التفاضل بالإيمان (22)
ابن تيمية
تكميل هذه المحبة وتفريعها ودفع ضدها، فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فإن محبة الله ورسوله لا يكتفي فيها بأصل الحب بل لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما كما تقدم.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
تكميل هذه المحبة وتفريعها ودفع ضدها، فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فإن محبة الله ورسوله لا يكتفي فيها بأصل الحب بل لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما كما تقدم.
وتفريعها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، ودفع ضدها أن يكره ضد الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار، فإذا كانت محبة الرسول والمؤمنين من محبة الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب المؤمنين الذين يحبهم الله أنه أكمل الناس محبة لله وأحقهم بأن يحب ما يحبه الله ويبغض ما يغضه الله والخلة ليس لغير الله فيها نصيب، بل قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا علم مزيد مرتبة الخلة على مطلق المحبة.
والمقصود هو أن الخلة والمحبة لله تحقيق عبوديته وإنما يغلط من يغلط في هذه من حيث يتوهمون أن العبودية مجرد ذل وخضوع فقط لا محبة معه أو أن المحبة فيها انبساط في الأهواء أو إدلال لا تحتمله الربوبية ولهذا يذكر عن ذي النون أنهم تكلموا عنده في مسألة المحبة فقال امسكوا عن هذه المسألة لا تسمعها النفوس فتدعيها وكره من كره من أهل المعرفة والعلم مجالسة أقوام يكثرون الكلام في المحبة بلا خشية وقال من قال من السلف من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد ولهذا وجد في المستأخرين من انبسط في دعوى المحبة حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوى التي تنافي العبودية وتدخل العبد في نوع من الربوبية التي لا تصلح إلا الله ويدعي أحدهم دعاوى تتجاوز حدود الأنبياء والمرسلين أو يطلبون من الله ما لا يصلح بكل وجه إلا الله لا يصلح للأنبياء والمرسلين وهذا باب وقع فيه كثير من الشيوخ.
وسببه ضعف تحقيق العبودية التي بينتها الرسل وحررها الأمر والنهي الذي جاؤا به بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته وإذا ضعف العقل وقل العلم بالدين وفي النفس محبة انبسطت النفس بحمقها في ذلك كما ينبسط الإنسان في محبة الإنسان مع حمقه وجهله ويقول أنا محب فلا أؤاخذ بما أفعله من أنواع يكون فيها عدوان وجهل فهذا عين الضلال وهو شبيه بقول اليهود والنصارى {نحن أبناء الله وأحباؤه}، قال الله تعالى {قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}، فإن تعذيبه لهم بذنوبهم يقتضي أنهم غير محبوبين ولا منسوبين إليه بنسبه البنوة بل يقتضي أنهم مربوبون مخلوقون.