الحج وحكمه وأسراره ومنافعه

منذ 2014-09-29

الإسلامُ هو الأصيل في العرب، والوثنية دخيلة عليهم في عصور متأخِّرة، وبهذا يتضحُ أنَّ الحجَّ لَم ينبثق من جاهليتهم، وإنَّما هو نابع من مِلَّةِ إبراهيم...

الحمد لله العَلِيِّ الكريم المتعالي عن الشبيه والنَّظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الملك القدير، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا مُحمدًا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، اللهم صَلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أولي العلم الساطع والفَضْل الكبير.
أمَّا بعد:


فيا عباد الله: اتَّقوا الله حَقَّ التَّقوى، واحذروا المخالفات، فإنَّ أجسامَكم على النار لا تقوى.

عبادَ الله: اتَّقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على طاعته بما رزقكم، ولا تستعينوا بها على معاصيه، فيمقتكم ويحل عقوباته عليكم.


عباد الله: اتقوا الله، فإنَّكم بالتقوى مكلفون، وعلى التكاليف التي كلفتم بها مؤتمنون، فلا تخونوا أماناتِكم وأنتم تعلمون.


عبادَ الله: إنَّ أركانَ الإسلام وشعبَ الإيمان جَعَلها الله روافدَ للعقيدة ودعائمَ للإنسان، سواء الصلاة أم الزكاة أم الصيام أم الحج أم سائر شعب الإيمان، ومنها الحج الذي هو مؤتمر إسلامي عالمي شرَعه العليم الحكيم لعباده المؤمنين، يلتقون فيه سنويًّا، ويدرسون مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ولهذا علَّل الله مشروعيةَ الحج بقوله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج من الأية:28]،

 

ولقد تخوَّف أعداءُ الإسلامِ من هذا المؤتمرِ العظيمِ؛ خشيةَ أن يدبَّ الوعيُ الصحيحُ في المسلمينَ، فينتج الحجُّ ثمراته النافعة، فبدأوا يبثُّون سُمومَهم في التشكيك في الحج والتهوين مِن أمْرِه، حتى بالغوا في ذلك، وزعموا أنَّه من أعمال الجاهلية، وهذا شأنٌ باطل خبيث لا أساسَ له من الصِّحَّة، بل هم الجاهليون، "ولكن من المؤسف أن هذه الكلمة الشنيعة الفظيعة البشعة تقبلها طواغيت القومِيِّين والسُّذَّج منهم، وأخذوا يلوكونها دون عقل ولا معرفة ولا تروٍّ".

 

والحج في الحقيقة ليس من أعمالِ الجاهلية، وإنَّما هو من بقايا مِلَّةِ إبراهيم - عليه السلام - وذلك أنَّ العربَ كانوا في الأصلِ مسلمين قبل أن يكونوا عربًا، على الرغم مما يزعمه طواغيت الماسونية وأذنابهم من القومِيِّين العقائديين، أو السطحيين؛ {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة من الأية:30، المنافقون من الأية:4]، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف من الأية:5].


العرب مسلمون في الأصل منذ نشأوا قبل أن يكونوا عربًا، يؤكد ذلك الواقع والتاريخ ونصوص وحي الله، العرب من ذرية مَن حَمَل اللهُ في السفينة مع نوح، هذا أصلُ العرب، القحطانيُّون من سُلالة سام بن نوح المسلم، ونوح دينه الإسلام، ولم يحمل في السفينة سوى المسلمين من بني آدم، وحتى ابنه الفاجر أغرقه الله، نوح دينه الإسلام، نوح القائل لقومه: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:72]، وكل نبي ورسول لله فدينه الإسلام الذي لا يقبل الله من البشرية دينًا سواه؛ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].


ولَمَّا ناشد نوح ربَّه في ابنه قائلاً: إنَّ ابني من أهلي، عاتبه الله عتابًا شديدًا بقوله: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46]، وفي هذه الآية وغيرها من الآيات نصوص صريحة على أنَّه لا يَجوز للمسلم موالاة الكافر، ولا تقليد الكفر، وأنَّ الكفر يقطع الصِّلَة أو الوشيجة بين صاحبه، وبين أقرب قريب إليه.


ثم لا زال الله يَحوط العرب بالنبُوَّات والرِّسالات، والله أعلم حيث يَجعل رسالتَه إلى دور إبراهيم إمام الحنفاء المسلمين، وباني الكعبة البيت الحرام، التي كانت للعرب مفخرةً وشرفًا، وقد عاشوا عشرات القرون من السنين على مِلَّة أبيهم إبراهيم يصلون، ويحرمون، ويحجون، ويتصَدَّقون، وينسكون النَّسَائِك، ويقتبسون الأخلاق الفاضلة الكريمة من ملة إبراهيم، ولم يعرفوا وثنية ولا شركًا إلاَّ في عصورٍ مُتأخرة في عهد خزاعة بتحريضٍ ومَكْرٍ من اليهود أمة الفساد والإفساد؛

 

حيث أتوا إلى زُعماء خزاعة، وقالوا لهم: إنَّكم اجتبيتم ذُنوبَ العرب بانتزاعكم ذلك البيت من بني ثابت بن إسماعيل، وليس لكم قداسة عند العرب، فلا بُدَّ أن تغزوهم بشيء جديد، فذهبوا ببعضِ زُعمائهم وهو عمرو بن لحي الخزاعي طاغية الوثنية، ذهبوا به إلى أطراف الشام من الأردن، وأروه الأصنامَ والخمورَ، وزودوه منها بعدة أنواع، فرجع بها إلى مكة، ونصبها حول الكعبة، وأغرى الناسَ بالضَّراعة حولها، زاعمًا أنَّها شفعاء لهم من دون الله، فابتدأت عبادة الأصنام، حتى قدَّسوها وعظموها وأكثروا منها، وانتشر شرب الخمور بعد أن لم يكن يُعرَف عند العرب أبناء إسماعيل.


ولقد أرى الله نبيَّه هذا الطاغوت، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار» [1]؛ لأنَّه أول من بدل ملةَ إبراهيم، وهكذا مصير جميع طواغيت القوميين الذين زَحْزحوا شبابَ الأُمَّة عن ملة إبراهيم، وملة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم زحزحوهم عن الملة الإبراهيمِيَّة، وزهدوهم في البضاعة السماوية، وجعلوهم يقدسون الطين، وينبذون الدين، جعلوهم يعملون للأوطان لا يعملون للرحيم الرحمن، جعلوهم يعبدون الشَّهوات والمادة، ويعبدون الأصنام الناطقة من الطَّواغيت الفاجرة التي تعمل على كَبْتِ الناس وإرهاقهم، بل مصادرة عقولهم، وتفتنهم فتنةً ذكرها الله أنَّها أشد من القتل، وأكبر من القتل، والعياذ بالله.


فجميعُ طواغيت القومِيَّة من الزُّعماء المفكرين أو السياسِيِّين أو العسكريين، هم من جنس عمرو بن لحي الخزاعي، وسيكون مصيرهم مصيره، ومصير أتباعه، والعياذ بالله.

 

ولقوة علاقة العرب بنوح وإبراهيم، ذكَّرهم الله بهما في القرآن دون سائر أنبيائه؛ قائلاً سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} [يونس من الأية:71]، وذلك لقوةِ عَلاقته بهم، وقال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} [الشعراء:69]؛ لأَنَّه أقرب نسبًا وعقيدة.


ومن هذه النبذة القصيرة يتبيَّن كذب زعماء القوميين، وما أحدثوه من قبيحِ الماسونية ودمها وصديدها، وأنَّ الإسلامَ هو الأصيل حتى ما يزعمون من قولهم: نحن عرب قبل أن نكون مسلمين، لو علموا وعرفوا قدرهم، لما لاكُوا هذه الكلمة الخبيثة، والأكذوبة الفاجرة البشعة، هذه فيها أكبر سُبَّة للعرب، وأكبر إهانة للعرب، ولكن الذين نَسُوا الله ينسيهم الله أنفسهم، فلا يفرقون بين معاني الكلمات، بل يَلُوكون ما فيه نقيصة عليهم، وتحطيم لشرفهم القديم.


معنى قولهم: إنَّ الوثنيةَ والكفر هو الأصيل فيهم، والإسلام دخيل عليهم، والدخيل معروف حكمه والعياذ بالله، هذه كلمة مَلعونة يَجب على كلِّ مَن يعتز بعُروبته ودينه أن يكفر بقائلها، وينبذ مَن يتفَوَّه بها، ويعلن لعنه على رؤوس الأشهاد، الإسلامُ هو الأصيل في العرب، والوثنية دخيلة عليهم في عصور متأخِّرة، وبهذا يتضحُ أنَّ الحجَّ لَم ينبثق من جاهليتهم، وإنَّما هو نابع من مِلَّةِ إبراهيم، وأنَّهم في الأصل على هذه الملة، ولا زال فيهم بقايا من الإسلام إلى عهد الوثنية، كورقة بن نوفل، وقس بن ساعدة، وغيرهما.


المقصود هو أنَّ الحجَّ ليس من أعمالِ الجاهلية، وإنَّما هو شعيرة دينيَّة، وفريضة من شعائر ملة إبراهيم، وله في الأصل مكانة عند الأنبياء الأولين، وكل نبي حج هذا البيت كما نَصَّت على ذلك النصوص، فقد جعل الله هذا البيتَ مثابةً للناس وأمنًا، وجعل فيه آيات بينات؛ قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96]، سميت بَكَّة؛ لأن الحجاج يدق بعضهم أقدامَ بعض، سُمِّيت بَكَّة؛ لكثرة الزحام.

 

ولقد كان في العصور الماضية في عصر الخلفاء والسَّلف والعصور الوسطى يُرَى مواضع أصابع إبراهيم - عليه السلام - وأخمص قدميه، ولكنْ لكثرة الخرافة والتمسُّح كادتا يخلولقا، فأحاطهما بعضُ الأمراء بالنُّحاس والفضة، حتى جاء دَوْرُ الانتهازيين في أول هذا القرن، فأخذوا يصبون الماءَ ماء زمزم فيها، ويبيعونه للحجاج بأعلى ثَمن؛ شركًا بهذه الأقدام، وأثر الإناء الثقيل فيهما، حتى زالا من الوجود، ولم يبقَ إلاَّ شيء يسير فيهما، فخسر المسلمون آثارًا عظيمة نتيجةَ فعلٍ انتهازي مادي لا يقدر للآثار قدرًا.


ومن الآثار العظيمة والآيات القويمة، التي يراها الحاج، والتي يَستفيد منها، أنَّه إذا رأى بقايا الأقدام، رأى ثَمرة طاعةِ الله؛ حيث إنَّ أبانا إبراهيم فضَّل مُراد الله على مُراد نفسه، ومَحبوب الله على مَحبوب نفسه؛ حيث جاء بأعزِّ عزيز عنده، وجعله في موضعِ البيت، وذهب عنهما، ثم رجع بعد حين وقد ترعرع ابنه، وتعاونا معًا على بناء البيت، فلطف الله بهما، وأساح رجليه بالصَّخرة؛ لتكون مصعدًا يصعد عليه، مصعدًا يستعين به كلما ارتفع البناء، فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ثمرة الطاعة لله، ثَمرة الانقياد لله والتسليم لأمره يذلل الله لأهله الصِّعاب.


ثم المعجزة الأخرى ماء زمزم النبع المبارك، الذي أنبعه الله على إسماعيل، فكان عينًا يشرب منه ملايين البشر، ويغتسلون ويتوضؤون لا ينقص منه قطرة، آية عظيمة.


ثم السعي بين الصَّفا والمروة، وما يتذكره الحاج من ثَمرة التوكُّل على الله، وثَمرة الأخذ بالأسباب، فقد جَمَعت أُمُّنَا هاجر بين التوكل والأخذ بالأسباب، خلافًا لما يفعله البطالون العاجزون المتواكلون الذين يزعمون أنَّهم متوكلون، وهم جبناء متواكلون، فهي بما عندها من تعاليم زوجها إبراهيم قرنت بين التوكل وبين الأخذ بالأسباب، فأخذت تصعد على الصَّفا مرة وعلى المروة مرة، تتطلع وتنتظر مددَ الله حتى جاءها المدد.


ثُم في بقية المشاعر عِبَر وحِكَم عظيمة، وصدق الله العظيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج من الأية:27].


مع الأسف أصبح الحاج وغير الحاج يذبَح الذَّبيحةَ ويأكلها دون اعتبار، والواجب أن يعتبر وأنْ يَتَأثر، وأن ينظر في تأسيس تشريعها لأي شيء ذبحت، فلم تذبح للأكل فقط، وإنَّما هو رمز للتضحية العظيمة التي ضحى بها أبونا إبراهيم عليه السلام إبراهيمُ الذي وَفَّى، إبراهيمُ الذي ابتلاه الله بثلاثِ بلايا عظام.

 

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، ابتلاه الله بتضحياتٍ عظام، فنَفَّذَ مرادَ الله، وغلب مراد الله على مراد نفسه، وقدَّم ما يُحِبُّه الله وآثر ما يُحِبُّه الله على مَحبوب نفسه، الابن العزيز الذي أعطاه الله إيَّاه عند الكبر، وأطاع أمْرَ الله بذبحه، حتى تَلَّ السكين على حلقه، فرحمه الله، وأتاه بالفرج لَمَّا رأى استسلامَه لله؛ {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:103-104]،

 

هذا الابتلاء العظيم يَجِب أن يذكُرَه مَن يذبح النسيكة والضحية؛ ليقتدي بأبيه إبراهيم، فيضحي بمحبوبات نفسِه في سبيل مَحبوبات ربِّه جل وعلا فيضحي بكل شيء من شؤون حياتِه؛ ليكونَ من أتباع أبيه إبراهيم، ومِمَّن يرد على حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم أمَّا أن يذبَحَها ويأكلها دون اعتبار، فهذا أصبح كالبهيمة التي ذبحها، والعياذ بالله.

 

عبَر وحكم يَستفيدها المسلم من الحج، كالعِبَر المستفادة من رَمْيِ الجمار، فالحاج إذا رمى الجمار لا يرمي أحجارًا، ليس المقصود أنْ يرمي أحجارًا، وليس الشيطان واقفًا له؛ ليرجمه، ولكن فيها تذكُّر للمواضع التي رجم فيها أبوه الشيطان، إنَّ الشيطان تَمثَّل لأبينا إبراهيم بصورة رجل وَقور، وأخذ يذكره كيف يزهد بابنه، ومعه الحبل والسكين ليذبحه، فلَمَّا سمع منطقه ومنظره عَرَف أنَّه شيطان، فرجمه بسبع حصيات حتى وَلَّى.


ولكنَّ الخبيثَ لم يَيْئَس، فوقف في موقفٍ آخر بزِيٍّ آخر، وبشكل آخر، وخاطبه بفتنة أخرى، فعرف أنَّه شيطانٌ مُتمثل لفتنته، فرجمه حتى وَلَّى.


ولكن لم يَيْئَس الخبيث، فوقف وقفة ثالثة، فنظر إليه أبونا أبو الحنفاء إبراهيم، وقال: أنت أَزَبُّ العقبة مهما تشكلت أو نطقت، فأنت أَزَبُّ العقبة؛ أي: شيطان العقبة، أنت الذي وقفت بالعقبة، فرجمه حتى وَلَّى، فهل يستفيد الحاجُّ من رَجْمِ الجمار بأن يرجم شياطين الجن والإنس بكثرة الاستعاذة، وقراءة القرآن، وتكبير الله، وإشغال أوقاته النفيسة بذكر الله؟ وهل يرمي شياطين الإنس الذين يبثون سُمومهم في الصُّحف والأغاني والتِّلْفَاز وأشرطة السينما وغيرها؟ وهل يرجمهم رجمًا مَعنويًّا ببغضهم والابتعاد عنهم، أو يُعينهم على ذلك بشراء الأشرطة والصُّحف والمجلات، والعياذ بالله؟


فعلى المسلم أن يعرفَ حِكْمَة الحج، وأن يعمل بها؛ قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج من الأية:27]، فلا بُدَّ للحجاج من شهود المنافع السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، يَجب عليهم أنْ يَغتنموا هذه الفُرصة في هذا المؤتَمر العظيم الجامع لجميع فئات المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانِهم ولغاتِهم، أن يلتقي بعضُهم ببعض، وأنْ يتدارَس بعضهم شؤونَ بعض، حتى يَتمكَّنوا من رَسْمِ تَخطيط يدفعون به خطط اليهودية والماسونية الذي تفاقم شَرُّها في هذا الزمان.


كما يجب عليهم أن يشهدوا منافِعَ اقتصادية، فيتعرف بعضُهم على مصنوعات بعض، ويؤَسِّسون شركات يضربون بها الشركاتِ اليهوديَّة الاستغلاليَّة، ويعملون على معالجة الغزو الفكري الاستعماري الصليبي اليهودي، ذلك الغزو الفكري المشترك بين جميعِ أهلِ المطامع الذي تفاقم شرُّه، وينبه بعضهم بَعضًا على هَمزات الشياطين، ويَحض بعضهم بعضًا على حصر التلقي للهداية والثقافة مِن ينبوع الرِّسالة، وأن يتمَسَّكوا ببضاعة السماء، ويرفضوا البضاعة الأرضية الملتقطة من المزابل اليهودية، ويُنبِّه بعضهم بعضًا إلى خطر هذه الكلمة الماسونية: الدين لله والوطن للجميع، التي يقام من أجلها حكم عَلماني كافر، تباح فيه الفواحش، ويباح فيه القمار، وتكثُر فيه المراقص وغيرها، هذه الكلمة الخبيثة يَجب أن تبدل بالكلمة الطيبة.


الدين لله والوطن لله، يَجب أن يحتذي بحكم الله، وأن تقام فيه شريعةُ الله، وأن يؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه على المنكر، الدين لله والوطن لله، ليس الوطن لأقلية كافرة فاجرة، يعمل الزعماء على رفضِ دين الله من أجل 3% أو4%، ويهدرون كرامة 96% من المسلمين، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون.


كما أن عليهم أن يفضحوا الأكذوبة الباطلة: الدين لا يصلح للحياة، الدين شيء والسياسة شيء آخر، فالدين كلُّه سياسة، لا إلهَ إلا الله كلها سياسة، جميع أمم الرسائل لم يُحاربوا رُسُلَهم إلاَّ لأغراضٍ سياسية رئاسية انتهازية استغلالية، فلا إلهَ إلا الله تخضع رؤوسهم للحق والعدل، وتَقضي على ما يريدون فَرْضَه من الألوهية على الناس، فالدين صالح ومصلح للحياة، شرعة العليم الحكيم، الذي يعلم خبايا النفوس، فعلى المسلمين أنْ يتعاونوا في هذا المضمار، ويكشفوا كل باطل.


عليهم أن يكشفوا ضمائر القومِيِّين الوثنيين الذين يقولون: نحن نساير الرَّكب، مسايرة الركب تجعل المرءَ يتخَلَّى عن شخصيَّته، وتصبح حياته ظِلاًّ لغيره، إنَّ الله أوْجَبَ عليك أن تكون مُسيِّرًا لا مسيَّرًا، وأن تكون قائدًا لا مَقودًا، كيف تساير الركب؟ هذه كلمة باطلة يَجب أن يفهمها المسلمون، ويُفهِّموها لإخوانهم من حجاج بيت الله من كل جنس ولون.


وكذلك قولهم: نحن نتمشى مع الواقع، كلمات فارغة، كيف نتمشى مع الواقع؟ من واجبك العمل على إصلاح الواقع، حتى الحيوان يُصادِم الواقع الذي يَختلف مع طبيعته ومصلحته، مصادمةُ الواقع شيء فطري، والذي لا يصادم الواقعَ هو أخسُّ من الحيوان، بل أخس من الحشرات، والعياذ بالله.


إنَّ اللهَ أوجب على المسلم أنْ يكونَ حاملاً لرسالةِ مُحمد صلى الله عليه وسلم وألا يكون تابعًا لغير محمد، ولا مُقتديًا بغير محمد، وأوجب عليه أن يكون سدًّا منيعًا يصد عن عقيدته، وإلا فما قيمته في الحياة؟ [2].
______________
[1] (رواه البخاري في المناقب باب: قصة خزاعة، رقم: [3521]، و[4623]، ومسلم في باب النار يدخلها الجبارون... من كتاب الجنة، رقم: [2856]، [51] عن أبي هريرة).
[2] من خطبة للشيخ ألقاها رحمه الله بمناسبة موسم الحج 1396هـ بالقصيم بجامع الراشد. 

 

عبد الرحمن محمد الدوسري
 

  • 0
  • 0
  • 2,511

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً