فعل الرجال
أبو الهيثم محمد درويش
للصحابة والتابعين مواقف تشهد لهم بمراتب الإيمان وقمة المروءة والرجولة، والنخوة والفتوة، مع تقوى الله ومحبته ومحبة الخير لكل مسلم، ولعل من مواقف التابعين المأثورة هذا الموقف للتابعي الجليل (طاووس بن كيسان رحمه الله)، وروعة الموقف تكفي عن أي شرح وبيان..
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
للصحابة والتابعين مواقف تشهد لهم بمراتب الإيمان وقمة المروءة والرجولة، والنخوة والفتوة، مع تقوى الله ومحبته ومحبة الخير لكل مسلم، ولعل من مواقف التابعين المأثورة هذا الموقف للتابعي الجليل (طاووس بن كيسان رحمه الله)، وروعة الموقف تكفي عن أي شرح وبيان .
قدم هشام بن عبد الملك حاجًّا إلى مكَّة، فلما دخلها، قال: "ائتوني برجل من الصَّحابة. فقيل: يا أمير المؤمنين، قد تفانوا. قال: فمن التَّابعين، فأتوه بطاووس اليماني، فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولكن قال: السَّلام عليك، ولم يُكَنِّه، ولكن جلس بإزائه..
قال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا، حتى همَّ بقتله، فقيل له: أنت في حرم الله ورسوله، فلا يمكن ذلك. فقيل له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟! فازداد هشام غضبًا، وقال: لقد خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تقبِّل يدي، ولم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولم تكنِّني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: كيف أنت يا هشام؟
فقال: أمَّا ما خلعت نعلي بحاشية بساطك، فإنِّي أخلعهما بين يدي رب العِزَّة كلَّ يوم خمس مرَّات! فلا يعاتبني، ولا يغضب علي، وأما قولك: لم تقبِّل يدي. فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "لا يحلُّ لرجل أن يقبِّل يد أحد، إلَّا امرأته من شهوة أو ولده برحمة"، وأما قولك: لم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، فليس كلُّ النَّاس راضين بإمرتك، فكرهت أن أَكْذب،
وأما قولك: جلست بإزائي؛ فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: "إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النَّار، فانظر إلى رجل جالس وحوله ناس قيام"، وأما قولك: لم تكنِّني. فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سمَّى أولياءه، وقال يا داود، يا يحيى، يا عيسى، وكنَّى أعداءه..! فقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1].
فقال هشام: عِظْني. فقال: سمعت أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه يقول: "إنَّ في جهنَّم حيَّات كأمثال القِلَال، وعقارب كالبغال، تلدغ كلَّ أمير لا يعدل في رعيَّته"، ثمَّ قام وذهب" (ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان:2/510).