القضية الكبرى
حسني البشبيشي
ما الشيء الذي يستحق أن تفكر فيه وينشغل به همك؟، هل الدنيا أم الآخرة؟، أيهما يستحق التفكير أكثر؟ العاقل يوجه تفكيره للشيء الخطير وينشغل تفكيره وهمه به، والذي لا ينشغل تفكيره وهمه بأمر خطير هو لا يعقل وهو يعطل عقله.
ما هي القضية التي يجب أن تشغل هم الإنسان؟
ـ ما الشيء الذي يستحق أن تفكر فيه وينشغل به همك؟، هل الدنيا أم الآخرة؟، أيهما يستحق التفكير أكثر؟ العاقل يوجه تفكيره للشيء الخطير وينشغل تفكيره وهمه به، والذي لا ينشغل تفكيره وهمه بأمر خطير هو لا يعقل وهو يعطل عقله.
ـ هل يوجد شيء أخطر من اقتراب الموت والسفر إلى الآخرة ولقاء الله؟، فهذا الأمر لا يمكن أن يفارق ذهن إنسان عاقل أبداً، وكيف ينسى الإنسان الله وهو يعيش في ملكه ويأكل من نعمه!
ـ لا يمكن لإنسان أن يعيش بغير قضية أساسية تكون هي هدفه يحيا بها ويعيش لها ويتجه إليها بمشاعره وهمومه، فكل إنسان له قضية هي أهم شيء في حياته، وهذه القضية تكون هي محور حياته ومستقبله ومصيره، وفي الحديث: «الألباني: صحيح (انظر حديث رقم: 925 في صحيح الجامع)
» تحقيقـ الإنسان أمامه قضايا كثيرة منها مثلا مشاكل في عمله الذي يتكسب منه، أو تطلع للترقي في عمله، ومشاكل في بيته أو واجبات والتزامات يومية يجب القيام بها نحو أسرته، وتوفير كل ما يحتاجه أولاده وأسرته، وأمور للتسلية أو الترفيه تعَوَّد عليها، أو التطلع لشراء مسكن أو سيارة، أو القيام بعمل تجاري، أو التوسع في مشاريع لزيادة الدخل، وتوفير الطعام والشراب أو التوسع فيه، والاهتمام بمظهر الإنسان أمام الناس، والتطلع إلى شهوات النساء أو الطعام والشراب أو زيادة المال أو الحصول على شهادات أو مناصب أو التغلب على أعباء الدراسة والزواج والتطلع إلى الحياة المريحة أو ما يتعرض له من ظلم الإنسان لغيره.
ـ هذه قضايا كثيرة، العاقل ينظر إليها ويقارنها ببعضها ليرى أيها أخطر وأيها يجب أن تشغل تفكيره وأيها يختارها لتكون قضيته وشغله الشاغل طوال حياته، كل القضايا المتعلقة بالدنيا ليست بشيء أمام قضية الموت والآخرة ومعرفة الخالق، لأن جميع القضايا المتعلقة بالدنيا تفنى سريعاً مع فناء الدنيا، والذين كانت تشغلهم هذه القضايا الدنيوية فكانت شغلهم الشاغل قد ماتوا الآن فأيها يفيدهم الآن، فالذين يعيشون وتنشغل عقولهم طوال حياتهم بقضية الموت والاستعداد له والآخرة وما بها ومعرفة الخالق هؤلاء هم العاقلين وغيرهم لا عقل لهم، وهؤلاء أيضا قد تنشغل عقولهم بمشاغل الحياة ولكنه انشغال عابر مؤقت قليل وهو أيضا انشغال كفرع من أصل، فعليه أن يتغلب على بعض أعباء الحياة ولكنه يتقلل من أعباء الحياة قدر ما يستطيع وينشغل عنها بما هو أخطر، فمن شغل همه بالآخرة فقد شغل همه بشيء واحد فقط، ولكن من شغل همه بالدنيا فقد فتح على نفسه آلاف الهموم فهذه هي طبيعة الدنيا، فكلما دخل من باب وجد أبواب أخرى كثيرة، ويظل تتشعب به الهموم حتى يهلك، ففي الحديث: «الشيطان يلهيه حتى يموت.
» حديث حسن (صحيح الترغيب والترهيب ج: 3، برقم: 3170)، وفي حديث آخر: « »، فطبيعة الدنيا عبارة عن متاهة كلما سرت في طريق وجدت طرقا أخرى فدائما يستجد لك فيها هموم أخرى وآمال أخرى ومتاعب أخرى، ففي الحديث: « » قال الشيخ الألباني: صحيح (جامع الترمذي ج: 4، ص: 635، برقم 2454) أي يموت ولا يزال عنده تمني وآمال لم تتحقق، فيظلـ كل إنسان له قضية تشغل تفكيره وتتعلق بها مشاعره وينبني عليها عمله فهو بذلك يعيش لهذه القضية وهي دينه، فمن كانت قضيته التي تشغل تفكيره وتتعلق بها مشاعره وينبني عليها عمله هي الله والآخرة فقد اسلم وجهه إلى الله: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} أي توجه بكليته إلى الله من تفكير ومشاعر وعمل، ومن كانت قضيته التي تشغل تفكيره وتتعلق بها مشاعره وينبني عليها عمله هي الدنيا وشهواتها فهي دينه: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}.
ـ إذن ما هو الشيء الذي يشغل همك؟، هل هو الحصول على المال أم شهوات الطعام والشراب والنساء أم المناصب والجاه والسلطان والمظاهر أم مشاغل الحياة اليومية والتغلب على متطلباتها وكسب المال والتجارة أم الخروج من مشاكل الفقر أو المرض أو الاستضعاف والظلم من أصحاب الجاه وعدم الحرية أم عمارة الأرض وتوفير وسائل السعادة فيها، أم بعض من هذه الأمور أم جميعها؟، فهذه هي هموم الدنيا، أم أن الشاغل الذي يشغل تفكيرك هو الوصول إلى ملذات الجنة والتمتع بالحور العين إلى ما لا نهاية من السنين والبعد عن العذاب داخل النار إلى ما لا نهاية من السنين ومعرفة قوة الخالق التي تسيطر عليك في ليلك ونهارك وفي كل لحظة وكل حركاتك تحت المراقبة التامة وكل أنفاسك معدودة ذلك الأمر المرعب الواقع عليك في الدنيا وذلك الخطر الرهيب الذي أنت مقبل عليه بعد لحظات من الآن من أمر الموت والحياة بعد الموت؟
ـ فإذا كان الشاغل الأكبر هو هموم الدنيا فأنت جاهل لا عقل لك لأنك لم تتصور وتعي حقيقة السعادة وأين تكون، ولم تتصور وتعي حقيقة الخطر الذي أنت واقع فيه والخطر الذي أنت مقبل عليه بعد لحظات وبلا عودة، فأنت في غفلة تامة وغباء تام تضر بنفسك وتهلكها، فالدنيا لا قيمة لها أمام الآخرة مهما كانت آلامها ومهما كانت لذاتها وتزول سريعا في غمضة عين لمن يعقل كما أن متعها ضئيلة ومحدودة في حد ذاتها.