع ونحن نتفرج فليس هذا من حقوق الأخوة الإسلامية، وليس ذلك من أداء واجبنا تجاه مجتمعنا الذي ما تحل فيه معضلة إلا ويجب علينا أن نتكاتف لعلاجها.
ثم إن العلاج يقتضي إخلاص النية لله، وسلامة الصدور للمسلمين، وأن يحب المرء لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، كيف ترضى أن يصل شباب إلى سن الثلاثين أو الخامسة والثلاثين وهم يبحثون عن شريكة الحياة وعن الزوجة: السكن والمودة والرحمة وعن الإنجاب والأولاد، وأنت تنعم مع زوجتك وأولادك، أين الأخوة والمحبة في الله؟
كيف ترضى لامرأة أيم أرملة مسكينة طلقت، أو يتمت، أو أصاب أولادها كوارث وحوادث، وأنت تنعم أنت وأولادك وأهلك وأسرتك بعيش رغيد وظل ظليل؟! أين واجب الأخوة الإسلامية؟ لماذا لا يحس المسلمون إحساس إخوانهم المسلمين؟ الجيران بعضهم مع بعض، تجد أناساً عندهم مشكلات ومعضلات أسرية لا يقوى لها عظماء الرجال، وآخرون لا يهتمون بحقوق إخوانهم.
إن من أهم نفع المسلمين وأداء الخير لهم وأكثر من إعطائهم المادة أن تصلح أحوالهم، وأن يسعى المسلم لقضاء حوائج إخوانه المسلمين، ولتعلم أن مساعدتك للشاب الراغب في الزواج، أو مساعدتك لامرأة تعفها وتحصن فرجها وتتقدم إلى خطبتها من أكبر النفع لها، ومساعدتك لإنسان آخر يبحث عن زوجة بأن تدله على زوجة صالحة هذا من أكبر النفع له، هذا الهاجس يكاد يكون مفقوداً بين المسلمين! إما نتيجة الأنانية والأثرة، وإما نتيجة ضعف الإيمان، وإما البعد عن المسئوليات والتملص عن الواجبات، ولا يبالي أحد أن يقول: هذه قضايا شخصية لا أتدخل فيها.
هذه قضايا شرعية في الدرجة الأولى، وإعفافك لأخيك المسلم وإحصانك لفرجه وسيرك معه في هذه القضية من أولها إلى آخرها من أكبر النفع له، أتعلم أنك بذلك تشارك في ميلاد أسرة جديدة تؤمن أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يخرج منها أجيال وأبناء يحملون مشعل الهداية للعالمين؟!
هذه قضيتنا وهذه نظرتنا؛ ولهذا أقترح بهذه المناسبة أن يكون هناك خطوات عملية في كل حي، وفي كل مدرسة، وإذا أمكن في كل دائرة، تحت إشراف رسمي يتابع هذا الأمر في قضية الإصلاح، ويطلق على هذا: (كتائب الإصلاح)، أو (قوافل الإصلاح بين الناس) بالمساعدات المادية المعنوية والدلالة على الخير، ومن دل على الخير فله مثل أجر فاعله لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.
فينبغي علينا -أيها الإخوة- ألا نهمل هذا الخير، ولنعلم أن هذا من النفع المتعدي، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر؛ فكونك تصلي أو تقرأ القرآن أو تذكر الله بنفسك هذا خير؛ ولكن قيامك بهذه الأعمال التي فيها نفع للمسلمين أفضل منها.
أيها الإخوة الأحباب في الله: لا يزال الناس بخير ما تحسسوا مشكلاتهم، وما تابعوها ووصفوا العلاج، وسعوا جادين للسعي في الخطوات العملية في القضاء على هذه المشكلات.
وقبل أن أبدأ في عرض عدد من المشكلات الت? نعاني منها سأبدأ بذكر أسباب هذه المشكلات، مع يقيني أنني لا أستطيع حصرها لأنها كثيرة جداً، وقد قلبت في فكري وخاطري عدداً من المشكلات التي تمر بالمجتمع، والتي يعاني منها فئام سواء من فئات الشباب أو من فئات النساء أو القضايا الزوجية، أو العلاقات الأسرية، أو القضايا الاجتماعية العامة، فوجدتها تزيد على ثلاثين مشكلة، وهذا ليس بالأمر الهين لأن وجود مشكلة واحدة من هذه المشكلات إنما هي معول يهدم ويخرق في سفينة المجتمع، فتركه والتساهل فيه وغض الطرف عنه يجعل سفينة المجتمع تغرق لا قدر الله! وهذا يجعل من دعاة الإصلاح وربان هذه السفينة أن يسعوا لوأد الشر في مهده وعلاجه حتى لا يستشري.
نحن أمة شرفها الله بهذا الدين، فيجب أن تكون منطلقاتنا في كل قضايانا العقدية والفكرية والاجتماعية من منطلق عقدي شرعي، أما أن نجعل من الشريعة في قضايا الشعائر فقط والعبادات، ولكن في القضايا الاجتماعية لا نسأل عن الحكم الشرعي في ذلك فهذا من التقصير.
تجد بعض الناس صالحاً في نفسه، محافظاً على الصلوات، وعنده خير، لكنه في القضايا الاجتماعية أو حينما يكون عنده قضية من قضايا الزواج -على سبيل المثال- تجده لا يأنف أن يخالف الشريعة في عدد من القضايا التي تعمل ليلة الزواج، أين الإسلام؟! هل جعلنا الإسلام في المساجد وأغفلناه عن قضايانا الأسرية والاجتماعية؟!
إن هذه من اللوثات وموجات التغريب والعلمنة التي وجدت في العالم الإسلامي نتيجة جهل الناس بدينهم، صرفت كثيراً من الناس عن تحقيق الإسلام الحق كما يريده الله، الإسلام الذي يتمثل في المسجد وفي البيت، ويتمثل في ليلة الزواج وفي الأسرة والوظيفة والأخلاق والسلوك، وفي الأعمال العامة يراقب الله العبد في كل أمر من أموره، هكذا يجب أن يكون المسلمون، وهكذا يجب أن يكون كل مسلم، لا يجعل هناك انفصام بين قضايا الشريعة وقضايا الحياة، فكلها قضايا يجب أن تصطبغ بصبغة الشرع قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
إن كل مشكلة من المشكلات إنما تجد في الأمة نتيجة تقصيرهم في عقيدتهم.
وهناك رباط وثيق بين القضايا الاجتماعية والقضايا العقدية، ونحن أمة لا نفصل بين هذه القضايا، عقيدتنا مراقبة الله عز وجل ووحدانيته، والتزام أمره ومراقبته، كما نخافه في الشهادة نخافه في الغيب، ونتقيه جل وعلا في السِّر والعلانية، لا نعصي الله عز وجل في قضايانا الأسرية والبيتية، لا أقول: المسجد للعبادة والبيت أفعل فيه ما أشاء، كما يحلوا لبعض الناس أن يقول أو يفعل، ولهذا فارتباطنا -نحن المسلمون أمة العقيدة الصحيحة- يجب أن يكون ارتباطاً عقدياً في كل القضايا الاجتماعية، أسأل وأبحث هل هذا الأمر يتنافى مع عقيدتي وشريعتي، أم أن الشريعة الإسلامية أباحت لي ذلك؟
وقضايانا الاجتماعية لم تكن لتحدث إلا لما فرطنا في القضايا العقدية، والقضايا العقدية هي القضايا المهمة التي لو صلحت في المجتمع صلحت القضايا الاجتماعية من باب أولى؛ لأن قضية قبول حكم الله عز وجل في كل أمر من الأمور قضية ينبغي أن يعيها المسلمون ولا يفرطوا فيها.
من الأسباب التي تجعل المشكلات الاجتماعية تتفشى في المجتمع: ضعف العلم الشرعي.
فلو وجد العلم الشرعي: العلم بكتاب الله، والعلم بسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في كل قضية من القضايا وعمل الناس بذلك ما وجدت مشكلة، أعني: لو عرف الناس أمور دينهم وأمور شريعتهم في قضايا العبادات والعقائد والأخلاق والسلوك، والقضايا الاجتماعية، أو ما يسمى بالشخصية وغيرها وتحلوا جميعاً بالعلم؛ لهان شيء كبير من المشكلات التي نعاني منها، ولكن قضية الجهل وتقصير العلماء وطلاب العلم في هذا المجال وعرض هذه القضايا وتنبيه الناس إليها جعل هذا الأمر يتفاقم.
من أسباب وجود هذه المشكلات: استحكام ما يسمى بالعادات والأعراف والتقاليد المخالفة للإسلام.
نحن أمة لا نأخذ ديننا إلا من كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن كان في شريعتنا ما يعرف بالعرف فإن العرف له ضوابط وشروط، فلا يؤخذ بالعرف إذا خالف الشرع بإجماع العلماء، فإذا كانت الأعراف والعادات والتقاليد حسنة لا تتنافى مع الإسلام فهي على العين والرأس، أما إذا كانت تخالف الإسلام فهي مرفوضة، ويجب أن يضرب بها الناس عرض الحائط.
إن مصدر التلقي عند المسلم كتاب ربه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، لا يقول: أنا سأنظر إلى قبيلتي وعشيرتي، ماذا يقولون؟ هل نجعل الزواج مختصراً أم نجعله كبيراً، نجمع فيه الناس جميعاً ونذبح فيه ما يزيد على العشرات من الأغنام، ويكون في أحسن قصر من القصور، ويكون أيضاً من عادة قبيلتي وعشيرتي أو ما اعتدنا عليه أن يكون المهر مائة ألف أو مائة وخمسين أو مائتين أو أقل أو أكثر؟
يجب أن ينظر الناس في ذلك إلى شريعة الله، وإلى شريعة محمد بن عبد الله، أولسنا مؤمنين؟! لو قلت لإنسان ذلك لخشيت أن يضربك وأن ينالك منه إهانة وسباً وتقريعاً، لكن أين الإيمان؟ أين الأدلة العملية على تحقيق الإيمان؟ أولست مؤمناً؟
إذاً: فالإيمان يأمرك باتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومن هديهعليه الصلاة والسلام-: التيسير في أمور الزواج وعدم المغالاة فيها.
ولهذا أُلفت النظر إلى قضية خطيرة يقع فيها كثير من ال?اس، وهي: كره شيء مما أنزل الله أو شيء مما جاء به الإسلام على حساب ما يعرف بالعادة والقبيلة والعرف والتقليد الذي نحن سائرون عليه، أن يكره شيئاً من الشريعة، أو أن يبغض شيئاً مما جاء به الإسلام بحجة الأعراف والعادات والتقاليد، وذلك صنم قد يعبد من دون الله عند بعض الناس والعياذ بالله! تضرب أوامر الشرع ظهرياً وتترك كأنهم ليسوا بمسلمين! وهؤلاء يخشى أن يحل فيهم قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9]، ومن أبغض شيئاً مما جاء به الإسلام أو كرهه أو كره من عمل به بسبب أنه متبع فيه هدي الإسلام؛ فذلك نوع من أنواع الردة عن الدين والعياذ بالله! شعر الإنسان أو لم يشعر، وما أكثر الذين يقعون في هذا وهم لا يعلمون!
أيها المسلمون: نحن أمة نتلقى ديننا وأمورنا من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ويعجبني كثير من الناس عندما يسأل عن هدي الإسلام في مثل هذه القضايا، ولا سيما من الشباب المتطلع المتمسك بالعقيدة والمعتز بإسلامه، لكنه يواجه بمشكلات وعقبات كآراء من أناس لم تترسخ العقيدة الإيمانية في قلوبهم وانتسبوا إلى الإسلام اسماً، لكن انظر إليه في مجالات التطبيق العملي في البيوت والأسر، وفي مثل هذه القضايا الاجتماعية فتجد بوناً شاسعاً بينهم وبين ما يجب أن يكونوا عليه!
من أسباب وجود المشكلات في المجتمعات الإسلامية: تقصير أرباب الإصلاح والدعوة في عرض هذه القضايا، حيث إن هذه القضايا تلامس شريحة كبيرة من المجتمع، فئات لا تحصى يعانون من قضايا اجتماعية، لماذا لا تولى هذه القضايا حلولاً وعلاجاً؟
ولا نريد علاجاً بالخطب الرنانة، والكلمات الطنانة فقط فهذه لا تكفي في العلاج، وإنما نريد أهل الإيمان الذين يؤثرون دينهم على أهواء نفوسهم، يؤثرون ما جاء به الشرع على ما تراه النفوس الأمارة بالسوء، لماذا يا أخي بيتك مليء بالبنات ولا تدعو لهن من هؤلاء الشباب الصالح من يتزوجهن؟
يقول: "أخشى أن يقول الناس عني كذا، أو أن يتهموا بناتي وأخواتي بكذا". يا سبحان الله! أأنتم أعلم أم الله؟
أنحن أفضل أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! أنحن أهدى أم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام؟!
ألم يعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفصة ابنته على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله على أبي بكر رضي الله عنه؟ ألم يعرض سعيد بن المسيب عليه رحمة الله ابنته، بل يزوج ابنته من تلميذه أبي وداعة؟
هؤلاء أناس آثروا ما عند الله ولو سخط الناس كلهم، وإذا خالف الناس أمر الله أو إذا ألزموني بأمر يخالف شرع الله؛ فيضرب كلامهم بعرض الحائط ما دمت على بينة من أمري وعلى صراط مستقيم، وعلى حق ودليل وحجة فلا يبالي المسلم برضا الناس أو بسخطهم.
هذه قضايا يجب أن نتواصى بها؛ ولهذا ليس بغريب أن يقوم أحد من الحاضرين ويعلن أن عنده بنات ويبحث عن الأزواج الصالحين، أو أن يقوم أحد الصالحين من الأبناء الذين أضناهم البحث عن المرأة الطيبة في دينها وعقيدتها وأخلاقها فيسأل أحداً من الحاضرين -أو غيرهما- بنته زوجة له، ولتسقط كل المخالفات الشرعية التي أثقلت كواهلنا، وأضنت شبابنا وشاباتنا، وأرهقت مجتمعنا بأمور ما أنزل الله بها من سلطان.
ولهذا ينبغي على الإخوة الطيبين الصالحين من الرجال والنساء -ولا غضاضة في ذلك- أن يعرض المرء نفسه على أخيه في الله ليخطب ابنته مثلاً أو موليته أو قريبته، أو يعرض عليه ليساعده في البحث عن زوجة صالحة، ولا مانع أن يوجد من الرجال من يخطب من هؤلاء الشبيبة لابنته أو قريبته، وليست القضية -أيها المسلمون- مادية، فنحن لا ننظر إلى القضايا الاجتماعية على أنها قضايا مادية، فما أفلسنا والله إلا حينما نظرنا إلى القضايا الاجتماعية على أنها قضايا نبحث من ورائها مادة وشهرة وجاهاً ورفعة وكلاماً بين الناس.
إن بناتك اللاتي أنعم الله بهن عليك بل ابتلاك بهن من أعظم إحسانك إليهن البحث عن الشريك الصالح والزوج الطيب، ولن يعدموا ولله الحمد والمنة بل هم كثر، وما أكثر الشباب الذي يبحثون عن الزوجات! بل وأقولها بكل صراحة: ما أكثر ما نعاني من بنات وفتيات يبحثن عن الأزواج، لكن من يكون وسيطاً في الإصلاح؟!
ومن يحتسب لأجل الإصلاح بين الناس، ولأجل الشفاعة الحسنة، والتعريف بين المجتمعات؛ علَّ الله أن يثيبه على ذلك؟!
هذا أمر ينبغي أن نتجرد له جميعاً، ولهذا ينبغي أن يوجد في كل حي ومكان وفي كل مسجد عن طريق الإمام أو غيره أناس ينذرون أنفسهم لهذه القضايا، فقد ترى أناساً نذروا أنفسهم لطلب العلم أو للدعوة وتجدهم يجوبون البلاد ويخرجون للدعوة والإصلاح لكن قد يهملون أقرب قريب، وقد يتركون أناساً هم بحاجة إلى الإصلاح، وقد يكون مجتمعهم بحاجة إلى أن يصلحوا فيه، فيقصرون في ذلك، فلماذا لا تسد هذه الثغرة في المجتمع؟!
أيضاً من أهم الأسباب التي نريد التنبيه عليها حتى لا تكون مدخلاً لعرض القضايا والعلاج: الهجمات الشرسة، واسمحوا لي أن أقول بكل مرارة: الغزو الفكري والأخلاقي المركز على المجتمعات الإسلامية، الذي يريد أن يقلب المجتمعات الإسلامية من مجتمعات آمنة إلى مجتمعات قلقة ومضطربة بنشر المعاصي والفتن وبإثارة هذه المشكلات في المجتمع.
نعم.. جُنِدَت أسباب ووسائل كثيرة في مجتمعات المسلمين لإثارة مشكلات اجتماعية لها آثارها على المجتمعات الإسلامية، ونحن نقول: إن كل ما يخدش الفضيلة ويخالف الأخلاق بأي طريقة من الطرق أو وسيلة من الوسائل التي تريد جر المجتمعات الإسلامية من مجتمعات الفضيلة إلى مجتمعات رذيلة تعكر أسباب الزواج، لكنها في المقابل تفتح أبواب قضاء الشهوة المحرمة على مصارعها، وتضرب على وتر الجنس والشهوة التي تتأجج في نفوس الشباب والمراهقين من الجنسين بأفلام رخيصة، ومجلات داعرة، وصور عارية، وغناء ماجن خليع يقسي القلوب، ويزين الفواحش، ويبعد الناس عن صراط الله المستقيم، ويجعل الشباب ضحايا الصراع الجنسي، مع الأسف ونقولها بصراحة: أن يبتعد كثير من أبنائنا، وتوضع العقبات في طريقهم إلى الفضيلة وتسهل لهم كثير من القضايا المحرمة فهذه بحد ذاتها مشكلات يجب أن تعالج.
نعم.. لما وضعت العقبات في سبيل الزواج -على سبيل المثال- ووجد من يذكي الشهوة والغريزة في نفوس شبابنا وأبنائنا وبناتنا، مع إهمال القوامة والتربية الأسرية على شريعة الله وترك الحبل على الغارب للشباب المراهقين من الجنسين أن يفعلوا ما يشاءون، وينظروا ما يشاءون، ويسمعوا ما يشاءون، ماذا حصل؟ لقد سبب ذلك في وجود ضحايا نراهم في جلسات على الأرصفة، وفي سهرات محرمة مع قرناء السوء، بعيدين عن الذكر والتلاوة والطاعة وحلاوة الإيمان، وضحايا الوقوع في حبائل الشيطان وتسويله وتزيينه.
فأقول: نحن اليوم في عصر الإعلام، ويجب أن تستغل الوسائل الإعلامية في بلاد المسلمين لعلاج القضايا الاجتماعية والمشكلات الأسرية، ويجب أن تركز على التربية وعلى تقويم الناس على نهج الله عز وجل، وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وتقوم بأداء ما ائتمنت عليه بأن تكون قنوات إصلاح وتوجيه وتربية لأجيال المسلمين وأسرهم.
من الأسباب أيضاً: إهمال التربية من قبل الآباء للبيوتوهذه مشكلةفينشغل الآباء بدنياهم وتجاراتهم مع جلسائهم، ويهملون الزوجة والأولاد.. أين القوامة وأين التربية؟ إننا نريد من بيوتات المسلمين بيوتاً أن يعمها الذكر، وأن تكون خلايا نحل من التلاوة والطاعة، وسليمة من المحرمات والمنكرات، وقنوات توجيه وإصلاح يخرج منها أجيال يعيدون مجد الفاتحين والعظماء والجهابذة والعلماء، يعيدون أمجاد سلفنا الصالح ورعيلنا الفاتح المجاهدين في سبيل الله، أما أن يخرج أبناؤنا صرعى مسكرات ومخدرات وملهيات وفواحش ومغريات والعياذ بالله! فهذه والله من عدم القيام بالأمانة، وعدم الخوف من الله، والتفريط في ما اؤتمنا عليه: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأسرة يجب أن تقوم بدورها، ولما أُهملت الأسرة التي هي نواة المجتمع حصلت المشكلات في المجتمعات الإسلامية عموماً.
كذلك من الأسباب: ضعف التعليم، وعدم إشباع نهم الأبناء والأولاد فيما يفيدهم في أمور دينهم وعقيدتهم، وأصبح بعض الناس يرى من الفخر أن يجيد أبناؤه العلوم المادية والعلوم الوافدة، وبعضهم لا يشجع أبناءه على العلوم الشرعية وهذه مشكلة، فإذا كان ابنك قليل البضاعة في علوم الشريعة فكيف تريده أن يكون سعيداً في مجتمعه؟! فليست السعادة في المال ولا الثراء ولا الشهادة ولا المنصب، وإنما السعادة -والله- سعادة الإيمان، سعادة الصلاة.
كم جرب أرباب الأموال والثراء؟! وكم جرب أصحاب الشهرة والمناصب؟! وكم جرب أهل الفن واللعب؟! كم جربوا هذه الأمور لكنها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، ولم يجدوا اللذة إلا بالإيمان، ولا السعادة إلا بطاعة الرحمن، ولما كانت حياتهم بين لهو وغناء، ومجون وخلاعة، وسهرات وفواحش؛ قست قلوبهم، وعمهم القلق والأرق والمشكلات، وهذه القضايا لم تجعل المجتمعات -التي جربت هذه الأمور سنين طويلة- سعيدة يوماً ما، فالدول المتقدمة صناعياً ومادياً هي من أكبر البلاد وأكثرها عدداً في الجرائم والانتحار ومشكلات لا أول لها ولا آخر، وما ذلك إلا تحقيقاً لقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
أيضاً من الأسباب: موجات التغريب في المجتمعات الإسلامية التي لعبت دوراً كبيراً في التأثير على أبناء المسلمين وعلى فتياتهم وأسرهم؛ فوجدت مثل هذه القضايا، الحاصل: أن هذه وغيرها أسباب لكل ما يرد من مشكلات، ولكن لا نيأس من كثرة المشكلات فمجتمعنا -ولله الحمد والمنة- إذا قورن بغيره فمشكلاته قليلة؛ لأنه مجتمع بعامته -ولله الفضل والمنة- يدين بهذا الدين، والتقصير الذي يوجد عند بعض أبناء المسلمين هو الذي كان سبباً وراء استشراء هذه المشكلات.
ما هي المشكلات الاجتماعية التي نعانيها ويعاني منها المجتمع؟
هناك عدد من المشكلات، والحقيقة أنا أكتفي بذكر بعضها، وأعتذر أني لست منظراً في القضايا الاجتماعية طرحاً وعلاجاً وإبداءً وإعادةً، لكن هي كلمة علم الله ما أردت إلا أن أذكر بها وأهمس بها أن هذه المشكلات مشكلات كل مسلم ولا يجوز له أن يتركها أبداً، ويجب عليه أن ينزل إلى ميدان الناس، كفانا كلاماً، وكفانا نقداً وتجريحاً للعلماء، وكفانا وقوعاً في الولاة.
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم *** من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
أين الذين يتجردون ويغارون على محارم المسلمين ومجتمعاتهم، ويحسون أن قضايا المجتمع قضاياهم؟! يجب أن يظهروا فيها، ألا من متجرد لله جاعلاً من نفسه مصلحاً اجتماعياً لكثير من القضايا؟! يكون على مستوى بيته وجيرانه وحيَّه الذي يعيش فيه، وعلى مستوى بيته ومسجده الذي يصلي فيه.
إن السلبية التي نعاني منها وهي إلقاء اللوم على الآخرين، إلى متى نستمر بعرضها؟! هل أجدت؟!
ما أجدت والله الجلسات الصباحية والمسائية التي يقوم بها بعض الناس ويعقدونها نقداً للمجتمع، إلى متى هذا؟ أين دوركم؟ أين نزولكم وإصلاحكم؟ كفى النازلين إلى الميدان رفعة ومكانة إن كان الناس يتكلمون فيهم، كفاهم والله فضيلة لأنهم آثروا العمل على التجريح والنقد اللاذع.
أيها المسلمون: إن صفاء القلب، وإخلاص النوايا، والتعاون من أكبر العوامل لإصلاح المشكلات، وإن الإيجابية في الطرح والواقعية في الأسلوب هذه قضايا نحتاجها، فلسنا بحاجة إلى أن ينزل بعض الناس بحجة الإصلاح فيوقعوا الناس في مشكلات جديدة، إننا بحاجة أن يتعاون الجميع ويتواصوا بوضع الخطط وعرض كثير من القضايا الاجتماعية وإصلاحها عن طريق العلماء والمصلحين ومراكز الدعوة، ما ذنب هؤلاء الهائمين العابثين اللاعبين على البحرمثلاًأو على الأرصفة؟! هؤلاء مسئوليتنا نحن، إلى متى نظل نجلس في المساجد ونتحدث؟! أين النزول إلى الميدان وإصلاح الناس؟!
وما معنا من دعوة وإصلاح يجب أن نعرضه للمجتمع، ونحن بين اثنين: إما من يغرق في السلبية حتى الثمالة ولا يهمه أمر هذا الدين، ويكتفي بمجرد النقد والتخطئة، وإما من ينزل بعاطفة وحماسة واندفاع ويريد الإصلاح بين عشية وضحاها.. لا، بل نريد طول النفس في الإصلاح، وبعد النظر في علاج المشكلات، نحن أمة تخوض الدعوة في دمائها إلى أن يتوفاها الله، إذا انتهت قضية فتتبعها قضية أخرى.
يا أيها المسلمون ويا أيها الشباب: وصيتي أن نبدأ أولاً بعلاج النفوس، أو ما يسمى بالمشكلات النفسية التي نعاني منها، فعدم تربيتنا أنفسنا هو الذي جعل مشكلات الأفراد تتعدى إلى أن تكون مشكلات مجتمعات، ولو أصلح كلٌ نفسه وقومها على ما يجب ما وجدت مشكلة، لكن قصرنا في تربية أنفسنا على ما شرع الله، كثير منا صرعى الشهوات! إلى متى؟ أما حان وقت التوبة؟ أما آن لنا أن نعود إلى الله؟ أنظن أن هذه الحياة دار قرار؟! ألا نعتبر بكثرة من ينتقلون عنها إلى الدار الآخرة؟! ألا نعتبر بكثرة من تصيبهم الخاتمة السيئة -والعياذ بالله- وهم على أمور تخالف شرع الله؟!
أيسرك أن تلقى الله تاركاً للصلوات؟ أو أن تلقى الله بعيداً عن المساجد؟ أو أن تلقى الله واقعاً في الغناء، واللهو، ومع قرنا السوء، ومع أهل المسكرات والمخدرات؟! أم تريد أن يتوفاك الله وأنت من أرباب المساجد، ومن أهل الإصلاح والتوبة والإنابة والذكر وطلب العلم والتلاوة؟! كلنا والله يريد ذلك، فإلى متى التسويف والتحصيل؟
فأول لبنة في علاج المشكلات الاجتماعية: علاج النفوس وأطرها على شرع الله عز وجل، وتحليها بالعلم والعمل الصالح، وسلامة الصدور لأهل الإسلام، ومعرفة مكانة أهل العلم والاستفادة منهم، والكف عن الوقوع في أعراض المسلمين لا سيما من ينزلون إلى أرض الميدان للدعوة والإصلاح.
كذلك من القضايا التي ينبغي أن نهتم بها أن يتخذ الإنسان لنفسه رفقة صالحة -وهم كثر ولله الحمد والمنة- يعرضوا هذه الدعوة ويتخطوا بها أماكن الصالحين إلى غيرها من أماكن اللهو والفساد، والحمد لله أن المساجد تعمها مجالس الذكر والعلم، لكن ما ذنب هؤلاء المغافلين؟ مسئولية مَنْ؟
إنها مسئوليتنا والله، لماذا لا نضع من أنفسنا دعاة إصلاح؟ لماذا لا نترك التواني والكسل والنقد من بعد وننزل إلى ميدان الدعوة والإصلاح والتوجيه بالحسنى؟! أسلوب الدعوة -أيها الإخوة- ليس حملاً للعصي، ولا رفعاً للأصوات، ولا ضجيجاً وجلبة وإحداثاً للمشكلات، وإنما عرضها بأسلوب محكم هادئ حكيم عاقل بعيد عن التشنج، أقول ذلك والله من باب التناصح والمحبة وغيرة على دعوتنا، لأننا نريد أن نعرضها للناس بقالب مشوق، وكما أن ذلك أدعى للنتيجة فإنه أسلوب القرآن والسنة، وانظروا إلى دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
والمشكلات التي نعاني منها -أيها الإخوة- هي إما مشكلات يعاني منها الشباب، أو مشكلات يعاني منها النساء، أو مشكلات تعاني منها الأسر ولا سيما من الزوجين والأولاد، ومشكلات عامة أخرى، وأنا سأعرض أمثلة ونماذج لبعض هذه المشكلات.
مشكلات الشباب التي نعاني منها كثيرة يجمعها المشكلات الجنسية، أو ما يتعلق بقضايا الزواج، أو بقضايا التربية لأنها هي الأساس في الحقيقة، وبعض الشباب وقع في كثير من المشاكل وأهمل مع الأسف، وكان هناك نشاط جاد من قنوات مضادة لإبعاد الشباب عن المنهج السوي فوقع فريسة في المشكلات؛ ولهذا كأس وغانية، أو أغنية ماجنة، أو مجلة رخيصة، أو فيلم، قد يهدم دين الإنسان والعياذ بالله! ويقضي على حيائه وعفته وعرضه، ولهذا شاء أعداؤنا أن يوقعوا كثيراً من شبابنا بمثل هذه القضايا التافهة، وأصبح شبابنا الذين نريدهم أحفاد أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، وخالد وسعد، ومصعب وصلاح الدين إلى غيرهم من الفاتحين العظماء والقادة أصبحوا لا همَّ لهم هذه القضايا التافهة.
أهؤلاء الشباب الذين يعدون لحمل راية الإسلام وعلاج قضايا الأمة؟!
إذاً: يجب على هؤلاء أن يعودوا إلى الله، ويجب على أسرهم مناصحتهم وتربيتهم التربية الصحيحة، ويجب علينا نحن الدعاة أن نعرض الدعوة عليهم من جديد لأنهم لا زالوا في سبات الغفلة، وتحت تأثر الشهوة، نريد تغيير هذا البديل إلى بديل صالح من قرناء الصلاح وجلساء الخير.
أكثر ما يواجهني من المشكلات التي نعاني منها: رغبة شبابنا في الزواج، هذا أمر، وأمر آخر عزوف بعضهم عن الزواج، وقد يكون هذا لأسباب خاصة بهم، أو لأسباب تعود إلى مجتمعهم الذي يعيشون فيه، على كل حال أنا في صف الشباب جملة وتفصيلاً، لكني لا أحملهم إلا في حدود ما يقومون به، أما أن يكون هناك اعتذارات أو اختلاق بعض العقبات والعوارض عن الزواج فهذه أمور ليست بصحيحة، ما أكثر الأسر التي تريد الأزواج الصالحين، وإذا عرضت على بعض شبابنا أن يتزوج تجد بعض الأعذار الواهية في الحقيقة.
ويؤسفنا كل الأسف أننا معشر أهل السنة من أشد الناس تقصيراً في معرفة أهمية الزواج بالنسبة إلينا، نحن أمة أنعم الله علينا بهذه العقيدة فننظر إلى الزواج لا على أنه متعة أو أنه شهوة بهيمية فحسب، لا والله، وإنما نريد في اليوم الذي نسمع فيه زواجاً أن توجد أسرة على منهاج سليم، وعلى عقيدة صحيحة تدعو إلى الله، ويكون من أبنائها من يحمل شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويدعو إلى الإسلام.. هذا الذي نريد.
ولهذا المخالفون ممن تحركهم أفكار ومبادئ واعتقادات مخالفة للحق ركزوا على هذا الجانب، فأقبلوا على الزواج، بل أقبلوا على التعدد ولا يمكن أن تجد شاباً في سن الخامسة عشرة ولم يتزوج، لكن تجد من أبناء المسلمين الذين نريدهم أن يبادروا بتكوين الأسر الإسلامية لم يفكر بعد في موضوع الزواج، يعيش على هامش الحياة..!
أنت عضو ولبنة في مجتمعك يجب أن تسعى لهذا القضية، ولهذه أنا أطالب الشباب ألا يبيتوا هذه الليلة إلا وقد فكروا في موضوع الزواج جدياً، وإذا فكر أعانه الله، وإذا اجتهد وفقه الله، وإذا علم الله حسن نيته يسر له أسباب الزواج، لكن أن يعيش إلى الثلاثين وأكثر من ذلك ويقول: "سأتم الدراسة وأؤمن المستقبل وأبني البيت، سأبحث عن شريكة الحياة التي صفاتها كذا وكذا وكذا"، وقد تكون ليست موجودة في المجتمعات أبداً.. سبحان الله! أين الواقعية في النظرة؟ وكثير من الناس ابتلوا بهذه النظرات التي هي في الحقيقة من الشيطان؛ لأن الشيطان حريص على أن يبعد الناس عن الزواج، وحريص على أن يكتوي الشباب بلظى هذه الشهوة علهم يزلون ويضلون ليكونوا معه في الجحيم والعياذ بالله!
فهذا أمر ينبغي أن يتنبه له شبابنا، لا بد أن توجد القناعة التامة بأهمية الزواج لدى أبنائنا.. هذه القضية يجب أن نحرص عليها، وأنا أطالب الشباب بها، كما أطالب -أيضاً- أولياء أمور الفتيات أن يتقوا الله فيهن وأن يبادروا إلى إعفافهن، والله إن حاجة الشباب للزواج -بالذات إذا كان قد وصل إلى مرحلة تشتد فيها حاجته إلى الزواج- لهي أشد من حاجته إلى الطعام والشراب؛ لأن هذه الشهوة التي ركبها الله في الإنسان من الضروري أن يخرجها، ولا بد لها من منفذ، فإما أن تنفذ عن طريق الحلال، وإما أن تنفذ عن طريق الحرام إلا من رحم الله.
فنحن ما دمنا الآن في مشكلات تذكي هذه الشهوات وتزين لشبابنا ضعف الولاء لعقيدته ودينه وضعف إيمانه وصلاحه، وكثرت أسباب المغريات، فانظر كيف تفعل أجهزة الفيديو، وبعض الوسائل الإعلامية في إذكاء هذه الغريزة!
وشبابنا لم يفكر بعد في موضوع الزواج، ويلجأ إلى ما يسمى بالعادة السرية، ونقولها بكل صراحة ولا حياء في الدين وهي قضية ومشكلة ومعضلة اجتماعية لما وقع فيها شبابنا، أصبح شباباً لم يعد لحمل الرسالة التي وجد من أجلها وخلق لتحقيقها، شباب لا يهتم إلا بإذكاء هذه الغريزة من خلال هذه الطريقة، وقد يكون حريصاً على الزواج لكنه يواجه بما يعرف بغلاء المهور.
قضية غلاء المهور هي قضية أخرى وهي قضية طويلة الجذور، لكنها في الحقيقة سهلة العلاج، ما الدافع إلى هذا؟ أولسنا مطالبين باتباع الهدي النبوي في ذلك؟ أولسنا مطالبين باتباع السنة في المهور كما نطالب باتباع السنة في صلاتنا وزكاتنا وحجنا وصيامنا؟! ألا نطالب باتباع السنة في أمور زواجنا؟ مهر الرسول عليه الصلاة والسلام لزوجاته أمهات المؤمنين ومهر بناته، ومهر الصحابيات رضي الله عنهن لم يتعد اثني عشرة أوقية، والاثنتي عشرة أوقية تكون في حسابنا اليوم مائة وأربعين ريالاً فقط، -هذا بحسابنا نحن- هذا هو المهر الشرعي الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده رضي الله عنهم.
أيها الإخوة: الموضوع ذو شجون، والحق أننا لا زلنا في الساحل ولم نلج بعد لجج هذا الموضوع المهم، ونظراً لهذا التشعب الذي اقتضاه الموضوع تحت رغبة الإخوة جزاهم الله خيراً أن يكمل إن شاء الله في الأسبوع القادم في مثل هذا الموعد بإذن الله جل وعلا، لكنني أشترط شرطين:
أولاً: الذي أريده ومن هذا الأسبوع إلى الأسبوع القادم بإذن الله أن مدير مركز الدعوة الشيخ علي، والشيخ فهد إمام هذا المسجد جزاهم الله خيراً يكونان بمثابة مرجع لكل من أراد السير في خطوات عملية في علاج هذه المشكلات، بمعنى: أنه ينبغي على كل شاب راغب في الزواج أن يتقدم ويعرض رغبته وطلبه.
ثانياً: أطالب الآباء الحاضرين وكل من عنده بنات أو قريبات أن يأتي إلى الشيخين -ولا غضاضة في ذلك- ويعرض عليه حاجته إلى التماس بعض أهل الخير وبعض الشباب الصالح للزواج من هؤلاء البنات، وكل فتاة ترغب الزواج ينبغي أن تتصل بهؤلاء المشايخ لعرض قضيتها؛ لأنها أمام أمرين: إما الزواج أو الفساد، وهل نرضى نحن بالفساد؟ لا يجوز أبداً، لا نرضى بهذا والله.
فأيها الإخوة: ينبغي أن نبادر بخطوات عملية.
وأيضاً من الخطوات العملية: أن يكون في كل حي وفي كل مسجد وفي كل مكان من يكون محتسباً في قضايا الإصلاح للمشكلات الاجتماعية، وأن يكون مرجعاً في هذا، إما إمام المسجد أو أحد الدعاة والعلماء المعروفين، وعليه أن يقوم بزيارة الجيران وتفقدهم.
حقيقة نحن نعاني من جفاء وانشغال عن مشاكل الناس، حتى بعض المنتسبين للهداية والإصلاح والدعوة ينبغي أن يعيدوا النظر في قضايا دعوتهم وإصلاحهم، فإن الدعوة لا تكون في أبراج عالية، أو بمجرد وسائل محدودة وضيقة، إنما الدعوة بالنزول إلى الميدان، وعرض كل طريق فيه إصلاح للناس وأخذهم من طريق الشر إلى طريق الخير، فكتائب الإصلاح وقوافل الدعوة ينبغي أن تكون في كل حي تنشر الشريط الإسلامي والرسالة الإسلامية والكتاب الإسلامي.
ولا بد من إيجاد يوجد البديل الصالح لقرناء السوء الذين يكثرون في المجتمعات، فإذا أراد الإنسان أن يبحث عن طريق الهداية فإنه قد يجد أمامه عقبات كثيرة، فإذا وجد أن في كل حي ومكان من الأمكنة، وفي كل مسجد من المساجد جماعة وشباب من أهل الخير والإصلاح، ومن أهل الهداية والاستقامة وطلب العلم والقيام بواجب الدعوة إلى الله فسوف يلتف حولهم، وأتمنى ألا آتي في الأسبوع القادم إلا وقد خطوتم في هذا خطواتٍ جيدة فأنا مستعد أن آتي إليكم، أما أن آتي لأجل أن أتحدث فقط ثم نخرج وليس هناك عمل فلا فائدة إذاً.
وهنا قضية أخرى وهي: أن قضايانا يجب أن نسير فيها على ضوء شريعة الله، ونحن لسنا إلا أهل دعوة وإصلاح، ولا مقصد لنا إلا هذا، فمقصدنايعلم اللهومقصد الدعاة إلى الله انتشال الناس الغرقى في بحور الفتن والشهوات إلى طريق الخير، وأيُّ قصد غير ذلك فليطرح.
ثم إننا في قيامنا بهذه الأعمال يجب أن نكون متحلين بالآداب الحسنة والأخلاق الطيبة، وعرض هذه القضايا عرضاً نظامياً ورسمياً، ولا أقول ذلك إلا من باب تشجيع التركيز والتنسيق في العمل حتى لا يكون هناك ازدواجية، ويكون هذا العمل تحت رئاسة ومسئولية مركز الدعوة عن طريق أئمة المساجد والدعاة في هذه البقعة المباركة.
هذه أربع قضايا أعيدها ليتم العمل بها:
الخطوات العملية التي ينبغي أن نخطوها تجاه تربية أنفسنا، وأن أي سلبية في حياتنا ينبغي أن نزيلها، ولهذا ينبغي أن تكون أول الخطوات العملية التي نريدها أن أي عقبة من مشكلة اجتماعية: في نفسه أو بيته أو أسرته أو حتى بين زملائه وأقرانه ينبغي أن تعرض وتسجل على هيئة أو لجنة من الدعاة لأننا نريد في الحقيقة ألا نتخذ من طريقة الدعوة طريقة المحاضرات فقط، وإنما نريد السعي العملي الإصلاحي في إطار ما هو مسموح به نظاماً، وقبل ذلك ما هو مأمور به شرعاً، ولا أظن أحداً يقف في طريق ذلك بحمد الله؛ لأن النوايا -ولله الحمد والمنة- سليمة والخطوات بإذن الله متزنة، ويقوم عليها من أهل العلم والفضل والإصلاح من يكون خير من يقوم بها.
ثم لا غضاضة أن يكون هناك أهل خير يتوسطون في كل من كان عنده رغبة أو مساعدة مادية في الزواج بتأييد مشروع الزواج أو عن طريق مركز الدعوة أو غيره لكل راغب في الزواج، أو لكل مريد لعلاج هذه المشكلات الاجتماعية، من المساعدات المادية والمعنوية، ونهيب بأهل الثراء والخير والوجاهة أن يدخلوا في خطوات عملية، ولا يكون هناك فقط تركيز على جانب من الجوانب المعينة.
أيضاً: أولياء الأمور -الآباء والأمهات- لا بد أن يطالبن بالدخول في مثل هذه المشروعات الخيرية لأنهم طرف في الإصلاح وعلاج هذه المشكلات الاجتماعية.
أيها الإخوة: في الحقيقة الكلام يطول، وقضايا الزواج وعقباته، وقضايا الطلاق في المجتمع كثيرة، ولو سألتم المحاكم لعرفتم أن ثلث القضايا أو أكثر من ثلثها -والثلث كثير- تعرض كلها قضايا طلاق ومشكلات، يجلس القاضي فتعرض عليه عشر قضايا طلاق في اليوم، وخمسة قضايا طلاق في اليوم الثاني، ماذا يعني هذا؟
معنى ذلك هدم لخمس أسر في المجتمع، هذا ليس بأمر هين، ينبغي أن يسعى أهل الإصلاح، ومن لجان الإصلاح هذه من يذهب للإصلاح بين الزوجين: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]، وهذا نحن بحاجة إليه دائماً وأبداً، بحاجة إلى مساعي إصلاح إذا أخطأ أحد الزوجين فإنه يأتي لمثل هؤلاء المشايخ ويعرض عليه قضيته علهم أن يكونوا طرفاً وعلاجاً فيها.
المهم أننا لا زلنا نعاني من عدم التنسيق في علاج هذه القضايا -العلاج فردي- وماذا عسى أن يجدي فلان من الناس أو زيد في علاج مئات وآلاف من المشكلات الاجتماعية التي تمر عليه، فلهذا نحن نحتاج إلى شيء من التنسيق والتركيز، منطلقنا ليس تكوين اجتماعات أو خلايا كما يتصور البعض، بل القضية كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، وأنا أقول: إن السعي ولو خطوة واحدة في النواحي العملية لعلاج هذه القضايا أفضل من الكلام عشر سنين أو عشرين سنة كلاماً فقط ليس بعده خطوات عملية.
هناك شريحة من المشكلات توجد في المجتمع سببها مثلاً إطلاق اللسان، والغيبة والنميمة والحسد والبغضاء، وما يوجد في الصدور بين المسلمين ولا سيما بين بعض طلبة العلم أو بعض الدعاة وليس هذا بغريب، لكن الغرابة كل الغرابة أن تستمر هذه القضايا بلا علاج، وأن يستمر بعض الناس على هذه الأمور، هذه قضايا اجتماعية نحن بحاجة إلى التركيز عليها.
قضايا الصحوة ومشكلات التوجه إلى الله، ولا أقصد أن الخطأ من حيث التوجه وإنما من حيث التوجيه، فينبغي أيضاً أن تعالج حتى لا يستفحل الخطأ، وشعارنا في ذلك قول تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
وفق الله الجميع لما فيه الخير والسداد، وجعلنا وإياكم عالمين عاملين بما سمعنا، هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين بمنه وكرمه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.