(48) الولاية على الحج (2)
إنْ فَعَلَ أَحَدُ الْحَجِيجِ مَا يَقْتَضِي تَعْزِيرًا أَوْ يُوجِبُ فِعْلُهُ حَدًّا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُهُ وَلَا حَدُّهُ؛ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ فَلَهُ تَعْزِيرُهُ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا.
- التصنيفات: السياسة الشرعية -
الباب العاشر: الولاية على الحج (2)
وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِوِلَايَتِهِ وَيَكُونُ نَظَرُهُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا، وَسَادِسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ:
أَحَدُهَا: إشْعَارُ النَّاسِ بِوَقْتِ إحْرَامِهِمْ، وَالْخُرُوجُ إلَى مَشَاعِرِهِمْ؛ لِيَكُونُوا لَهُ مُتَّبِعِينَ، وَبِأَفْعَالِهِ مُقْتَدِينَ.
وَالثَّانِي: تَرْتِيبُهُمْ لِلْمَنَاسِكِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فِيهَا فَلَا يُقَدِّمُ مُؤَخَّرًا وَلَا يُؤَخِّرُ مُقَدَّمًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مُسْتَحَبًّا.
وَالثَّالِثُ: تَقْدِيرُ الْمَوَاقِفِ بِمَقَامِهِ فِيهَا وَمَسِيرِهِ عَنْهَا، كَمَا تُقَدَّرُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ.
وَالرَّابِعُ: اتِّبَاعُهُ فِي الْأَرْكَانِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا، وَالتَّأْمِينُ عَلَى أَدْعِيَتِهِ بِهَا؛ لِيَتَّبِعُوهُ فِي الْقَوْلِ كَمَا اتَّبَعُوهُ فِي الْعَمَلِ، وَلِيَكُونَ اجْتِمَاعُ أَدْعِيَتِهِمْ أَفْتَحَ لِأَبْوَابِ الْإِجَابَةِ.
وَالْخَامِسُ: إمَامَتُهُمْ فِي الصَّلَوَاتِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي شُرِعَتْ خُطَبُ الْحَجِّ وَجَمْعُ الْحَجِيجِ عَلَيْهَا، وَهُنَّ أَرْبَعٌ: فَالْأُولَى مِنْهُنَّ وَهِيَ أَوَّلُ شُرُوعِهِ فِي مَسْنُونَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ إحْرَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخَّرَ إحْرَامَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَيَخْطُبَ بَعْدَهَا، وَهِيَ الْأُولَى مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ الْأَرْبَعِ مُفْتَتِحًا لَهَا بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَالتَّكْبِيرِ إنْ كَانَ مُحِلًّا، وَيُعَلِّمُ النَّاسَ أَنَّ مَسِيرَهُمْ فِي غَدٍ إلَى مِنًى؛ لِيَخْرُجُوا إلَيْهَا فِيهِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنَ الْعَشْرِ، فَيَنْزِلُ بِخَيْفِ مِنًى بِبَنِي كِنَانَةَ؛ حَيْثُ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَيَبِيتُ بِهَا وَيَسِيرُ بِهِمْ مِنْ غَدِهِ وَهُوَ التَّاسِعُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى عَرَفَةَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَيَعُودُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلْيَكُنْ عَائِدًا مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ؛ فَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى عَرَفَةَ نَزَلَ بِبَطْنِ عَرَفَةَ وَأَقَامَ بِهِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، ثُمَّ سَارَ مِنْهُ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِوَادِي عَرَفَةَ، يَخْطُبُ بِهِمْ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْخُطَبِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْنِ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةُ عَرَفَةَ، فَإِذَا خَطَبَهَا ذَكَّرَ النَّاسَ فِيهَا مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ، وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَ الْخُطْبَةِ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَيَقْصُرُهُمَا الْمُسَافِرُونَ وَيُتِمُّهَا الْمُقِيمُونَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمْعِهِ وَقَصْرِهِ، ثُمَّ يَسِيرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ الْمَوْقِفُ الْمَفْرُوضُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
»[1].وَحَدُّ عَرَفَةَ مَا جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ الَّذِي فِيهِ الْمَسْجِدُ، وَلَيْسَ الْمَسْجِدُ وَلَا وَادِي عَرَفَةَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ عَلَى عَرَفَةَ كُلِّهَا، فَيَقِفُ مِنْهَا عِنْدَ الْجِبَالِ الثَّلَاثَةِ: النَّبْعَةُ وَالنُّبَيْعَةُ وَالتَّائِبُ، فَقَدْ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضِرْسٍ مِنَ التَّائِبِ، وَجَعَلَ رَاحِلَتَهُ إلَى الْمِحْرَابِ، فَهَذَا أَحَبُّ الْمَوَاقِفِ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ فِيهِ، وَأَيْنَمَا وَقَفَ مِنْ عَرَفَةَ وَالنَّاسُ أَجْزَأَهُمْ، وَوُقُوفُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ أَوْلَى، ثُمَّ يَسِيرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُزْدَلِفَةَ مُؤَخِّرًا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَيَؤُمُّ النَّاسَ فِيهِمَا، وَيَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَحَدُّهَا مِنْ حَيْثُ يَفِيضُ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ، وَلَيْسَ الْمَأْزِمَانِ مِنْهَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ إلَى قَرْنِ مُحَسِّرٍ، وَلَيْسَ الْقَرْنُ مِنْهَا، وَيَلْتَقِطُ النَّاسُ مِنْهَا حَصَى الْجِمَارِ بِقَدْرِ الْأَنَامِلِ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، وَيَسِيرُ مِنْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَوْ سَارَ قَبْلَهُ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ الْمَبِيتُ بِهَا رُكْنًا، وَيَجْبُرُهُ دَمٌ إنْ تَرَكَهُ، وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنَ الْأَرْكَانِ الْوَاجِبَةِ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَيَقِفُ مِنْهُ بِقُزَحَ دَاعِيًا، وَلَيْسَ الْوُقُوفُ بِهِ فَرْضًا، ثُمَّ يَسِيرُ إلَى مِنًى فَيَبْدَأُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ تِسْعَ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يَنْحَر.
وَمَنْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا مِنَ الْحَجِيجِ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ يَفْعَلُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِهَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ، وَيَسْعَى بَعْدَ طَوَافِهِ إنْ لَمْ يَسْعَ قَبْلَ عَرَفَةَ، وَيُجْزِئُهُ سَعْيُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ، وَلَا يُجْزِئُهُ طَوَافُهُ قَبْلَهَا، ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا وَهِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ الْأَرْبَعِ، وَيَذْكُرُ لِلنَّاسِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ، وَحُكْمِ إحْلَالِهِمْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَمَا يَسْتَبِيحُونَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، إنْ كَانَ فَقِيهًا قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسُّؤَالِ، وَيَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَتَهُ وَيَرْمِي مِنْ غَدِهِ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ يَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةٍ، كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، وَيَبِيتُ بِهَا لَيْلَتَهُ الثَّانِيَةَ، وَيَرْمِي مِنْ غَدِهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ الْخُطْبَةَ الرَّابِعَةَ، وَهِيَ آخِرُ الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْحَجِّ، وَيُعْلِمُ النَّاسَ أَنَّ لَهُمْ فِي الْحَجِّ نَفْرَتَيْنِ خَيَّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا بِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى} [البقرة:203].
وَيُعْلِمُهُمْ أَنَّ مَنْ نَفَرَ مِنْ مِنَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِهِ هَذَا سَقَطَ عَنْهُ الْمَبِيتُ بِهَا، وَالرَّمْيُ لِلْجِمَارِ مِنْ غَدِهِ، وَمَنْ أَقَامَ بِهَا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِهَا وَالرَّمْيُ فِي غَدِهِ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْإِمَامِ بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ أَنْ يَنْفِرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَيُقِيمَ لِيَبِيتَ بِهَا، وَيَنْفِرُ فِي النَّفْرِ الثَّانِي مِنْ غَدِهِ فِي يَوْمِ الْحَلَّاقِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، فَلَمْ يَنْفِرْ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْمَنَاسِكِ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ حُكْمُ النَّفْرِ الثَّانِي انْقَضَتْ وِلَايَتُهُ، وَقَدْ أَدَّى مَا لَزِمَهُ، فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوِلَايَتِهِ.
وَأَمَّا السَّادِسُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: إنْ فَعَلَ أَحَدُ الْحَجِيجِ مَا يَقْتَضِي تَعْزِيرًا أَوْ يُوجِبُ فِعْلُهُ حَدًّا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُهُ وَلَا حَدُّهُ؛ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ فَلَهُ تَعْزِيرُهُ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا، وَفِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ، وَفِي الْآخَرِ لَا يَحُدُّهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْحَجِيجِ فِيمَا تَنَازَعُوهُ مِنْ غَيْرِ أَحْكَامِ الْحَجِّ، وَفِي حُكْمِهِ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَنَازَعُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ؛ كَالزَّوْجَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي إيجَابِ كَفَّارَةٍ لِلْوَطْءِ وَمُؤْنَةِ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّانِي: لَا يَحْكُمُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُ الْحَجِيجِ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ، فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ بِوُجُوبِهَا، وَيَأْمُرَهُ بِإِخْرَاجِهَا، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ إلْزَامُهُ لَهَا، وَيَصِيرُ خَصْمًا لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَيَجُوزُ لِوَالِي الْحَجِّ أَنْ يُفْتِيَ مَنِ اسْتَفْتَاهُ إذَا كَانَ فَقِيهًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ مَا يَسُوغُ فِعْلُهُ إلَّا فِيمَا يَخَافُ أَنْ يَجْعَلَهُ الْجَاهِلُ قُدْوَةً، فَقَدْ أَنْكَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لُبْسَ الْمُضَرَّجِ فِي الْحَجِّ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِكَ الْجَاهِلُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ فِي الْمَنَاسِكِ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَوْ أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَهُوَ حَالٌّ غَيْرُ مُحْرِمٍ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَصَحَّ الْحَجُّ مَعَهُ، وَهُوَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ مُصَلٍّ لَهَا، وَلَوْ قَصَدَ النَّاسُ فِي الْحَجِّ التَّقَدُّمَ عَلَى إمَامِهِمْ فِيهِ وَالتَّأْخِيرَ عَنْهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالَفَةُ الْمَتْبُوعِ مَكْرُوهَةً، وَلَوْ قَصَدُوا مُخَالَفَتَهُ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِمْ صَلَاتُهُمْ؛ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَانْفِصَالِ حَجِّ النَّاسِ عَنْ حَجِّ الْإِمَامِ.
__________
(1) (رواه مالك في موطئه، كتاب الحج [886])، قال الحافظ ابن حجر: حديث: «
» (رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن يعمر قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات، وأتاه ناس من أهل ند فقالوا: يا رسول الله كيف الحج، فقال: « » لفظ أحمد، وفي رواية لأبي داود: « »، وألفاظ الباقين نحوه، وفي رواية للدارقطني والبيهقي: « ». (تلخيص الحبير: [2/ 255]).
الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث - القاهرة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]