التفاضل بين الضحايا وشروط ما يضحى به
لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: «أربعًا العرجاء البين عرجها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى»"، قال في المغنى: "لا نعلم خلافًا في أنها يعني هذه العيوب تمنع من الإجزاء".
التفاضل بين الضحايا:
اعلم رحمك الله أن هناك مفاضلة بين أنواع الضحايا فليست كلها في منزلة واحدة، وقد تكلم في هذا الأمر علماء أجلاء، واستند بعضهم إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال الإمام ابن رشد (المقدمات الممهدات:1/436): "وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها، وخصيانها أفضل من إناثها، وإناثها أفضل من فحول المعز، وفحول المعز أفضل من خصيانها، وخصيانها أفضل من إناثها، وإناثها أفضل من الإبل والبقر، وذكور الإبل أفضل من إناثها، وإناثها أفضل من ذكور البقر، وذكورها أفضل من إناثها".
وقال عبد الوهاب المالكي: "أفضلها الغنم، ثم البقر، ثم الإبل وهو الصواب؛ لأن المراعاة في سنة الضحايا طيب اللحم ورطوبته؛ لأنه يختص بها أهل البيت دون الفقراء، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضحى بالغنم، ولو كانت الإبل في الضحايا أفضل لضحى بها، ومما يدل أيضًا على أنها أفضل من الإبل في الضحايا أن الله تبارك وتعالى إنما فدى ابن إبراهيم من الذبح بكبش، وقال في كتابه: {..وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ..} [الصافات:107]، وقد ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد، ويمشي في سواد، وينظر في سواد [1].
شروط ما يُضحى به:
يُشترط لما يُضحى به أربعة شروط:
1- أن يكون من بهيمة الأنعام، والبهيمة اسم لكل ذي أربع سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها، والأنعام: الإبل والبقر والغنم سميت بذلك للين مشيها.
2- أن يكون ملكًا للمضحي غير متعلق به حق غيره، فإن لم يكن ملكًا له كالمسروق والمغصوب والمملوك بعقد فاسد لم تصح التضحية به، وكذلك إن تعلق به حق الغير كالمرهون لا تصح التضحية به إلا برضا صاحب الحق.
3- أن تكون الأضحية بالغة للسن الشرعي بأن تكون جذعًا فما فوقه من الضأن وثنيا فما فوقه من غيره.
قال الحنابلة رحمهم الله الجذع من الضأن ما تم له ستة أشهر، والثني من المعز ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين.
واعلم أن كثيرًا من الناس يتهاونون بهذا الشرط الذي دلت عليه السنة، وذلك تعد لحدود الله، والله يقول: {...وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229]، وإن أحسن الهدى هدى النبي صلى الله عليه وسلم.
أن يكون ما يضحى به سليمًا من العيوب المانعة من الأجزاء.
أما العيوب فقد قال الله عز وجل: إن الشيطان يضل بني آدم ليفعلوا ذلك بالأنعام، فقال: {...وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ...} [النساء:119]، أي أحملهم على قطع أذان البحيرة والسائبة، وذلك تعذيب للحيوان، كما أن الأذان في الأنعام جمال ومنفعة، فلذلك رأى الشيطان أن يغير ما خلق الله تعالى، ولما كان هذا من فعل الشيطان وأثره أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا معيبة بعيب من العيوب الآتية:
• الميتة: هي التي ماتت حتف أنفها بدون ذكاه شرعية.
• المنخنقة: هي التي تموت خنقًا.
• الموقوذة: هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية.
• المتردية: هي التي تتردى من العلو إلى السفل فتموت.
• النطيحة: هي الشاة تنطحها أخرى أو غير ذلك فتموت قبل أن تذكى.
• ما أكل السبع: يريد كل ما افترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان، كالأسد والنمر والثعلب والذئب والضبع ونحوها.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم غير هذه العيوب في حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: « »"، قال في المغنى: "لا نعلم خلافًا في أنها يعني هذه العيوب تمنع من الإجزاء".
ويلحق بهذه العيوب الأربعة ما كان مثلها أو كان أولى منها مثل:
1- العمياء: لأنها أشد من العوراء، فأما العشواء التي لا تبصر ليلاً فإنها تجزىء لأنها ليست عوراء.
2- المجشومة: التي لا تثلط -أي التي لا تتبرز لأنه مرض بين-، فإن ثلطت أجزأت وإن بقيت مريضة ما أجزأت.
3- التي تتولد -أي بدأت في الولادة- حتى تنجو لأن ذلك خطر قد يؤدي بحياتها فإن ولدت وأصبحت سليمة أجزأت وإلا فلا.
4- الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة في رجليها.
5- المقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين فإنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء.
لكن هذه العيوب الخمسة إن حدثت بدون تفريط منه بعد تعيين الذبيحة أجزأته لأنها أمانة في يده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (أقرن) أي ذي قرنين، (فحيل) أي كامل الخلقة لم يقطع أنثياه، (يأكل في سواد) أي في بطنه سواد، (ويمشي في سواد) أي في رجليه سواد، (وينظر في سواد) أي مكحول في عينيه سواد.
فرج بن عبد العال
- التصنيف:
- المصدر: