(7) حكمة الله تعالى في البلايا الشديدة
إياد قنيبي
على فرض أن بلاء شديدًا حل بالمؤمن فجأة، رأيت كيف أنه تعالى يمنح عبده المؤمن مذاقات تذاق ولا توصف! تماماً كطعم الفاكهة ورائحة العطور، لو طلبت منك أن تصف لي طعم البرتقال أو التفاح أو رائحة الياسمين أو الريحان... هل تستطيع؟ هذه مذاقات تذاق ولا توصف...
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - العقيدة الإسلامية - التقوى وحب الله - تربية النفس - تزكية النفس - أعمال القلوب -
- لا زلنا نتكلم عن حكمة الله عز وجل. وكيف أنك عندما تتأمل حكمته تعالى في الابتلاء يكون ذلك سبباً في زيادة محبة الله.
- قبل تجربة الأسر كنت أتساءل: كيف يصبر المؤمنون الذين يبتليهم الله بابتلاءات شديدة. كنت أؤمن بقدرته تعالى على تصبيرهم لكن أتمنى أن يطمئن قلبي. وعندما خالطت نماذج من هؤلاء الناس كان من نعمة الله علي أن فهمت كيف يصبرون. فأورثني ذلك سلامة صدر تجاه أقدار الله تعالى.
- رأيت أولاً أن من حكمة الله تعالى أنه لا يبتلي عباده المؤمنين بقواصم ظهر لا يتحملونها، بل ببلاء يتناسب مع إيمانهم. روى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: «
».- ثانيًا: رأيت أنه تعالى يرفق بعباده المؤمنين فيتدرج في ابتلائهم، يبتلى على قدر الإيمان، ثم يصبر، فيزيد الصبرُ الإيمانَ إلى درجة تؤهله لتحمل ابتلاء أشد، يبتليه الله ذلك البلاء، ثم يصبر، وهكذا... فيبقى البلاء يمتزج بالإيمان فيرتقيان بالعبد في المنازل إلى درجة ما كان يحلم بها ولا يتصور أنه أهل لها في بداية بلائه!
- ثالثًا: حتى على فرض أن بلاء شديدًا حل بالمؤمن فجأة، رأيت كيف أنه تعالى يمنح عبده المؤمن مذاقات تذاق ولا توصف! تماماً كطعم الفاكهة ورائحة العطور، لو طلبت منك أن تصف لي طعم البرتقال أو التفاح أو رائحة الياسمين أو الريحان... هل تستطيع؟ هذه مذاقات تذاق ولا توصف.
- كذلك فإن عباد الله هؤلاء الذين لا تتصور كيف يصبرون ذاقوا طعم السكينة والأنس بالله وتعلق القلب به والرضا بقضائه، هذه المعاني مذاقات، تذاق ولا توصف. ذقت في تجربتي شيئًا منها فعرفت أثرها، لكني في الأسر خالطت أناسًا أحسبهم خيرًا مني وأكثر عيشاً لهذه المعاني مني.
- كانت بلاياهم شديدة أشد من بلائي بكثير، ولكن وجوههم مع ذلك كانت تشرق بالرضا والبشر والسكينة، وألسنتهم تلهج بحمد الله واستصغار صبرهم ما دام لوجه الله تعالى. بل إن أحدهم قال لي : "إني، وأنا أدعو الله بالفرج، أكاد أحياناً أسأل الله ألا يستجيب دعائي، لما أتذكره من عظيم أجري حينئذ في الدار الآخرة"!
- كنت أذكر لهذا الأخ أني أحسن الظن بالله تعالى أنه سيجعل لي فرجًا ومخرجًا قريبًا فكان يقول لي: هذا جميل ولكني أريد لك مستوى أرقى من ذلك: أريدك أن تستمتع بنعمة البلاء! تستمتع بنعمة البلاء! لم أفهم كلمته هذه في حينها لكني بدأت أعيشها بعد فترة من استمرار تجربة الأسر.
- لقد رأيت في تجربتي طرفًا من حكمة الله في الابتلاء، بدا البلاء خفيفًا في البداية وظننت أنه سيزول قريبًا، ظننت أني لن أبقى في الأسر إلا أيامًا، صبرني الله واشتد عودي فزاد البلاء، وكلما اشتد كانت تنزل من الله سكينة تصبر. فالحمد لله الحكيم الرحيم.
- هذه المذاقات العجيبة إن لم تذقها فلك أن ترى آثارها: سحرة فرعون السبعون (ذكر هذا العدد ابن أبي حاتم عن ابن عباس) ما كان لهم هم إلا {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:41]، وعاشوا على ذلك سنين طويلة... ثم ما هي إلا لحظة من الهدى واليقين والصبر والسكينة جعلتهم جبالاً رواسي أمام التهديد بالتقطيع والتصليب يقولون لفرعون: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:72-73]، أناس دنيويون طينيون في لحظة ذاقوا فيها هذه المذاقات التي لا توصف تحولوا إلى عمالقة تعلقت أرواحهم بالدار الآخرة لا يرجون من بشر نفعاً ولا يخافون ضرًا.
فإذا رأيت أناساً صالحين يبتلون بلايا شديدة، وثارت في صدرك تساؤلات عن حكمة الله في ابتلائهم! فقل: "عليَّ نفسي. هل وكلني هؤلاء الصابرون كي أتظلم لله نيابة عنهم؟ بل هم لم يشكوا ربهم سبحانه لأحد. فإن كانوا راضين بقضاء الله فما شأني أنا؟ فالله أرحم بهم مني".
خلاصة الحلقة: من حكمة الله تعالى أن يمنح أصحاب البلايا الشديدة مذاقات لا توصف.