الحج صفاء في العقيدة
عبد الرحمن بن صالح المحمود
تهفو فيه القلوب المؤمنة إلى تلك المشاهد والمناسك، ويكاد القلب أن يطير- لو استطاع- ليشارك إخوانه المسلمين تلك المواقف، ولينال من التعب والشعث، والأجر والثواب مثل ما نالوه.
- التصنيفات: الزهد والرقائق - ملفات الحج وعيد الأضحي -
نستقبل هذه الأيام، وتستقبل الأمـة الإسلامية جمعاء موسماً عظيماً من المواسم المشهورة، تهفو فيه القلوب المؤمنة إلى تلك المشاهد والمناسك، ويكاد القلب أن يطير- لو استطاع- ليشارك إخوانه المسلمين تلك المواقف، ولينال من التعب والشعث، والأجر والثواب مثل ما نالوه.
وتلك- والله- من أعظم الدلائل على عظمة هذا الدين، حيث إن الإنسان قد يحج في عام من الأعوام ويصيبه من التعب والمرض، ويواجه ما يواجه من الزحام الشديد والإرهاق، ولربما عزم في نفسه أثناء ذلك أن لا يعود إلى الحج مرة أخرى، ولكنه إذا مضى ورجع بعد حجه فرحاً مسرورا، كالمجاهد الذي رجع من الجهاد، لا يأتيه المواسم القادم إلا وقد حن إلى الحج مرة أخرى.
إن كون القلوب تهفو إلى البلد العتيق، آية من آيات الله، وقد قال تعالى آمراً رسوله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] . وهي منافع لا تعد ولا تحصى على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأمة الإسلامية كلها.
وينبغي أن نقف طويلاً عند دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام، قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] .
لأن المؤمن لا يستتب له الأمن إلا بعبادة الله وحده، واجتناب عبادة ا لأصنام، ويقتضي ذلك أموراً كبارا:
(1) عبادة الله وحده لا شريك له.
(2) اجتناب الطاغوت بكل أشكاله وصوره.
(3) طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو يقتضي اتباع شرعه وتطبيقه.
(4) وثمرة ذلك الولاء والبراء، والحب والبغض في الله، وهذا هو الذي يجمع الأمة الإسلامية في قبلة واحدة، وحج واحد.
تعالوا إلى الواقع المعاصر، وإلى التاريخ الإسلامي السابق، متى يختل الأمن في البلد الحرام؟
إن الأمن يختل عن طريق المشركين- من القرامطة قديماً- ومن -الرافضة حديثاً- لأنهم أهل شرك وكفر، يصرحون به ليلاً ونهاراً، وهذا في الرافضة جميعاً عجمهم وعربهم.
ولقد سمعت شريطاً مسجلاً في إحدى الحسينيات، في إحدى دول الخليج، ينوح كفراً وتأليهاً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ووقعت إلي قصيدة لواحد منهم اسمه: أحمد العوض، يقول فيها عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أبا حسن أنت زوج البتول *** وجنب الإله ونفس الرسول
إليك تصير جميع الأمور *** وأنت العليم بذات الصدور
وأنت المبعثر ما في القبور *** وحكم القيامة بالنص لك
وأنت السميع وأنت البصير *** وأنت على كل شيء قدير
ولولاك ما كان نجم يسير *** ولا دار لولاك نجم الفلك
ثم يقول بعد أبيات مشابهة:
أبا حسن يا مدبر الوجــود *** وكهف الطريد ومأوي الوفود
ومسقي محبيك يوم الورود *** ومنكر في البعث من أنكـــرك
..إلخ، تعالى الله عما يقوله هؤلاء المشركون علواً كبيرا.
فالأصل في الحج- أيها الإخوة المؤمنون- إخلاص العبودية لله تعالى. ولذا حرص صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ اتباعاً لأبيه إبراهيم الذي قال الله عنه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26] .
فحرص على ربط الحج بالعقيدة والعبودية الله تعالى، ومخـالفة أهل الجاهلية في الحج؛ ومن ذلك:
1- مخالفته للجاهلية في وقت الإحرام بالحج والعمرة، فأحرم بهما في أشهر الحج خلافاً لأهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من ذلك.
2- في التلبية: لبي بالتوحيد: (لبيك اللهـم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، خلافاً لأهل الجاهلية الذين كانوا يلبون بالشرك فيقولون: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك).
3- وفي ركعتي الطواف، قرأ بسورتي الإخلاص والكافرون.
4- وفي الوقوف بعرفة، وقف مع الناس، وقريش كانت لا تتعدى المزدلفة؛ لأنها تقول لا نخرج عن الحرم.
5- وفي عرفة انتظر حتى تغيب الشمس، خلافاً لأهل الجاهلية الذين يدفعون قبل الغروب .
إن من واجبنا أن نعود بالحج إلى معانيه، ونرجعه إلى أصوله الكبار: صفاء العقيدة، والبعد عن الشرك، تعيد إلينا الموازين الصحيحة في حياتنا.
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31-30] .