تدبر - تدبر - [357] سورة غافر (6)
ولقد كانت كلمات مؤمن آل فرعون بمثابة نصيحة نموذجية شاملة جامعة جمعت بين الترغيب والترهيب والتذكير وضرب الأمثال وحوت المنطق العقلي والمعالجة الإيمانية
وهي كذلك مناج دعوي متكامل لم يخل من البعد التاريخي، وزينه تواضع الداعية وأدبه واحترامه للمخاطب
فتجد فيها الترغيب
" {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} "
" {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} "
وتجد الترهيب من العقوبة الدنيوية
{يا قوم إني أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ}
وأيضا الترهيب من العقوبة الأخروية
{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
وتجد فيها المنطق العقلي البسيط والواضح {وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}
وتجد التواضع والأدب في الخطاب {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ}
وكذلك تلحظ الحرص الشديد و تأليف القلب من خلال تكرار لفظ الخوف على قومه
وأيضا تجد العمق التاريخي وثقافة الداعية الذي يستحضر تاريخ الأمة والأحداث التي أثرت في مسارها {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ}
ثم يختم الرجل المؤمن بلاغه، وأتم دعوته، وقال بتسليم مطلق وتفويض تام لملك الأنام: " {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} "
فلم يشترط إجابة ولم يربط دعوته بامتثال أو قبول من مدعويه بل فوض أمره إلى من إليه يرجع الأمر كله
ياله من خطاب شامل متكامل يحتاج إلى إدراك تكامل أبعاده أولئك الذين تصدروا منابر الدعوة وتعليم الناس ونصحهم
- التصنيف: