الملخص في أنواع الكفالات
أقوال العلماء في الكفالة...
- التصنيفات: فقه الزكاة - فقه المعاملات -
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فهذه سطور موجزة في الكفالة وأنواعها وأمثلة لها والله الموفق.
أنواع الكفالة (نظرية العقد والكفالة للشيخ عبد الله عزام ص4)
1-الكفالة: بالنفس: هي الكفالة بشخص واحد (الكفالة الحضورية).
2-الكفالة بالمال: هي الكفالة بأداء مال (الكفالة الغرمية).
3-الكفالة بالعين: هي الكفالة بتسليم شيء لمستحقه.
4-الكفالة بالدرك: هي الكفالة بأداء ثمن المبيع وتسليمه أو بنفس البيع إن استحق المبيع.
وكفالة النفس أو البدن تنقسم إلى نوعين الأولى من عليه دين، والثانية من عليه عقوبة:
النوع الأول: كفالة بدن من عليه دين:
حكم الكفالة الحضورية المعمول بها جائزة؛ لأن الكفالة هي:
التزام إحضار هذا الإنسان عند حلول الدين، أو الحق الذي عليه، حق المالية. فإذا أحضره برئ الكفيل.
جاء في المغني: "ومن كفل بنفس لزمه ما عليها إن لم يسلمها" (المغني لابن قدامة 7/96).
ثم قال: "وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم هذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة"، وقال الشافعي في بعض أقواله: "الكفالة بالبدن ضعيفة. واختلف أصحابه فمنهم من قال: هي صحيحة قولاً واحدًا وإنما أراد أنها ضعيفة في القياس وإن كانت ثابتة بالإجماع والأثر، ومنهم من قال فيها قولان أحدهما: أنها غير صحيحة لأنها كفالة بعين فلم تصح كالكفالة بالوجه وبدن الشاهدين. ولنا قول الله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف:66]".
ولأن ما وجب تسليمه بعقد وجب تسليمه بعقد الكفالة كالمال إذا ثبت هذا فإنه متى تعذر على الكفيل إحضار المكفول به مع حياته أو امتنع من إحضاره لزمه ما عليه وقال أكثرهم لا يغرم ولنا عموم قوله عليه السلام: « الزعيم غارم» (سنن ابن ماجه - كتاب الصدقات باب الكفالة- حديث: 2402) ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب بها الغرم كالكفالة بالمال.
وتصح الكفالة ببدن كل من يلزم حضوره في مجلس الحكم بدين لازم (المغني لابن قدامة 7/98) سواء كان الدين معلومًا أو مجهولاً وقال بعض أصحاب الشافعية: "لا تصح بمن عليه دين مجهول لأنه قد يتعذر إحضار المكفول به فيلزمه الدين، ولا يمكن طلبه منه لجهله، ولنا أن الكفالة بالبدن لا بالدين والبدن معلوم فلا لا تبطل الكفالة لاحتمال عارض، ولأنا قد تبينا أن ضمان المجهول يصح وهو التزام المال ابتداءً فالكفالة التي لا تتعلق بالمال ابتداءً أولى وتصح الكفالة بالصبي والمجنون لأنهما قد يجب إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالإتلاف واذن وليهما يقوم مقام أذنهما وتصح الكفالة ببدن المحبوس والغائب".
وقال أبو حنيفة: "لا تصح"، "ولنا أن كل وثيقة صحت مع الحضور صحت مع الغيبة والحبس كالرهن والضمان، ولأن الحبس لا يمنع من التسليم؛ لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم أو أمر من حبسه ثم يعيده إلى الحبس بالحَقَّين جميعًا، والغائب يمضي إليه فيحضره إن كانت الغيبة غير منقطعة وهو أن يعلم خبره، فإن لم يعلم خبره لزمه ما عليه" (قاله القاضي)، وقال في موضع آخر: "لا يلزمه ما عليه حتى تمضي مدة يمكنه الرد فيها فلا يفعل".
النوع الثاني: كفالة بدن من عليه عقوبة:
لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد (المصدر السابق) سواء كان حقًا لله تعالى كحد الزنا والسرقة أو لآدمي كحد القذف والقصاص وهذا قول أكثر أهل العلم منهم شريح والحسن وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي، وبه قال الشافعي: في حدود الله تعالى واختلف قوله في حدود الآدمي فقال في موضع: "لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان"، وقال في موضع: "تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد لأنه حق لآدمي، فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين".
ولنا ما روي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا كفالة في حد» (1)، ولأنه حد فلم تصح الكفالة فيه كحدود الله تعالى، ولأن الكفالة استيثاق والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات فلا يدخل فيها الاستيثاق، ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به، فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنا.
فإن أقام القاتل كفيلاً بنفسه ليخلي سبيله له لم يجز؛ لأن الكفالة لا تصح في القصاص فإن فائدتها استيفاء الحق من الكفيل إن تعذر إحضار المكفول به ولا يمكن استيفاؤه من غير القاتل فلم تصح الكفالة به كالحد ولأن فيه تغريرًا بحق المولى عليه فإنه ربما خلي سبيله فهرب فضاع الحق (انظر: المغني لابن قدامة 7/99).
فيتضح أن رأي المذهب في كفالة إحضار من عليه عقوبة لا تجوز، لأن ضمان من عليه حد لا تجوز شرعًاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا كفالة في حد» ولكون استيفاء العقوبة من غير الجاني أمر متعذر.
ويجوز وفق أقوال المذهب كفالة إحضار من عليه دية واجبة للعفو عن القصاص، وكذلك كفالة إحضار من عليه غرم سرقة لأنهما يمكن استيفاؤهما من الكفيل إذا تعذر استيفاؤهما من المدين الأصلي بهما، فهو أمر مقدور عليه.
وقد رأى بعض الفقهاء المعاصرين أن هذا القول لا يتعارض مع شخصية العقوبة لأن الدية أشبه بالحق الخاص منها بالعقوبة.
رأي بعض المذاهب الأخرى في حكم الكفالة الحضورية لمن عليه عقوبة:
هناك رأي فقهي يفرق بين كفالة تسليم من عليه عقوبة وبين كفالة ذات العقوبة فيجيزها في الأولى ويحرمها في الثانية، وذلك راجع لتمييزه للمحل الذي تقع عليه الكفالة، فإن وقعت على مجرد فعل التسليم صحت لأنه أمر مقدور عليه، وإن كانت على ذات العقوبة فهي لا تصح.
وبذلك، يثور تساؤل مهم هنا: ماذا لو لم يستطع التسليم؟
فمن غير المنطق أن يعاقب بعقوبة المكفول لأن ذلك يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة (2).
لذلك: فإن للقاضي هنا -على رأي أصحاب هذا الاتجاه- أن يعزّر الكفيل العاجز عن تسليم المكفول بما يراه مناسبًا. وهذا الرأي هو ما يراه بعض الفقهاء المعاصرين أقرب للتوافق مع الأنظمة الحالية المطبقة.
حالات لها أحكامها:
كفالة الغائب أو المحبوس: تصح لأن فعل التسليم هنا مقدور عليه، ومكان المكفول معلوم أو يؤول للعلم. جهالة مكان المكفول: جاء في نص المادة 1148 من مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية ما نصه "إذا غاب المكفول غيبة لا يعلم خبره ألزم الكفيل بما عليه".
مسألة: تحوّل الكفالة الحضورية (بدن) إلى كفالة غرمية (أداء):
وذلك في حال عجز الكفيل الحضوريّ عن تنفيذ التزامه بالكفالة، شريطة بقاء الالتزام قائمًا لم ينقض، علمًاً بأنه ينقضي إما بأدائه أو بالإبراء منه أو بمجيء المكفول اختيارًاً أو جبرًاً لمجلس التحقيق أو المحاكمة المتفق عليه كمكان للتنفيذ.
- الكفالة الحضورية لمن عليه عقوبة لا تجوز على رأي المذهب الحنبلي إلا في الدية الموجبة للعفو عن القصاص، وغرم السرقة، وما يقاس عليهما.
- تصح الكفالة عن الغائب أو ما يقاس عليه كالمحبوس: لأن الغائب معلوم المكان أو مآله للعلم، والمحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم الذي حبسه.
2- الكفالة بالمال: هي الكفالة بأداء مال (الكفالة الغرمية):
الكفالة بالمال جائزة باتفاق واشترطوا في المال:
1- أن يكون دينًا لازمًا ولا يشترط أن يكون ثابتًا (مستقرًا) فيجوز الكفالة بالمهر قبل الدخول مع أنه غير مستقر, ولو في المآل: كالجعل، أما الكفالة ببدل النجوم فإنه غير لازم.
2- المعلومية.
حضور الضامن والمضمون
إتفق الفقهاء أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكلاهما موسر(بداية المجتهد 2/ 223).
1- يطالب أيهما شاء: وقال به الشافعية والحنفية وأحمد وإسحق والأوزاعي والثوري.
قال الإمام محمد بن أبي العباس الرملي (نهاية المحتاج 4/344): "وللمستحق: الطالب وورثته مطالبة الضامن وضامنه والأصيل اجتماعًا وانفرادًا وتوزيعًا، بأن يطالب كلا ببعض الدين لبقاء الدين على الأصيل , فالضمان كفرض الكفاية يتعلق بالكل ويسقط بفعل البعض".
قال الشيخ منصور البهوتي (كشاف القناع 3/ 373): "وللمضمون له مطالبة الضامن والأصيل".
2- لا يطالب الكفيل بحضور الأصيل: قول لمالك (الأخير) (بلغة السالك 2/158). وقول آخر له مثل الجمهور.
3- قال أبو ثور وابن أبي ليلى وابن شبرمه الحمالة والكفالة واحدة ومن ضمن عن رجل مالاً لزمه وبرئ المضمون فالضمان عندهم كالحوالة.
وحجة الجمهور: حديث قبيصة بن مخارق الهلالي (3): «... إن المسألة لا تحل إلا في إحدى ثلاث: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك...» الحديث.
ووجه الدلالة: من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح المسألة للتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه.
رأي الحنبلية في قضاء الضامن أو الكفيل بالدين (كشاف القناع 3/371):
يرى الحنبلية أن الدين على قسمين:
1- دين يحتاج إلى نية- دين الله كالزكاة والنذر, فلا يرجع المؤدي (الدافع) على المدين بشيء ولو نوى الرجوع على المدين لأن المدين لا يبرأ.
2- دين لا يحتاج قضاؤه إلى نية من المدين، فإذا أداه الضامن فله حالات:
أ- إن أداه الضامن ينوي الرجوع فإنه يرجع, لأنه قضاء مبرئ من دين واجب فكان من ضمان من هو عليه, كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه ولو كان الضمان بغير اذن المضمون عنه.
ب- إن أداه الضامن متبرعًا لا يرجع سواء ضمن بإذنه أو بغير إذنه.
ج- إن لم ينو الضامن رجوعًا ولا تبرعًا بل ذهل لا يرجع.
وهذه الحالات كذلك هي: حكم من أدى عن غيره دينًا واجبًا سواء كان أجنبيًا أو كفيلاً.
كيفية رجوع الضامن على المدين(المكفول عنه):
لا رجوع له إلا بإقرار من المدين أو بينة وإن أنكر المضمون له (الدائن) سداد الدين من الضامن فلا رجوع له على المدين إلا إذا كان قضاء الدين من الضامن بحضرة المدين (المكفول عنه).
حكم الكفالة بالمال ودفع الكفيل المال عن المضمون عنه:
يثبت بالكفالة مطالبة الكفيل بما على الأصيل، فإن كان الكفيل واحدًا، طولب بالدين كله، وإن كانا اثنين طولب كل واحد منهما بالنصف وهذا الرأي الراجح عند الشافعية. وبه قطع أبو حامد وقال به الماوردي والروياني والضميري والأذرعي (نهاية المحتاج للرملي 4/444).
فإن كفل بأمر المكفول عنه رجع عليه بما دفع (يرجع الضامن على المدين بما أدى عنه: هذا رأي الشافعية والحنفية (نهاية المحتاج للرملي 4/448 والبحر الرائق لابن نجيم الحنفي 6/223).
قال النووي (نهاية المحتاج 4/448): ومن أدى دين غيره بلا ضمان ولا إذن وليس أبًا ولا جَدًّا فلا رجوع له لتبرعه.
3-الكفالة بالعين: هي الكفالة بتسليم شيء لمستحقه:
اشترط الفقهاء للعين المكفولة شروطـًاً
1- بأن تكون مضمونةً على الأجل دينًا أو عينًا أو نفسًا أو فعلاً. ولكن في حالة العين أن تكون مضمونة لنفسها (البحر الرائق 6/206).
ولا تصح الكفالة بالأمانات كالعين المستعارة، والعين المودعة، وكذا مال المضاربة والشركة ولكن تجوز الكفالة في هذه الأحوال بحيث يضمن قيمتها له إذا فقدت بسبب تعد أو تفريط في المحافظة عليها.
2- أن تكون مقدورة التسليم من الكفيل فلا تجوز بالحدود ولا بالقصاص (المصدر السابق).
3- أن يكون الدين لازمًا فلا يجوز ببدل الكتابة ومن ذلك نفقة(المصدر السابق).
فلا يجوز ضمان نفقة الزوجة قبل القضاء بها أو المضي. -شافعية- ويصح ضمان مهر المرأة قبل الدخول (ولو غير مستقر) ويصح ضمان الثمن للبائع في مدة الخيار للمشتري على الأصح عند الشافعية (نهاية المحتاج 4/ 428).
4- أن يكون معلومًا: لا يشترط الحنفية كونه معلومًا.
قال ابن نجيم (البحر الرائق 6/361): وصحتها بالإجماع. وصحت مع جهالة المال لبنائها على التوسع ولذا جاز شرط الخيار فيها أكثر من ثلاثة أيام، ويدل عليه إجماعهم على صحتها بالدرك مع أنه لا يعلم كم يستحق من المبيع كله أو بعضه.
وقال الشافعية: "يشترط أن يكون معلومًا في الجديد: لأن إثبات مال في الذمة لآدمي بعقد فلم يصح مع الجهل كالثمن"، وكذلك عند الحنبلية ورد (البهوتي في كشاف القناع 3/ 367): "ولا يشترط كونه حقـًا معلومًا ولا واجبًا إذا كان مآله إلى العلم والوجوب".
4-الكفالة بالدرك: هي الكفالة بأداء ثمن المبيع وتسليمه أو بنفس البيع إن استحق المبيع:
جاء في البحر الرائق (لابن نجيم 6/217): وهذا ضمان الدرك، والدرك لغة بفتح وسكون الراء إسم من أدركت الشيء ومنه ضمان الدرك.
واصطلاحًا: الرجوع بالثمن عند استحقاق المبيع قال النووي أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو مأخوذ بشفعة أو معيبا أو ناقصا وزنًا أو صفة. وإن استحق المبيع وله كفيل بالدرك لا يرجع على الكفيل ما لم يجب على البائع. فبعده هو بالخيار ولا يرجع على الكفيل بقيمة الغرس والبناء وأجمعوا أنه لو ظهر المبيع حرًا كان له أن يخاصم أيهما شاء.
فضمان الدرك أقسام:
1- ضمان للمشتري: بأن يضمن له الثمن إن خرج المبيع مستحقًا أو مأخوذًا بشفعة أو ناقصًا (وزنًا أو صفة).
2- ضمان للبائع: بأن يضمن له المبيع بعد قبض المشتري له إن خرج الثمن المعين مستحقًا.
3- ضمان للمستأجر أو الأجير:
الضمان للمستأجر: بأن يضمن له درك الأجرة إذا خرج المستأجر مستحقـًا.
متعلق الضمان في الدرك: هو:
1- عين المبيع.
2- الثمن: إن بقي وسهل رده وبدله أي قيمته إن عسر رده للحيلولة، ومثل المثلي، وقيمة المتقوم وتعلقه بالبدل أظهر لأنه على غير قاعدة ضمان الأعيان.
والله أعلم.
_________________
(1)أخرجه البيهقي في باب ما جاء في الكفالة ببدن من عليه حق، من كتاب الضمان السنن الكبرى 6/127 حديث رقم 11417.
(2) مبدأ شخصية العقوبة تعني: ألا يعاقب إلا الجاني الذي ارتكب الجرم، ولا تتعداه لغيره.
(3) صحيح مسلم - كتاب الزكاة باب من تحل له المسألة - حديث:1794.
إبراهيم بن محمد بن عيسى الهلالي