المخرج من الفتن 2-2
عبد الرحمن بن صالح المحمود
تناول الشيخ في مقاله السابق بعضاً من لمحات المخرج من الفتن وهاهو اليوم يتم ما تبقى من لمحات أسأل من الله أن ينفع بها.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
تناول الشيخ في مقاله السابق بعضاً من لمحات المخرج من الفتن وهاهو اليوم يتم ما تبقى من لمحات أسأل من الله أن ينفع بها.
سادساً: التزام الطائفة المنصورة:
التزام الطائفة المنصورة التي لا تضرها الفتنة، والتي يتكون أفرادها ممن وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم الغرباء فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: « ».
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: « ».
أي إن هذه الطائفة بوعد الرسول صلى الله عليه وسلم قائمة إلى قيام الساعة ووعده حق وصدق نعم إنها قائمة مهما أظلمت الفتن، ومهما تغيرت الظروف، ومهما ادلهم واقع المسلمين، ومهما حاصر المسلمين أعدائهم، إن هذه الطائفة قائمة منصورة.
صفات الطائفة المنصورة:
1ـ أنها قائمة بالحق صادعة به لا تهاب في الله ولا تخاف فيه، ولا يضرها من خالفها ولا من خذلها.
2ـ أنها سالكة مسلك السلف الصالح في نهجها العقدي والشرعي، فهي لا ترتكب بدعة ولا تلتزم منهجاً غير نهج المسلمين الصادقين.
3ـ أنها مجاهدة في سبيل الله.
4ـ أنهم غرباء يصلحون إذا فسد الناس ويصلحون ما أفسد الناس، فعلى المؤمن في كل وقت وفي وقت الفتن خاصة أن يسعى لأن يكون من هذه الطائفة الناجية المنصورة.
وقد يصل بالمسلمين في بعض البلاد أو في بعض الأزمنة أن تستحكم الفتنة فلا يجد الإنسان إماماً شرعياً، ولا يجد طائفةً قائمةً بالحق فماذا يصنع؟
ومثل هذه الحالة قد وقعت في بلاد الأندلس، مثلاً لما هاجم النصارى المسلمين أيام نهاية دولة الإسلام في الأندلس، ووقع أيضًا في بلاد المسلمين فيما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي، وفي شرق أوروبا حين امتحن الشيوعيون المسلمين حتى أصبح الواحد غريباً بين أهله وبين أقاربه، أيضًا ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، يقول عليه الصلاة والسلام: « ».
والهرج هو استحكام القتال غير الشرعي، ويقول صلى الله عليه وسلم: « ».
ويقول صلى الله عليه وسلم: « ».
سابعا:ًمعرفة الفتنه وتميزها:
أن تميز الأمور وأن لا تختلط الأوراق كما اختلط على المسلمين اليوم مصطلح الفتنة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه الصلاة والسلام، بيان لأنواع الفتن وأسبابها، والمخرج منها، وتعالوا نذكر جوانب من هذه الفتن التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن أشرنا إلى بعضها فمنها.
فتن ذكرت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
1ـ فشو المنكر وعدم إنكاره:
فشو المنكر وعدم إنكاره نعم، دعاة على أبواب جهنم وهذه فتنة وأي فتنة، ومنها التفرق والاختلاف القائم على البدع والأهواء وشهوات الدنيا، وأي فتنة أعظم من هذا.
2ـ وجود الأئمة المضلين:
ومنها أيضا وجود الأئمة المضلين الذين خافهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته فقال: « ».
حينما يكون هناك أئمة دعاة يضلون الناس ويدعونهم إلى المنكر وينهونهم عن المعروف فأي فتنه أعظم من هذا.
3ـ انتشار القتل:
ومن ذلك أيضاً حين يكون القتال لأجل الدنيا لا في سبيل الله تعالى، فأي فتنه أعظم من هذه حينما تزهق النفوس وتبحث عن الأسباب فلا تجد سبباً شرعياً وإنما تجد قتالاً على الدنيا، قيل لأحد الصحابة رضي الله عنه: "ألا تأتي فتقاتل وقت الفتنة؟" قال هذا الصحابي الجليل: "نحن قاتلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، وأنتم تريدون منا أن نقاتل حتى تكون فتنة؟" لأن القتال كان للدنيا.
4ـ فتنة الأموال والأولاد:
ومن ذلك فتنة الأموال والأولاد والنساء.
أخطر الفتن:
أولاً: فتنة الشرك بالله:
ألا وهي فتنة الشرك بالله والكفر به، والصد عن دينه، وهذا الشرك سواء كان بالكفر بالله وعبادة غير الله، أو برفض الحكم بما أنزل الله أو باستحلال المحرمات، أو غير ذلك، هذه من أعظم الفتن فكيف نحذرها أيها الإخوة المؤمنون؟ كيف نحذرها أيها الإخوة المؤمنون؟
ثانياً: مولاة الكافرين:
أن تقع مولاة من جانب المؤمنين للكفار دون المؤمنين، أن تختلط أوراق الولاء والبراء فلا تكون هناك مولاة بين المؤمنين، وإنما تكون هناك مولاة للكافرين ومعاداة للمؤمنين، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:51-52].
قال ابن جرير رحمه الله تعالى: "إن ذلك من الله خبر عن ناس من المنافقين كانوا يوالون اليهود والنصارى ويغشون المؤمنين، ويقولون نخشى أن تصيبنا دوائر، وأن تدور علينا دوائر إما لليهود وإما للنصارى وإما للشرك من عبدة الأوثان أو غيرهم على أهل الإسلام، أو تنز ل بالمنافقين نازلة فيكون بنا إليهم حاجة"، فيكون بنا إليهم حاجة أيها الإخوة المؤمنون، إن مولاة الكفار من دون المؤمنين فتنة بنص كتاب الله تعالى، يقول الله تبارك تعالى في كتابه العزيز بعد أن ذكر المولاة بين المؤمنين: {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73].
ماذا يقول المفسرون! يقول الطبري رحمه الله تعالى: عن ابن إسحاق: "إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير: أي يوالي لا المؤمن إلا المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به تكن فتنة في الأرض، أي شبهة في الحق والباطل ومرور الفساد في الأرض بتولي المؤمن الكافر دون المؤمن".
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى أي: "إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت الفتنة في الناس وهو التباس الأمر، واختلاط المؤمن بالكافر، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض".
تأملوا هذه الآية وتأملوا أقوال الشيوخ المفسرين فيها، وقارنوها بأحوال الأمة الإسلامية اليوم، وكيف انعكس الولاء والبراء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!! كيف انعكس الولاء والبراء فصارت الموالاة للكافرين والمعاداة للمؤمنين، اسمعوا وسائل الإعلام من أولها إلى آخرها، كيف ترون أن هذا المصطلح تحول إلى عداوة للمؤمنين في كل بقعة، وإلى ولاء للكافرين، ولاء للكافرين باسم السلام، ولاء للكافرين باسم المصالح المشتركة، ولاء للكافرين بأسماء شتى، وعداوة للمؤمنين باسم الأصولية والإرهاب وغير ذلك، وهي من أعاجيب مواقع الفتنة ومعانيها، وقد وردت في كتاب الله تعالى يقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام والذين معه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:4-5].
ما معنى الآية الأخيرة: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا}.
يقول ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: "ذكره مخبرًا عن إبراهيم خليله والذين معه يا ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، بل جحدوا وحدانيتك وعبدوا غيرك بأن تسلطهم علينا، فيروا أنهم على حق وأنا على باطل، فتجعلنا بذلك فتنة لهم"، ثم روى عن قتادة قال: "لا تظهرهم علينا فيفتنوا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق ٍهم عليه.
انتبهوا كيف صارت الفتنة وكيف تحولت الفتنة إلى أن يكون حال المسلمين حينما يرضون الهوان، ويتركون الجهاد في سبيل الله، فيتسلط عليهم الأعداء كما هو واقع الأمة الإسلامية اليوم، كيف يتحول هذا إلى فتنة تختلط فيها الأوراق، ويظن الكفار أنهم على الحق وليس الأمر يقف عند هذا الحد بل يتحول إلى أن يفتن بعض المسلمين، نعم والله إن بعض المسلمين لما رأى أهل الباطل منتصرين وأهل الحق متخاذلين قال في نفسه وربما قال بلسان مقاله، قال: لو كان هؤلاء مسلمين على حق لانتصروا، ولو كان أولئك على باطل لم يهزموا ولكن هؤلاء انتصروا، وهؤلاء واقعهم على تلك الحال، وهكذا تختلط الأحوال وتختلط الأمور، تدبروا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واحذروا مداخل الفتن، واعملوا بمخارجها، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.