الخير: ما زاد نفعه على ضرّه
الهداية من عند الله أولاً وآخرًا، فقط ليكن طرحك أنت منطقيًا، غير حبيس أسوار طباعك وفهمك الضيق! وعمّم هذا على كثير جدًا من القضايا التي لم نتجاوز فيها طرحًا منغلقًا ممجوجًا..
قال الإمام ابن العربي: "حقيقة الخير أنه ما زاد نفعه على ضرّه، وحقيقة الشر ما زاد ضرّه على نفعه..
وأنّ خيراً لا شرّ فيه هو الجنّة، وشرًّا لا خير فيه هو جهنم".
لكم استوقفتني تلك المقولة العبقرية متأملاً..
ورأيت أحوج الناس إليها هم الدعاة إلى الله؛ فلكم نسىء بطرحنا المبالِغ، أو غير الواقعي كثيرًا إلى دعوتنا الشريفة، وإلى أناس حجبهم سوء فهمنا عن الهداية!
أذكر يومًا ركبت وصاحبٌ لي سيارة أجرة في المقعدين الأماميين، كان السائق رجلاً مسنًا على وجهه أثر صلاح وصلاة.. تحركت السيارة قليلاً ثم مدّ يده للمسجل لتصدح (الست أم كلثوم)، ويهز الرجل رأسه طربًا.. وينتفض صاحبي كأن عقربًا لدغته! نغزته في يده ليصمت، لكن السائق لاحظ امتعاضه فقال ملاطفًا: "والله يا ابني بحب ربنا ورسوله.. وأما بسمع الست بكون مع الله برضه"!
وهنا لم يتمالك صاحبنا نفسه فوجه للرجل خطبة وعظية من جنس: "رقية الزنا، ونبتة النفاق في القلب، والآنك يصب في الأذن يوم القيامة"، أغلق الرجل المسجل حياءً لا اقتناعًا، ومضى مع رغبة لم تخفني في وجهه أن ينزلنا أو نعجل نحن بالنزول في أول محطة!
ذكرتني مقولة ابن العربي بهذا الموقف، وغيره..
هؤلاء الذين يدمنون الموسيقى (الراقية) -ولا يجادل (غير بليد حس) أن من الموسيقى ما له فعل الخمر في الرأس، وسمو الصفاء في النفس- هل يناسبهم أن يكون الخطاب الدعوي محصورًا في أنها مزامير الشيطان، ورقية إبليس؟!
ستصر على أن (صوت الست) رقية الزنا، بينما عم الحاج يجد فيها طربًا لروحه، وصفاء لنفسه -عبّر عنه مخطئا بقوله: "بكون مع الله"!-، ثم لعله أحرص على صلاة الفجر منك..
ستتشنج موضحًا أن الموسيقى مضيقة للصدر، وانتكاسة في الذوق، وباعثة على الفجور، بينما صاحبنا يجد راحته فيها، وهو بالفعل صاحب ذائقة بشهادة الجميع -إلا أنت-، ثم قد تجده من أرق الناس وأجملهم خلقًا!
ماذا لو كان كلامنا للسائق وهؤلاء السميعة الذواقين: "الست فعلاً صوتها غير عادي.. وبتعيش الواحد حالة تانية! مش زي (عيال) اليومين دول، والموسيقى فعلاً لها في النفس عمل، مش زي الخبط والرزع اللي بوظ أذواق الناس.. ومن أجل هذا حرّمت، ونهانا عنها النبي..
عشان ما تشغلنا عن القرآن وذكر الله..
عشان لو كل حاجة بنحبها عملناها وأصبحنا أسرى لها -بصرف النظر عن مراد الله- لم نعد عبيدًا كما يرضيه..
عشان لما نسيب حاجة بنحبها لله هنستمتع بها في الجنة كاملة تامة..".
اقتنع بهذا أو لا، ليست مسؤوليتك؛ فالهداية من عند الله أولا وآخرًا، فقط ليكن طرحك أنت منطقيًا، غير حبيس أسوار طباعك وفهمك الضيق! وعمّم هذا على كثير جدًا من القضايا التي لم نتجاوز فيها طرحًا منغلقًا ممجوجًا..
خير لا شر فيه.. هو الجنة.
شر لا خير فيه.. هو جهنم.
اللهم الجنة، وباعد بيننا وبين جهنم.
- التصنيف: