المخرج من الفتن 1-2
عبد الرحمن بن صالح المحمود
إذا كان الله سبحانه وتعالى قد بين لنا في كتابه أحوال الفتنة وأخطارها، كما أن رسوله صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى بين لنا في أحاديث كثيرة أنواع الفتنة وأخطارها، وكل ذلك إنما هو للتحذير من أن نقع في هذه الفتن حتى نخرج من هذه الدنيا سالمين، وحتى تنتهي بنا حياتنا إلى نهاية سعيدة يختم لنا فيها بالدنيا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، مخلصين بها مستيقنين، وفي الآخرة بالسعادة برضوان الله سبحانه وتعالى.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين.
ما هو المخرج من الفتنة؟
إذا كان الله سبحانه وتعالى قد بين لنا في كتابه أحوال الفتنة وأخطارها، كما أن رسوله صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى بين لنا في أحاديث كثيرة أنواع الفتنة وأخطارها، وكل ذلك إنما هو للتحذير من أن نقع في هذه الفتن حتى نخرج من هذه الدنيا سالمين، وحتى تنتهي بنا حياتنا إلى نهاية سعيدة يختم لنا فيها بالدنيا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، مخلصين بها مستيقنين، وفي الآخرة بالسعادة برضوان الله سبحانه وتعالى.
هذه لمحات في المخرج من الفتن.
المخارج من الفتن:
أولًا: التعوذ بالله من شر الفتن:
إن من أهم المخارج من الفتن التعوذ بالله سبحانه وتعالى من شرها والمؤمن ليس له في كل أوقاته وأحواله إلا الله سبحانه وتعالى فكيف به إذا وقع في الفتن على مختلف أشكالها وصورها، انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كيف كان يدعو عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: « » (رواه البخاري).
وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ».
إن المؤمن يجب عليه أن يتضرع إلى الله سبحانه وتعالى في كل أوقاته وأحواله داعيًا ربه أن يعيذه من كل شر وفتنة.
ثانياً: الحذر من الانتكاسة:
الحذر من الانتكاسة في الفتنة لأن الانتكاسة تؤدي إلى انتكاسة القلوب حتى يصبح القلب مظلمًا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرًا.
هذا الحديث الذي جرى بين الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند عمر رضي الله عنه فقال: "أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟" فقال قوم: "نحن سمعناه"، قالوا فقال لهم عمر: "لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره"، قالوا: "أجل"، قال: "تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج كموج البحر؟"، قال حذيفة فأسكت القوم فقلت: "أنا"، قال: "لله أبوك" وهي كلمة مدح معتادة أي لله أبوك حيث أتى بمثلك، قال حذيفة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ».
أي: كما ينسج الحصير عوداً عودًا: « ».
أي: بياض يسير فيه سواد كالكوز مجخيًا أي: منكوسًا: « ».
الحذر من أن تصل قلوبنا إلى مثل هذه الحالة حين ينتكس القلب فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرًا إلا ما كان من هواه و دنياه، إلا ما كان من مصالحه الشخصية المادية، فهذا هو الذي يعرفه قلبه أما ما يتعلق بدينه هو وعقيدته وقلبه فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرًا.
الأمر الثالث: الحذر من طريق المنكر:
الحذر من السير في ركاب المنكر لأن الكبراء رضوا به، روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » قالوا: "يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟" قال: « ».
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "قوله من عرف فقد برء معناه: من عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه فإن عجز فلينكرها بقلبه"، ثم قال: "وقوله ولكن من رضي وتابع: أي ولكن العقوبة والإثم على من رضي وتابع، إن من المؤسف حقاً أن نشاهد بعض المسلمين يسير في المنكر لأن الكبراء ساروا به، أو قالوا به، وهذه والله انتكاسة خطيرة، وأن تكون معرفة المنكر من عدمه ليس ميزانها كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما لأن الكبراء قالوا بها، ألا ما أعظمها من فتنة تعرض على القلوب ومن فتنة تكون في المجتمع".
الرابع: التمسك بالجماعة:
من المخرج من الفتنة أن يسير الإنسان في وقتها في ركب جماعة المسلمين وإمامهم، واسمعوا إلى حديث حذيفة رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: "يا رسول الله إنا كنا في جاهليةٍ وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟" قال: « »، قلت: "وهل بعد هذا الشر من خير؟" قال: « » أي: فيه كدر، قلت: "وما دخنه؟"، قال: « »، قلت: "فهل بعد ذلك الخير من شر؟" قال: « »، قلت: "يا رسول الله صفهم لنا"، قال: « »، قلت: "فما تأمرني إن أدركني ذلك؟"، قال: « » قلت: "فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟"، قال: « » (رواه البخاري وغيره).
انظروا الصفة الأخيرة للحالة الأخيرة التي خشي هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه أن يصل إليها ما هي صفاتهم؟
الصفة الأولى:
« ».
تأملوا أحوال الأمة الإسلامية اليوم ما أكثر الدعاة على أبواب جهنم، دعاة بشتى الوسائل والطرق والأساليب، يدعون إلى المنكر وينهون عن المعروف، وقفوا يدعون الناس يريدون منهم أن يتركوا دينهم الحق، وأن يسيروا في ركابهم، فهم دعاة على أبواب جهنم.
الصفة الثانية:
أن هؤلاء الدعاة إلى الباطل ليسوا عجماً، ليسوا يهودًا ولا نصارى، ليسوا من بلاد بعيدة وإنما هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، هذه أعظم المصائب حينما يتحول من بيننا ومن جلدتنا ومن قبائلنا، ومن رجالاتنا، وممن يتكلم بلغاتنا، ولكن يتحولوا ويكونوا دعاة إلى المنكر يدعون إلى نار جهنم ألا ما أعظم الفتنة في مثل هؤلاء.
ما المخرج منها؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لحذيفة: « ».
نعم، الجماعة القائمة بالحق والإمام الشرعي تلزمه ولا تعدل عنه، لأن الحق مع هؤلاء الثابتين على طريق مستقيم، لكن إن لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام فلا يجوز للإنسان أن يخوض وأن يتصرف وإنما يترك الفرق كلها، لأنها ضالة منحرفة ولو كان فيها فرقة صالحة في بلده أو في وقته أو نحو ذلك لوجب عليه أن يلزمها.
فلزم جماعة المسلمين وإمامهم حتى تكون ممن نجا من الفتنة.
خامساً: التأصيل العلمي الصحيح:
ومن المخارج التأصيل العلمي الشرعي القائم على منهج الكتاب والسنة، وهذا لابد منه في وقت الفتن لأن كثيراً من الناس يخوض بغير علم، فيؤدي بهم هذا إلى أنواع من البلاء والتصرفات الطائشة وغيرها، إن مما يؤسف له أن تنتشر الخرافات والقصص والحكايات الموضوعة متى وقت الفتنة، ولهذا كانت تكثر القصاص حينما تكون فتنة.
روى ابن حبان في صحيحة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: "لم يكن يقص في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان إنما كانت القصص زمن الفتنة".
والقصص معناها: الروايات الموضوعة، فيتعلق الناس بهذه الروايات غير الصحيحة، فيؤدي بهم هذا إلى نهج غير المنهج الحق.
إن التأصيل الشرعي لابد منه لأمور:
1) أن الوصول إلى الحق والصواب لا يتم إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة.
2) أن هذا التأصيل يحمل الاجتهادات التي تمليها الظروف والأهواء، ويرجع الأمور إلى أصولها الصحيحة.
3) أن سرعة الأحداث في الفتن تؤدي ببعض الناس إلى سرعة التعامل معها ومن ثمة أصحابها، والحالة هذه أحرى أن يستبطئ التعامل معها في هدوء وروية وهذا ما يحتاجه الجانب الشرعي.
4) أن الإنسان تتغير أحواله وقت الفتنة، فهو بأشد الحاجة إلى قسر نفسه على الحق ولو كان مرًا، وانظر إلى تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من فتنة الدجال، فإن الرسول حذر منه حذراً شديدًا، حتى إن الصحابة خافوا أن يكون خرج عليهم في وقتهم ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم: « ».
فإن الرجل يسمع بالدجال فيقول في نفسه هذا هو الدجال الكذاب أنا أعرفه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « ».
إن التأصيل الشرعي لابد منه خاصة أوقات الفتن.