حكم الدعاء عند القبور
خالد بهاء الدين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما إجابة الدعاء؛ فقد يكون سببه اضطرار الداعي وصدق التجائه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمرًا قضاه الله لا لأجل دعائه وقد يكون له أسباب أخرى، وإن كانت فتنة في حق الداعي! فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون وينصرون ويعافون، ويرزقون مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها! وقد قال الله تعالى: {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً}.
- التصنيفات: الشرك وأنواعه - النهي عن البدع والمنكرات -
الحمد لله وحده..
عن (استحباب الدعاء عند القبور) وأن (استجابة الدعاء عندهم مجربة).
كتبت هذا تعليقًا على بعض المنشورات، ثم رأيت إفراده بالنشر بدل التعليق فقط.
1- قد صنف الناس في الدعاء ومواضعه ومستحباته، وأمكنته وأزمنته، فلا أعلمهم ذكروا استحباب الدعاء عند القبر، كحكم شرعي تكليفي يستدل له (كما ذكرت سابقًا).
2- هناك فرق ظاهر بين القول بالاستحباب الشرعي، وبين الحكاية التي هي من جنس قولك: (في بلدة كذا شجرة ينذر لها، وقبر فلان يطوف الناس حوله).
3- لا حكم الاستحباب ولا الفعل المجرد يمكن نقل أحدهما عن السلف والأئمة المتقدمين، وغاية ما ينقل عن المتأخرين بعد القرون المفضلة أنهم جربوا الدعاء عند قبور فاستجيب لهم.
4- سبق أن الدلالة على المجرَّبات العاريات من المخالفات والبدع التي أصلها أفعال مشروعة بالوحي لا إشكال فيها، شريطة ألا ينسب الزيادة للشرع.
كمن جرّب بعض آيات القرآن في التداوي من مرض مخصوص، أو بعض السور في تفريج الهم، أو قضاء الدين ونحو ذلك، ولو أن يذكر عددًا مخصوصًا يكرر فيها هذه الأوراد، وهو منقول من فعل ابن تيمية، ويحث عليها، كما نقل عنه ابن القيم في تكرار قول: "يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت" أربعين، ومنقول من فعل أحمد بن حنبل، إذ كان يكتب القرآن بيده بالزعفران للمرأة التي يعسر عليها الولادة، وعمن قبلهما بعض ذلك..، وأحتملُ -والله أعلم- الاستدلال لبعضه بحديث الصحابي الذي رقى بالفاتحة وحدها، فإنه لم يكن يعلم اختصاصها بالشفاء.
5- عبارة: "الدعاء مستجاب عند قبر فلان"، الواردة في كلام الذهبي وغيره، أو عبارة: "لم يزر قبره إلا وقضيت الحاجة":
* محتملة لبدع اعتقادية، إذا كان المراد بها اعتقاد أن هذه البقعة يستحب الدعاء عندها في نفسها، أي: أن ذلك من خصائص البقعة، أو أن ذاك القبر من خصائصه أو خصائص المقبور الميت قضاء الحوائج! ولا هذا ولا ذاك يمكن إقامة حجة عليه ولو ضعيفة من الوحي، ولا أقوال السلف والأئمة ولا غيرهم، وهو قبيح، وبعضه هو الشرك، وبعضه ذريعة للشرك وسؤال غير الله، والتعبد بغير ما شرع!
* كما تحتمل أن (المجرَّب) في زيارة القبر (وهي مشروعة مستحبة بالوحي): حصول حال للزائر يخشع فيها ويتطامن لله عز وجل، فيحصل له تحصيل أعظم شروط الاستجابة، فلا مانع منه، وهو الوارد في بعض كلام الذهبي، أما أن يجعل للمكان خصيصة في الاستجابة بمجرده؛ فلا، وهو بدعة.
6- كل هذا قد ذكر قبل ذلك مختصرًا، والذهبي رحمه الله متوسط في تحقيق هذه المضايق، وعباراته فيها إنما هي مجرد أحكام واعتقادات يحكيها، بلا تقديم استدلال لها، وعلى كل حال فكون عباراته محتملة، كافٍ في القضاء بتوسطه في هذه المضايق، ولا ينفعه أنه أراد التوسط بين المختلفين فيها كما ذكره بعضهم، كما لا ينفع أي متكلم يتقحم مسائل النزاع، واحتمال عباراته ليس دائمًا، بل له عبارات في مسائل أخرى غير محتملة، وقاضية بما سبق وصفه به إن شاء الله.
7- إنما اشترط في المجرّبات أن تكون مباحة بالوحي، لما هو معلوم من أن الله عز وجل قد يستجيب للمشرك المضطر الدعاء، وهو منصوص القرآن كما لا يخفى، ويستجيب تعالى لمن صدق توكله عليه في تحصيل المحرَّم! ومع ذلك فإن الشرك والسعي في تحصيل المحرَّم مجمع على حرمتهما وعظيم إثمهما، ووجوب التوبة منهما.
8- فظن بعض الناس أن مجرد استجابة الدعاء أو تحصيل المراد دال على المشروعية؛ غلط.
9- وعليه فإن مجرد استجابة الدعاء عند القبر، لا يدل على جوازه، فضلاً عن استحبابه، حتى يستقيم على المشروع المحبوب لله شرعًا.
10- حذار من الخلط -في المنقول عن بعض الصالحين والأئمة- بين من يحكي ما جربه مما هو في أصله مشروع، وبين تشريع حكم بالهوى المجرد، بلا وحي ولا نقل ولا نص ولا استنباط.
وقد سبق التنبيه عليه أيضًا.
11- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما إجابة الدعاء؛ فقد يكون سببه اضطرار الداعي وصدق التجائه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمرًا قضاه الله لا لأجل دعائه وقد يكون له أسباب أخرى، وإن كانت فتنة في حق الداعي! فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون وينصرون ويعافون، ويرزقون مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها!
وقد قال الله تعالى: {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20].
وقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6].
وأسباب المقدورات فيها أمور يطول تعدادها ليس هذا موضع تفصيلها، وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة" (اهـ).
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.