العدو الصهيوني كيانٌ بين الجدران!
مصطفى يوسف اللداوي
أقدمت الحكومة الإسرائيلية إبان رئاسة أرئيل شارون على بناء جدار الفصل العنصري بين كيانهم والضفة الغربية، لاعتقادهم أن هذا الجدار سيحميهم من الهجمات الفلسطينية، وسيضع حدًا لعمليات المقاومة، وسيؤمن المستوطنين، وسيحقق لهم السلامة، وسيجعل طريق تلاميذهم آمنة، وملاعب أطفالهم بعيدة عن الخطر، وسيجبر الفلسطينيين على القبول بواقعهم، والاستسلام لقدرهم، والتخلي عن مقارعة الإسرائيليين ومطالبتهم بالمزيد من الحقوق.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
حكم الكيان الصهيوني على نفسه أن يعيش حبيسًا بين جدرانٍ أربعة، تعزله عن محيطه، وتفصله عن جيرانه، وتقوقعه في جمجمة، وتحوصله في كبسولة، وتحصنه في قلعة، فلا يقوى على الاختلاط بغيره، ولا على التعامل مع جيرانه، ولا يثق بهم ولا يثقون فيه، بل يخاف منهم ومن كل شيء، ولا يأمن على نفسه بينهم، ويتحسب من كل حدث، ويخشى من كل أمر، ويظن أن كل صيحةٍ عليه، ويعتقد أن كل جمعٍ ضده، وكل حربٍ عليه، وأن العرب قد اجتمعوا عليه، وتآمروا على قضيته، واتفقوا للقضاء عليه، والنيل منه.
يعتقد الإسرائيليون أنهم إن عاشوا خلف الجدران، وعزلوا أنفسهم عن الجيران، وحصنوا كيانهم بالقوة والسلاح، ومكنوا لأنفسهم بالتحالف مع الغرب وقوى الطغيان، فإنهم سيعيشون في مأمنٍ، وسيطمئنون إلى مستقبلهم، ولن يقوَ أحدٌ على هز كيانهم، أو ترويع سكانهم، أو تقويض ملكهم، وإنهاء حكمهم، وإجلائهم بالقوة عن الأرض التي احتلوها، واستعادة الحق الذي سلبوه، وتطهير القدس التي اغتصبوها، والمقدسات التي دنسوها، وأنهم خلف الجدر المحصنة سيبقون وسيخلدون، وسيدوم حكمهم، وسيستمر مجدهم، وسيسحقون أعداءهم، وسينسونهم أحلامهم، وسيجبرونهم على التخلي عن حقوقهم وأملاك آبائهم وأجدادهم.
لهذا فقد أقدمت الحكومة الإسرائيلية إبان رئاسة أرئيل شارون على بناء جدار الفصل العنصري بين كيانهم والضفة الغربية، لاعتقادهم أن هذا الجدار سيحميهم من الهجمات الفلسطينية، وسيضع حدًا لعمليات المقاومة، وسيؤمن المستوطنين، وسيحقق لهم السلامة، وسيجعل طريق تلاميذهم آمنة، وملاعب أطفالهم بعيدة عن الخطر، وسيجبر الفلسطينيين على القبول بواقعهم، والاستسلام لقدرهم، والتخلي عن مقارعة الإسرائيليين ومطالبتهم بالمزيد من الحقوق.
لكن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بجدار الفصل العنصري الذي قضم به مساحاتٍ كبيرة من أرض الضفة الغربية، وجزأ البلدات الفلسطينية، وقسم المدن، وعقد حياة المواطنين، وجعل أيامهم بئيسة كئيبة، كلها معاناة وشقاء، إذ جعل الانتقال بينها مستحيلًا، ومذلًا ومهينًا، وطوابير الانتظار مضنية، وساعات الخروج طويلة، وأذونات الدخول قليلة، وتصاريح الموافقة نادرة أو مشروطة.
فقد كشفت مصادر صهيونيّة أنّ الحكومة الإسرائيلية قد أعطت الأولويّة لمشروع بناء جدارٍ عالي التقنيّة على الحدود مع الأردن بطول 400 كيلومتر، مزوّد بكاميرات حراريّة وأجهزة رصد الحركة، وطائرات بلا طيّار، ومجساتٍ إليكترونية عديدة، ترتبط بقواعد مراقبة دقيقة، وأخرى ترصد وتتابع، وتقتفي كل أثر، وتلاحق كل مشبوه، وتتعامل دائمًا معه بالنار، قتلًا لأشخاص، أو تدميرًا لمعداتٍ وآلياتٍ.
تتطلع قيادة أركان جيش العدو من هذا الجدار أن يحمي حدودها الشرقية مع الأردن، وهي الحدود الأطول بها مع دولةٍ عربية، وأن يمنع تسلل المقاتلين من الجانب الأردني، فضلًا عن دوره في إحكام السيطرة على الأغوار، وتأكيد الوجود العسكري عليها، وعدم الاستجابة إلى دعوات الانسحاب منها، وضمان بقاء الجيش والمستوطنين في المنطقة، إذ يرون أن منطقة الأغوار ذات أهمية استراتيجية كبيرة لأمن كيانهم، وأن السيطرة العسكرية عليها يعني حماية الحدود الشرقية حمايةً تامة، في حين أن الانسحاب منها، وتسليمها إلى أي جهةٍ أخرى، ولو كانت جهةً دولية، أو قواتٍ متعددة الجنسيات، فإن ذلك لن يحقق لهم الأمن المطلوب.
كما كشفت ذات المصادر إلى أنّ الجيش الصهيوني رفع منطادًا تجسسيًّا شمالًا فوق المناطق المحاذية للحدود اللبنانية، وأن هذا المنطاد متطور، ويحمل عدّة كاميرات، ومزود بتجهيزاتٍ حديثة، قادرة على التنصت والمتابعة والتصوير والتسجيل، وأنه يمهد لخطوةٍ مستقبلية، ينوي من خلالها الجيش الإسرائيلي تحصين الحدود الشمالية لكيانهم مع لبنان، بشبكةٍ إليكترونية حديثة جدًا، تساعد قيادة الأركان الإسرائيلية على التنبؤ المبكر بأي تحركاتٍ عسكرية يقوم بها مقاتلو حزب الله اللبناني، وكان الجيش الإسرائيلي قد وضع سواتر من الباطون المسلح على طول الخط الحدودي مع لبنان، وزودها بأجهزة مراقبة وتجسس حديثة، ودشم السواتر بشكلٍ لافتٍ، لحجب حركة الدوريات الإسرائيلية في هذا القطاع.
وتعالت الأصوات الإسرائيلية الداعية إلى التعجيل ببناء جدار أمني على طول الحدود المصرية مع الكيان الصهيوني، بعد تزايد المخاوف من إمكانية تسلل مقاتلين إسلاميين من صحراء سيناء إلى صحراء النقب أو إلى مدينة إيلات، وهي بالنسبة لهم حدودٌ طويلة وخطرة، واحتمالات الهجوم عبرها كبيرة، فضلًا عن مخاوفها من إمكانية نقل أي جنودٍ مختطفين إلى صحراء سيناء، حيث يصعب عليها وعلى أي سلطةٍ أخرى متابعتهم وملاحقتهم.
وقد بدأ جيش العدو بالفعل في بناء سورٍ أمني كبير يعزله عن مصر، ويفصل صحراء النقب عن سيناء، وشرع في تكثيف الدوريات العسكرية، والطائرات الطوافة، لتأمين تنفيذ مشروعه، الذي يعتقد أنه سيكون الأكثر أمانًا وطمأنينة له ولمواطنيه، وقد يتم هذا المشروع بالاتفاق مع الحكومة المصرية.
أما المستوطنات الإسرائيلية المزروعة في قلب الضفة الغربية، فهي محاطة بأسلاكٍ شائكة، وبجدرانٍ اسمنتية عالية، وعليها بواباتٌ محكمة الإغلاق، وأمامها وفي داخلها حراسٌ مسلحون، وتطوف حولها دورياتٌ عسكرية لحمايتها ومراقبتها، فضلًا عن كاميرات المراقبة وأجهزة الرقابة والتنصت المختلفة.
لا تقتصر الجدران الاسمنتية والأسلاك الشائكة على المستوطنات فقط، بل إن الطرق الأمنية الالتفافية، والطرق السريعة، ومعسكرات الجيش الإسرائيلي، والسجون والمعتقلات المتفرقة، فإنها كلها محاطة بأسلاكٍ شائكة، وعليها أبراج مراقبة عديدة، وتخضع للتصوير والمراقبة الإليكترونية، وغير ذلك من وسائل الحماية والمراقبة اليقظة، التي تعتبر كل شخصٍ غريبٍ بمثابة عدوٍ يجب إطلاق النار عليه وقتله.
أما البحر الذي يحد الكيان غربًا، فإنه في حد ذاته جدارٌ مانع، وسياجٌ فاصل، وهو يخضع للمراقبة أكثر من الحدود البرية، وفيه دورياتٌ كثيرة لحفر السواحل، وفي مياهه مجساتٌ حرارية، وأجهزة تصويرٍ ومعدات نقل الحركة، وكشف الأجرام الغريبة، وتحديد مناطق الاشتباه، ولكن محاولات المقاومة العديدة للتسلل من خلاله، أو لتهريب الأسلحة عبره، جعلت الكيان الصهيوني يبذل جهودًا إضافية في تحصينه ومراقبته، مخافة أن تنجح المقاومة بالوصول إلى مختلف المدن الإسرائيلية الداخلية والساحلية من خلاله.
أما في قطاع غزة الذي يشكل كابوسًا إسرائيليًا، ويقلق قيادته العسكرية والسياسية، فإن الجيش الصهيوني يستعد لإقامة جدار حدودي يطلق عليه اسم "السياج الذكي" لحماية مستوطنات غلاف قطاع غزة، وحدوده الغربية والجنوبية مع القطاع، التي تمتد لقرابة الخمسين كيلو مترًا، وذلك لتجنب الثغرات والأخطاء التي كشفت عنها الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
كما يفكر العسكريون الإسرائيليون، ومعهم خبراء أمريكيون وآخرون، بضرورة تركيب سياج أمني إليكتروني دقيق وحساس تحت الأرض، لمنع حفر الأنفاق أو لكشف المحفور منها، على أن يكون هذا السور مزودًا بمجساتٍ حرارية، وأليافٍ إليكترونية، وكاميرات خاصة تعمل تحت الأرض، وبأجهزة رصد الحركة وحساب الذبذبات، ورصد الاهتزازات، للكشف عن الآليات والمعدات التي تعمل تحت الأرض.
كما رصدت وزارة دفاع العدو ميزانية لدراسة إمكانية حفر خندق عميق على طول حدود كيانه مع قطاع غزة، ليمنع حفر الأنفاق مهما كان عمقها تحت الأرض، وليقطع الطريق على الأنفاق القديمة ويكتشفها، وسيستعين الكيان في تنفيذه بالخبرات الأمريكية، ليوظف فيه أحدث التكنولوجيا الممكنة، حيث أبدت الولايات المتحدة الأمريكية استعداها للمساهمة في تمويل هذا المشروع وتنفيذه.
ترى هل يستطيع الكيان الصهيوني أن يحمي نفسه خلف الجدران والأسلاك الشائكة، وداخل الحصون والغيتوات المغلقة، وهل يظن نفسه أنه بانعزاله وانفصاله عن محيطه، أنه سيكون قادرًا على مواصلة الاغتصاب والاحتلال والسلب والنهب، وأن أيدي المقاومة لن تصله، وأن سلاحها لن يطاله.
الكيان الصهيوني أصبح رهين سياساته، وحبيس جرائمه، وعدو ضحاياه، وأسير عدوانه وظلمه، فهو يعرف أن ممارساته القمعية، وسياساته البشعة، واجراءاته الاستعمارية، وظلمه وعدوانه، وقتله واحتلاله، جعل منه كيانًا بغيضًا، وشعبًا مكروهًا، وأمةً كما كانت في تاريخها ملعونة، لا تثق بهم الدول، ولا يأمن بوائقهم الجيران، ولا يرتاح إليهم ساكن، ولا يطمئن معهم راكب، ولا يقبل بالسير معهم ماشي، إلا أن يسير أمامه بعيدًا عنه، أو قصيًا عن يمينه أو شماله، مجردًا من السلاح، عاريًا بلا درع، إذ الغدر شيمتهم، والخيانة طبيعتهم، والتآمر نهج حياتهم، ومسيرة تاريخهم، وطبع أجيالهم.
ينسى الإسرائيليون الغاصبون المحتلون أن الاحتلال مآله إلى زوال، وأن مصيره إلى انتهاء، وأن الموت الذي يفرون منه فإنه ملاقيهم، وأنه سيدركهم ولو كانوا في بيوتٍ محصنةٍ أو خلف جدر، وسيصعد إليهم ولو كانوا في الأعالي فوق الأبراج المشيدة، أو في صياصي لا يظنون أن أحدًا سيصل إليها وسينزلهم منها، فهذا وعدٌ من الله غير مكذوب، ومن المقاومة غير منكوث.