(371) سورة الزخرف (2)
محمد علي يوسف
المنطق المريض في كل زمان ومكان، منطق الحكم من خلال الظاهر، وحتى هذا المنطق منقوص فاسد، فمن قال أن المستكبرين المختالين في الأرض بمشيتهم المغرورة وزخرفهم الزائل، هم الأعظم والأفضل؟ من قال أن معيار القوة والثراء هو المعيار الوحيد للحكم على الأشخاص؟
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
وإن سورة الزخرف تعرض نماذج صارخة للعقليات السطحية، والأنماط المادية التي تحكم على الأمور دائمًا من خلال المظهر الخارجي أو عرض الدنيا الزائل وحسب..
إنها أنماط لا يلفت انتباهها إلا الزخارف المبهرة، ولا تجذب أبصارها إلا الزينة البراقة والزخرف اللامع، إنهم يقيسون الحق والباطل من خلال مقياس العظمة الدنيوية، والمكانة والمنصب والثراء والنعيم: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31].
وهل هذه هي المشكلة؟
هل قضيتكم أنه ليس من زعماء مجتمعكم، أو من عظماء ماديتكم السطحية؟
وهل أنتم من تقررون وتقسمون رحمة الله؟ {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} [الزخرف:32].
إنه نفس المنطق المريض في كل زمان ومكان، منطق الحكم من خلال الظاهر، وحتى هذا المنطق منقوص فاسد، فمن قال أن المستكبرين المختالين في الأرض بمشيتهم المغرورة وزخرفهم الزائل، هم الأعظم والأفضل؟ من قال أن معيار القوة والثراء هو المعيار الوحيد للحكم على الأشخاص؟
إنه كذلك لدى هذا النمط السطحي المستخف، النمط الذي تبهره زينة قارون وقوة عاد، وعلو النمرود، النمط الذي يستخفه فرعون ومنطقه إذ ينادي ويقول يا قوم: {...أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي...} [الزخرف:51]، هذا هو ما أرادهم أن ينتبهوا إليه ثم سألهم: {..أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51].
إنه ترسيخ للحكم البصري المظهري، والتقييم القائم على أساس الرؤية الخارجية وحسب..
ولذلك كان القياس الذي ظنه منطقيًا: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52].
{فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف:53]. لقد قاس على نفس المعيار الذي ينبهر به خفيفو العقول في كل زمان، معيار المظهر الخارجي وزخرف الفعل والقول..
ومن يقيس على هذا الأساس يستحق بجدارة أن يتسلط عليه فرعون وأمثاله، فهم ممن قال الله فيهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54].
قوم فاسقين بمعيارهم الفاسد وحكمهم المنقوص وتصورهم المريض، الذي هيأ لهم ولأمثالهم أنهم يقسمون رحمة ربك! يعطونها لمن أعجبهم ويحرمون منها من حقروه ولم يبهرهم، ونسوا أو تناسوا أن الله هو من قسم بين الناس معيشتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وأن: {...رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32].