الفراغ ومسؤولية الأسرة

منذ 2014-09-20

في بداية الحوار المفتوح ينبغي على المربين أن يتوسعوا قبل بدء الحوار وطرح الأفكار والمقترحات أن يتوسعوا في مناقشة أبنائهم في المفاهيم الآتية؟

كتبت وكتب غيري الكثيرون عن مشكلة الفراغ، وكيف تؤرق الآباء والأمهات، ومحاولات الجميع للتخلص من هذا  الجميل المخيف، وقُدِّمَتْ مقترحاتٌ وحلول لهذه المعضلة، كما أدلى بعضهم في تحليل المشكلة.

مبينًا أسبابها ومظاهرها وكيفية التخلص منها، والشكر موصول للجميع على اهتمامهم بها، والمساهمون في الحل يودون إدخال البهجة على الأبناء، والتخفيف من ضغط الفراغ الذي يتولد من خلال الراحة التي يتمتع بها الطلبة بعد الانتهاء من أعمالهم، مما يسبب في إرهاق المربين الذين لا يملكون برامج تشغل الوقت الفائض لدى أبنائهم.

وفي اعتقادي أن الأبوين تقع عليهما المهمة الكبرى في ملء الفراغ، إضافة إلى العوامل المساعدة التي اقترحها الكتاب والمربون لذلك اقترح على الآباء أو الأمهات أن يفتحوا حوارًا مع أولادهم، ويشاركوهم في طرح الأفكار التي تسهم في شغل الفراغ، وأن يكون دور الأبوين المشاركة علاوة على ترشيد مقترحات الأبناء لتكون في نهاية الأمر في سلوك أعمال مفيدة، ومنشطة، ومروحة، ومنضبطة، وقابلة للتنفيذ، ومراعية ظروف الآباء والأمهات، على أن تؤدى على شكل برامج ومراحل حتى لا يشعر الجميع بالملل.

 

في بداية الحوار المفتوح ينبغي على المربين أن يتوسعوا قبل بدء الحوار وطرح الأفكار والمقترحات أن يتوسعوا في مناقشة أبنائهم في المفاهيم الآتية؟


لماذا خلقنا الله؟ وماذا يريد منا الخالق جل في علاه؟ وكيف نحقق عبوديتنا له؟ وهل منهجه الذي قرر علينا يسعدنا؟ وهل عمل الدنيا يتعارض مع عمل الآخرة؟ أم أنهما طريقان يصنع أحدهما الآخر؟ وهل العمل للدنيا فقط يحقق السعادة على الرغم من أنها زائلة!

ثم ما الإنسان؟ وما حقيقته؟ ووظيفته وما سر وجوده؟ وكيف يرسم المسلم صورة حياته في العالم الآخر؟ وما علاقة المؤمن بخالقه؟ وما حق نفسه عليه؟ وما حق الآخرين؟ وهل خلق الإنسان عبثًا؟ وما أهم مطلوب منه؟ وهل توازنه في حياته وأداؤه لكافة الحقوق يتعارض مع نعيم الدنيا المباح؟

بل ما مركزية الإنسان في هذا الملكوت؟ وهل القصد من تعاليم الدين مجرد حركات لاروح فيها ولا تهدف إلى شيء؟

أسئلة صعبة هينة، ولكن لابد منها ليشبع الإنسان فراغ روحه قبل جسده، ولن يقضي على الفراغ القاتل المقلق الموتّر، إلا إذا أشبع رغبات روحه قبل جسده على الرغم من أهمية الأخيرة.

 

إن على الأولاد أن يفهموا أن دينهم هو منظومة من القيم والمبادئ والأخلاق إذا تعززت في أنفسهم، انتهت مشكلة الفراغ في حياتهم، ولا سيما إذا استيقنوا أن سعادة البشر منوطة بإلتزامهم بهذه القيم والأخلاق والمبادئ التي ينبغي عليهم أن يدعوا إليها بسلوكهم أكثر من ألسنتهم.

إذا علم هذا الطالب والطالبة كل هذا، وعمل به حقيقة، ومارسه عملًا؛ فبذا لا يجد وقتًا لا يعرف كيف يقضيه؛ بل ربما ينقضي عمره ولا تنقضي آماله وتطلعاته، وبناء على هذا ينزاح عن كواهل المربين أثقال من الهموم والمتاعب التي كانت تُقِضُّ مضاجعهم؛ كلما جاءت العطلة، أو كلما حاروا كيف يملؤون أوقات أولادهم.

 

إن ما طرحته لا يلغي أي مشروع يهدف إلى إشباع رغبات الأبناء في نزهة يودون القيام بها أو رحلة داخلية أو خارجية يحققونها. أو ممارسة هواية يستمتعون بها، أو علاقات اجتماعية يسعون لبنائها. وليس ما طرحته خطبة جمعة، أو محاضرة، أو ندوة، أو حديثًا مملًا مكررًا بقدر ما هو ترياق لمشكلاتنا كلها ومنها مشكلة الفراغ.  

إن نجاح الفكرة يتوقف على جدية المربين وتضحيتهم بكثير من أوقاتهم ورغباتهم في سبيل إشباع مطالب الكينونة البشرية بما هو مسعد لها.

الأبوان هما خير من يملأ الفراغ في الدرجة الأولى، فإذا أسسا حياتهما على هذا، هان عليهما التطبيق، وإن غرس ثقافة الآخرة لهو أفضل ما يخفف التعب، ولا سيما إذا أيقنا أن السعادة الدنيوية والأخروية بها.

إن لذائذ الجسد وقتية، وسريعة الزوال، وإن سعادة الروح هي الباقية والأصل، والجسد خادم أمين لها، وبهذا المفهوم الشامل نعرف معنى قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].

فكيف يشقى الأبوان لإسعاد أبنائهما في حياة فانية، ولا يهمهما أمر الباقية!!!

إن الأبناء أمانة! ونحن رعاة لهم فهل يخدع الراعي رعيته؟! أجل إنها مهمة شاقة! ولكن لابد منها، والحديث عنها ليس موعظة مؤقتة، بقدر ما هو برنامج حياة يملأ حياة الإنسان، ولا يدع عنده فراغًا يشكو منه. وإلا فإن ربنا لما قال مخاطبا الابن: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24] ، لاحظ الآية جيدًا، وأعمل عقلك فيها؛ فالولد وجوده ليس نتيجة لقاء غريزي بين الأبوين (وهو حاصل)؛ فيكون جنينًا بإذن الله؛ فحسب، بل هو مشروع حياة لهما عليهما أن ينجزاه وفق ما يريد الله سبحانه، ولا يتركاه للأهواء والنزوات، وعدم المتابعة والملاحظة ولجم التعزيز والتأديب، وبهذا يستحقان من الولد قوله تعالى: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.

إنني في هذا المقال لا أتفلسف بقدر ما أريد فعلًا  أن أساهم في حل مشكلة بشكل جذري وفق رؤية شرعية، ورسالة سماوية ملأت قلوب الناس وعقولهم وأرواحهم، سواء على مستوى الفرد أم الجماعة، وحقق هذا الإسلام هدفه من وجوده على يد رجال ونساء وشباب وشابات لا يعرفون للفراغ وجودًا في حياتهم، فهم أكبر من الفراغ.

وإن من يعتقد أن الحل في إشباع هوايات مطلوبة ومشروعة دون الالتفات إلى أصل المشكلة، هو واهم!

فأين المتعظون؟!

 

مالك فيصل الدندشي

12 شوال 1435 هـ

المصدر: موقع لها أونلاين
  • 2
  • 0
  • 3,024

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً