خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 24-30 )
أيمن الشعبان
- التصنيفات: التفسير -
الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
قال تعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} .
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً قادة في الخير يقتدى بهم يَهْدُونَ يدعون بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا.
{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا} هداة مهتدين، كيف كانوا أئمة في الدين قال {لما صبروا} هذا فيه تكميل القوة العملية، ثم قال {وكانوا بآياتنا يوقنون} تكميل القوة العلمية.
يقول ابن تيمية: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
يقول سفيان الثوري: لا ينبغي للرجل أن يكون إماماً يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا.
أَئِمَّةً أمناء هادون مهديون مهتدون مقتدون يَهْدُونَ الناس بِأَمْرِنا ووحينا إياهم والهامنا إليهم الى ديننا وتوحيدنا وانما أعطيناهم ما أعطيناهم من الكرامات لَمَّا صَبَرُوا وحين وطّنوا أنفسهم على تحمل ما لحقهم في إعلاء كلمة الحق وافشاء اعلام الدين ومعالم التوحيد واليقين وانتشارها في الأقطار من المتاعب والمكروهات المؤدية الى إتلاف النفس وبذل المهج وانواع المصيبة وَهم قد كانُوا في أنفسهم بِآياتِنا النازلة إياهم الدالة على كمال قدرتنا الواردة في إيجاد اىّ شيء أردناه يُوقِنُونَ يذعنون لا يترددون فيها ولا يتذبذبون وأنت يا أكمل الرسل اولى وأحق منهم بإيقان آياتنا واذعانها.
{أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} أي: علماء بالشرع، وطرق الهداية، مهتدين في أنفسهم، يهدون غيرهم بذلك الهدى، فالكتاب الذي أنزل إليهم، هدى، والمؤمنون به منهم، على قسمين: أئمة يهدون بأمر الله، وأتباع مهتدون بهم.
والقسم الأول أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة، وهي درجة الصديقين، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، والأذى في سبيله، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات.
{لما صبروا} عن الدنيا وعلى الحق وعلى الأذى والابتلاء.
لَمَّا صَبَرُوا على مشاق تعليم العلم والعمل به. أو: على طاعة الله وترك معصيته.
وفيه دليل على أنَّ الصبر ثمرته إمامة الناس والتقدم في الخير. وَكانُوا بِآياتِنا التوراة يُوقِنُونَ .
{وكانوا بآياتنا يوقنون} يقول: وكانوا أهل يقين بما دلهم عليه حججنا، وأهل تصديق بما تبين لهم من الحق، وإيمان برسلنا، وآيات كتابنا وتنزيلنا.
{وكانوا بآياتنا يوقنون} أي بحججنا وكتابنا يصدقون.
{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} أي: وصلوا في الإيمان بآيات الله، إلى درجة اليقين، وهو العلم التام، الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين، لأنهم تعلموا تعلمًا صحيحًا، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين.
فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين، تُنَالُ الإمامة في الدين.
في الآية معنى المجازاة أي جعلهم أئمة جزاء على صبرهم عن الدنيا وكونهم موقنين بآيات الله وأوامره وجميع ما تورده الشريعة.
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا فَحَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ كِتَابَ مُوسَى هَدًى وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ كَذَلِكَ يَجْعَلُ كِتَابَكَ هَدًى وَيَجْعَلُ مِنْ أُمَّتِكَ صَحَابَةٌ يَهْدُونَ.
أَيْ: لَمَّا كَانُوا صَابِرِينَ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ وَتَرْكِ نَوَاهِيهِ وَزَوَاجِرِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِيمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ، كَانَ مِنْهُمْ أَئِمَّةٌ يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. ثُمَّ لَمَّا بَدَّلُوا وحَرَّفوا وأوَّلوا، سُلِبُوا ذَلِكَ الْمَقَامَ، وَصَارَتْ قُلُوبُهُمْ قَاسِيَةً، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، فَلَا عَمَلَ صَالِحًا، وَلَا اعْتِقَادَ صَحِيحًا.
ويؤخذ من فحوى الآية، أن بني إسرائيل لما نبذوا الاعتصام بالكتاب، ونبذوا الصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقدوا الاستيقان بحقيّة الإيمان، فغيروا وبدلوا، سلبوا ذلك المقام، وأديل عليهم انتقاما منهم. وتلك سنته تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} ، ففي طي هذا الترغيب، ترهيب وأي ترهيب.
وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْبِشَارَةِ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَيِمَّةً لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاةً لِلْمُسْلِمِينَ إِذْ صَبَرُوا عَلَى مَا لَحِقَهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ مِنْ أَذَى قَوْمِهِمْ وَصَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ وَمُعَادَاةِ أَهْلِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَظُلْمِهِمْ إِيَّاهُمْ.
وَتَقْدِيمُ بِآياتِنا عَلَى يُوقِنُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِالْآيَاتِ.
من هداية الآية:
هنالك تلازم كبير في الآية، بين القدوة والقيادة والرمز، وبين تحقيق الصبر واليقين، فمن صبر وأيقن صار إماما، ومن يطلب مرتبة الأئمة والريادة، لابد من الصبر عن الدنيا ومشاقها، واليقين بآيات الله والعمل بمقتضاها.
الآية فيها بشرى وتفاؤل، إذ تشير بأنه سيأتي من أتباع موسى من يصبح قدوة لمن بعده، لأنهم اهتدوا بالكتاب الذي نزل على موسى، فمن باب أولى تحقق ذلك لدى أتباع محمد عليه الصلاة والسلام فتأمل!
هذا توجيه رباني ورسالة مستعجلة، إلى كل قدوة ورمز ورائد في العمل الدعوي والخيري، إذا أردت التميز والتفوق والنجاح فعليك بالصبر واليقين.
أهمية الدعوة على علم وبصيرة والاستفادة من وسائل وطرق الأنبياء والسلف الصالح {يهدون بأمرنا} .
كل نجاح دعوي تحققه فهو بتوفيق من الله سبحانه {بأمرنا} .
عدم الاستعجال وقطف الثمار بسرعة، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه!
الداعية والقدوة الحق الذي لا يربط الناس بشخصه ولا بنفسه ولا جماعته ومؤسسته، بل يدعونهم إلى الله والاستقامة على طريقه.
من يريد الإمامة من أهل العلم وأن يكون قدوة يقتدي به الناس في ترك المعاصي والمنكرات، والزهد والإيمان والورع، فعليه بالصبر واليقين.
أهمية الصبر في حياة الداعية خصوصا والمسلم عموما.
يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَنْ محارم الله.
يقول علي رضي الله عنه: ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
وعن ميمون بن مهران قال: ما نال عبد شيئًا من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر.
ولأهمية الصبر في الدنيا والآخرة أنهم يوفون أجورهم دون حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
أهمية الرسوخ في الإيمان والثبات في الصدق والاستقامة على أوامر الله.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
24- رمضان-1435هـ