حماية العمل الاحتسابي من التشويه
أكد فضيلة الداعية الشيخ سعد بن ناصر الغنام أن ما يشاع من تزايد موجة الإلحاد في المملكة إنما هي حرب نفسية على أهل الإسلام لزرع اليأس في نفوس أبنائه. مؤكدًا في حوار له مع (المسلم) أن على أهل الإسلام أن لا يكتفوا بالدفاع في مواجهة الفساد الفكري والعقدي الذي يبثه أعداء الدين من خلال الإعلام الجديد بل عليهم السعي لتوضيح الغرض من هذه التقنية وتصحيح مسارها على عكس ما يخططون.
الشيخ الغنام: يجب حماية العمل الاحتسابي من التشويه.. التقارير التي تضخم حجم الإلحاد في السعودية حرب نفسية
أكد فضيلة الداعية الشيخ سعد بن ناصر الغنام أن ما يشاع من تزايد موجة الإلحاد في المملكة إنما هي حرب نفسية على أهل الإسلام لزرع اليأس في نفوس أبنائه. مؤكدًا في حوار له مع (المسلم) أن على أهل الإسلام أن لا يكتفوا بالدفاع في مواجهة الفساد الفكري والعقدي الذي يبثه أعداء الدين من خلال الإعلام الجديد بل عليهم السعي لتوضيح الغرض من هذه التقنية وتصحيح مسارها على عكس ما يخططون.
وقال الشيخ الغنام إن تشويه العمل الاحتسابي سيبقى ما بقي الصراع بين الحق والباطل، محذراً من إعطاء أهل الباطل مبررًا للتشويه بقدر الإمكان من خلال مراعاة الأولويات دون تضخيم الفروع على حساب الأصول، والغيرة المنضبطة والاستنارة بمواقف العلماء قديمًا وحديثًا.
وهذا نص الحوار:
- بدايةً: لا يخفى على فضيلتكم أنَّ أولوية العمل الدَّعوي الشَّبابي تتغير من وقت لآخر، فما أولوية العمل الدَّعوي الشَّبابي في الوقت الراهن؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
الأولويات يمكن حصرها في نقطتين اثنتين:
النُّقطة الأولى: التركيز على العلم الصحيح، وتقوية ثقتهم بدينهم أمام سلطان الشبهات، ومواجهة الشك والإلحاد.
النُّقطة الثانية: العناية بالإلهيات، وتنمية المراقبة في قلوبهم لمولاهم، خاصة في ظل عولمة الفجور والعري وتفجير الغرائز.
- ألا ترى أنَّ هاتين النقطتين تصلحان في كل وقت لمن يمارس العمل الدعوي مع الشباب، فماذا عن الوقت الحاضر؟ هل تستطيع أن تخُصَّهُم بأولوية معينة؟
ممكن بالاقتراب منهم أكثر، في ظل تخطُّفِهم من وسائل الإغراء والجذب، لا بد من التعامل معهم بطريقة جيدة؛ لجذبهم واللطف معهم، واستخدام العبارات الجاذبة وليس المنفرة، هذا مهم، كذلك إيجاد محاضن لهم تشبع هواياتهم ورغباتهم، ومن خلالها ممكن أن يلقَّحوا فكريًا وإيمانيًا، فتكون محاضن مكتملة، بحيث تلبى فيها رغبات الشباب، ومن خلالها تُقدَّم أفضل الصُّور في العمل الدَّعوي للشّباب، إن شاء الله تعالى مع مرور الأيام.
- وهل ترى حاجة إلى تغيير نوع الخطاب مع الشَّباب في هذا الوقت، بخلاف الخطاب الذي كان يخاطب فيه الشباب في العِقد الماضي والذي سبقه؟
أكيد دائمًا تجديد الخطاب ضروري، بحيث تؤلف كتب في هذا الصدد، ولكن المنهج ينبغي أن يبقى سائدًا ومستقرًا، فالمنهج ثابت والأساليب والطرق ممكن الاجتهاد بها، قال الله تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: من الآية42]. فالإغراق في تجديد الخطاب، الذي يؤدي إلى تمييع وتجاوز الأولويات في المشكلة إلى حد تجاوز الأولويات لا ينبغي. أما الآليات والأساليب لا بد من النظر في حاجات الشباب وتطلعاتهم، وإدراك التحديات التي تحيط بهم، لا بد من وضع هذه نصب العين.
- تقنيات الاتصال الحديثة، وتحديدًا الشبكات الاجتماعية أسهمت في الهجمة الشرسة على قيم المجتمع الأخلاقية والعقدية. فكيف يمكن مجابهتها؟
ما دام أهل الكفر ممسكون بقيادة العالم ماليًا وتقنيًا، فالمنتظر فسادٌ بجميع أنواعه، ولكن أهل الإسلام عليهم ألا يكتفوا بالدفاع، بل بالهجوم على فساد القوم فكريًا وأخلاقيًا، وتصحيح وتوضيح هذه التقنية في عكس ما يريدون.
- لعلكم اطلعتم على التقارير الخارجية، التي تشير إلى زيادة موجة الإلحاد في السعودية، والتي تصل بحسب تلك التقارير إلى 5 %، ما رأيكم في هذه التقارير، وما هو الغرض منها؟
أشك في هذه التقارير، صحيح أنَّ فيه موجاتٍ من الإلحاد والشك، ولكنها تبقى محدودة والحمد لله، وإن كانت تستدعي يقظة ودراسة، والغرض منها الحرب النفسية على أهل الإسلام بزرع اليأس، ولكنَّ الله عز وجل متم نوره ولو كره الكافرون.
- حسنًا!! كيف تقيِّمون زحفَ الفكرِ الإلحادي إلى السعودية إن وُجد؟
نختلف مع كلمة زحف، التي تشعر بالاجتياح، ولا تعدو أن تكون موجات أو موضات لبعض المهزومين فكريًا وروحيًا، ولا شك أنَّ هذه الموجات أو الموضات موجودة، والناظر في المعرفات الإعلام الجديد يدل على وجودهم، لكنها موجات لا تلبث أن تنكسر أمام صلابة التوحيد والعقيدة.
- يحاول البعض تشويه صورة الاحتساب، وربطه بسلوكيات سلبية. فكيف تحددون معالم الاحتساب بصورته الشرعية؟
سيبقى التشويه ما بقي الصراع بين الحق والباطل، خاصة من المنافقين الذين يدعون التصحيح، وهم العدو فاحذرهم كما قال عز وجل، ولكن لقطع الطريق يكون عيار المنافقين معالم نستخدمها في العمليات الاحتسابية:
1 – مراعاة الأولويات، وعدم تضخيم الفروع على حساب الأصول.
2 - إعمال قاعدة المصالح والمفاسد. ولابن تيمية وابن القيم درر ومواقف في باب المصالح والمفاسد.
3- الغيرة المنضبطة، وليس الحماس العاطفي، لا بد منها لترشيد العمل الاحتسابي.
4 – الاستنارة بمواقف العلماء قديمًا وحديثًا، وأذكر كتابًا لفاروق السّامُرّائي عن العلماء والاحتساب، ذكر مواقف العلماء في كيفية التعاطي مع الاحتساب، وذكر أشياء جميلة وحِكَم حقيقة يستفاد منها.
- في ظل محاولات التضييق على العمل الاحتسابي وتحجيمه. ما نصيحتكم للغيورين الذين يريدون ألا تعطل هذه الشعيرة؟
نصيحتي:
1 – الصبر وقراءة التاريخ قراءة بين السطور، لمعرفة الصراع بين الحق والباطل.
2 – الحرص على عدم إعطاء أهل الباطل مبررًا للتشويه بقدر الإمكان، ولا يلتقي هذا بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: كي لا يقول الناس إن محمدًا يقتل أصحابه.
3 – تطوير الأساليب مهم جدًا، وأذكر للشيخ عبد الله في محاضراته ورقة أو بحث في هذا الموضوع، يمكن الرجوع إليها، له ورقة في تطوير العمل الاحتسابي، حضرتها في ملتقى المحتسب.
- إلى أي مدى ترون أنَّ الاحتساب في صورته الحالية أثمر في أداء رسالته، بمعنى ما هو تقييمكم لثمار العمل الاحتسابي الآن؟
نعم أثمر ثمارًا طيبة، والشكر لله ثم لهؤلاء المحتسبين على وقوفهم في ظل انتشار الفساد والشر، ومع ذلك صامدون محتسبون، واقفون مع غلبة أهل الباطل، فمن الثمار إحياء هذه الشعيرة، التي هي إحدى تجليات الخيرية في هذه الأمة، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]. ومن الثمار أيضًا إلغاء وتأجيل كثير من المنكرات، التي ممكن تكون منحدراً في هلاك الأمة.
- بحُكْمِ خبرتكم المتميزة في الخطابة. هل ترون أن الوقت الراهن يفرض شكلاً معينًا على لغة الخطابة كنوع من التحديث مثلاً أو أن النمط التقليدي لا يزال هو الأنسب؟
الخطابة توفيق وموهبة وتطوير، وهذه النقاط الثلاث ينبغي على الخطيب أن يرتقي بأدائه مضمونًا وأسلوبًا، وأن يلاحظ القضايا التي يحتاجها الناس وتشغلهم، ويربطهم من خلالها بدينهم؛ ليشعرهم بصلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان، ولا بد أن ينمي ثقافته العامة، ولغته حتى يكسوَ خطبته بحلة مميزةٍ من الحلي المعبرة غير الوعرة.
- البعض يرى أن الخطاب الوعظي المبني على الترغيب والترهيب يخاطب العاطفة، في الوقت الذي يملي فيه الانفتاح العالمي مخاطبة العقل. فما رأيكم في ذلك؟
نعم مخاطبة العقل وحده، والعاطفة وحدها مشكلة، استجاشة العواطف وتحريك المشاعر منهج قرآني ونبوي، وشواهده كثيرة في الأصلين، ومخاطبة العقل أمرٌ مهم خاصة في هذا الوقت، الذي غلبت فيه الأفكار والدقة في المعلومات، فلا بد من إعطائه حجمه في غمرة الحديث عن قضايا الناس بالعاطفة، لا بد أن يُعطى العقل حجمه والعاطفة حجمها بحيث لا يطغى أحدها على الآخر.
- في نظركم ما الأفضل التركيز على المضامين التي تمس المسلمين عامة أم القضايا المحلية؟
الإغراق في أحدهما مشكلة الخطيب، لا بد أن يكون عالميًا، يشعر إخوانه بقربه منهم مع تباعد الأقطار، وألا ينزلق في طرح العلمانيين المنادين بما يسمى الدور القُطري، وتجاهل النمط الإسلامي ووحدة الأمة، وفي نفس الوقت لا بد أن يتحدث عن بلده وقضاياه من الأمن وغيرها وحاجات الناس؛ بالتالي يكون مقبولاً عند أهل بلده، وعند إخوانه في أنحاء الدنيا.
- فضيلة الشيخ: لديكم تنوُّع في العمل الدعوي في مدينتكم الخرج، هلا حدثتمونا عن تجربتكم في العمل الدعوي في الخرج وتجربتكم مع الديوانية.
رأيي كرأي مشايخنا وعلمائنا، أنَّ أهم شيء في الداعية أن يكون قريبًا من الناس، في قضاياهم في مصابهم في أفراحهم، النزول إليهم والجلوس معهم، كلها من أسباب قبول الداعية، وتأثيره في الناس، أنا أحاول مجتهدًا أن أكون قريبًا من الناس، حتى بعض إخواني الدعاة جزاهم الله خيرًا يقولون: كيف يتسع وقتك للكلمات والمحاضرات وانشغالك في قضايا الناس؟ فأقول: إن الإنسان إذا اجتهد في وقته، وجعله لله سبحانه وتعالى يبارك له فيه وفي جهده، ثم هذا المنهج ليس جديدًا لتوه ينتشر، بل هذا منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت المرأة تأخذه ليقضي حاجتها، مع أنه رجل أمة غيّر التاريخ كله عليه الصلاة والسلام، ويتّسع وقته لقضايا الناس الصغيرة التي تشغلهم؛ لأنَّ تكوين الأمة يبدأ من هؤلاء الأشخاص، والحنوِّ عليهم والاقتراب منهم، فجزء من عملنا الدعوي هو الاقتراب من الناس ومساعدتهم في مصابهم ومشاركتهم في أفراحهم.
إلقاء الكلمات في المساجد أمرٌ مهم جدًا للوصول إلى الناس، أنا أذكر عبارة لعبد البديع صقر، أنه إذا انتظر الداعية أن يأتيه الناس ليعلمهم ويدعوهم، قد لا يأتيك أحد، فالناس في حاجة إلى الوصول إليهم في أحيائهم في تجمعاتهم، ولذلك لما يأتي لهم الداعية يفرحون،لم نخط هذه الخطوات، إلا لأني أحبكم في الله، فالكلمات الطيبة لها تأثير كبير في استمالة الناس للداعية، كلمة عشر دقائق ربع ساعة أقل أكثر يكون لها أثر، كذلك الدروس العلمية التي فيها المناهج المنبثة للناس، من خلال الكتب المعتمدة والمناهج المرعية، ويكون للداعية طلاب يحملون علمه، ويكون صدقة جارية له بعد موته، ويوسعون أثره، والهدف هو نشر الخير للناس، وليس نشر سيرة فلان.
أما بالنسبة للديوانية فهي فضل من الله سبحانه وتعالى، عمرها ثلاث سنوات، سبقها سنة للتخطيط والدراسة، وهي مختصة بالأفكار، وسماها سعد الغنام: (الديوانية الفكرية) لما رأينا مع إخواننا حاجة الناس إلى محضن فكري في ظل تدفق الأفكار، وموجات الشك والإلحاد التي تتخطف بعض الناس، فالديوانية تُطرَح فيها الأفكارُ، ويُعرَف فيها الصحيحُ، ويُعاد بها على الزائر، وقد تمت استضافة قامات فكرية ودعوية لمواضيع فكرية حساسة، زلت فيها أقدام وثبت فيها عقول، من المواضيع التي طُرحت: موضوع البناء الفكري، طُرِحَ مرّتين، أتانا فيهما ضيفان. المرة الأولى: كان اللقاء الأول مع الدكتور: ناصر الحنيني، والمرة الثانية: مع الدكتور خالد....
من خلال البناء الفكري، والنوازل الفكرية عند الدكتور: بندر الشويلي، والتحولات الفكرية عند الدكتور: محمد السعيدي، ونظرية المؤامرة للدكتور: علي النملة، والحرية عند الدكتور فهد العجلان، ومائة سنة من التغريب للدكتور: عبد الرحمن المحمود، وفوبيا الإسلام لأحمد الصويان، وكيف تحقق هدفك في الحياة للشيخ الدكتور: ناصر العمر وغيرهم كثير.
ولها حضورها والحمد لله حضورًا مميزًا، والحمد لله كان الحضور جِدًّا مشجِّعًا، وتم انتقال فكرة الديوانية لبعض المناطق الأخرى، صار لها سمعة حسنة وأثر طيب، واهتدى فكريًا الكثير بسبب الموضوعات المهمة، ونأمل إن شاء الله تعالى أن تتطور أكثر ويكون لها حضور أكثر.
محمد لافي| 30/10/1435 هـ
- التصنيف:
- المصدر: