تدبر - تدبر - [359] سورة غافر (8)

منذ 2014-08-24

{ذرونى أقتل موسى } دعوني أتخلص منه..
اتركوني أخلص البلاد والعباد من شر هذا الذي سيغير عقائدكم، ويضيع دينكم ودين آبائكم، ويظهر في أرضكم الفساد
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}
ما أطرفها من كلمات حين تخرج من هذا الفم البغيض..
ذروني!!
و هل تستأذن أيها الطاغية؟!
منذ متى ؟!
و هل مثلك من الطغاة يحتاج من أمثال تلك الحاشية من المطبلين والمنافقين أن يذروه ويتركوه؟
لكنها الصورة التي يحرص الفراعين على إحكام تزييفها،
بينما الحقيقة أنه لا يحتاج إلى رأيهم، ولا ينتظر إذنهم..
لا تقلق يا سيادة الطاغية، فلن تجد منهم إلا كل تطبيل وتصفيق..
فهم يفهمون جيدا مطلبك ويعرفون أنهم جزء من زينتك
لن تسمع يوما معارضة من ألسنتهم، التي استمرأت النفاق، وألفت الكذب، ولم تعرف إلا التزلف والتملق والمداهنة، ولم تتعود إلا على قصائد المديح، ومطولات الثناء المنافق الصريح..
نعم الرأي رأيك يا صاحب القصر..
و ما بعد قولك من قول..
ما أعظم توجيهات فخامتك أيها المفدى بالأرواح..
هكذا تتعالى صيحات مطبلي كل عصر وأوان وترتفع تهليلاتهم الداعمة للقرار
ولكل قرار ..
وهؤلاء من يجمعهم الفرعون دوما حوله أو يسمح لهم بالبزوغ في دولته والظهور في فلك نظامه وزمرته
تجدهم في غالب الأمر من حمائم الناس سهلي المعشر والانقياد
قد تسبق أسماءهم الألقاب العريضة، وتملأ سيرهم الذاتية الشهادات الضخمة والدرجات الفخمة؛ لكنهم يشتركون جميعًا في صفات الذلة والانقياد والانبهار الدائم بسيدهم المستبد.
أما صقور الخلق عزيزو النفس مستقلو الرأي، فلا يطيقهم الفرعون ولا يستريح في وجودهم، ولا يتعايش مع إيجابيتهم وتأثيرهم، حتى لو كانوا على الفكر والنهج نفسه
فلا يبقى حوله إلا دنيء نفس من أراذل الخلق، يرضى بالهوان ويقبل بالذلة، ويتعايش مع كونه مجرد صدى لأفكار ورغبات سيدهم
تتعدد الأقنعة ويظل التزلف والنفاق والمداهنة و التهليل هو شعار تلك الفئة مهما اختلفت أشكالها وتنوعت ألقابها
يكفي أن يلمح صاحب القصر وولي نعمتهم المزعوم إلى أنه يريد هذا الرأي، فتلميحات سيادته أوامر بلا شك، بل إن أحلام فخامته لا مفر من تحقيقها بكل السبل..
هكذا تربوا..
وعلي هذا حرصوا..
وكذلك وصلوا

ومهما ادعوا غير ذلك فهم يعلمون أن حقيقة الأمر في النهاية يلخصها فرعون و كل فرعون بكلمات واضحة محكمة

{ما أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ }

 

 

  • 3
  • 0
  • 3,018
المقال السابق
تدبر - [358] سورة غافر (7)
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً