زاد المعاد - خصائص يوم الجمعة (1)
خصائص وفضائي يوم الجمعة.
واحتج أصحابُ القول الأول، بحديث جابر رضي اللله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ». قالوا: والساعات المعهودة، هي الساعات التي هي ثنتا عشرة ساعة، وهي نوعان: ساعات تعديلية، وساعات زمانية، قالوا: ويدل على هذا القول، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما بَلَغَ بالساعات إلى ست، ولم يزد عليها، ولو كانت الساعة أجزاء صغارًا مثل الساعة التي تُفعل فيها الجمعة، لم تنحصر في ستة أجزاء، بخلاف ما إذا كان المُرادُ بها الساعات المعهودة، فإن الساعة السادسة متى خرجت، ودخلت السابعة، خرج الإِمامُ، وطُويتِ الصحف، ولم يكتب لأحد قربان بعد ذلك، كما جاء مصرحًا به في (سنن أبي داود ) من حديث علي رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ».
قال أبو عمر بن عبد البر: أختلف أهلُ العلم في تلك الساعات، فقالت طائفة منهم: أراد الساعاتِ مِن طلوع الشمس وصفائِها، والأفضلُ عندهم التبكيرُ في ذلك الوقت إلى الجمعة، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة والشافعي، وأكثر العلماء، بل كلهم يستحب البكور إليها.
قال الشافعي رحمه الله: ولو بكر إليها بعد الفجر، وقبل طلوع الشمس، كان حسنًا. وذكر الأثرم، قال: قيل لأحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس يقول: لا ينبغي التهجير يومَ الجمعة باكراً، فقال: هذا خلاف حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: سبحان الله إلى أي شيء ذهب في هذا، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: « ».
قال: وأما مالك فذكر يحيى بن عمر، عن حرملة، أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات: أهو الغدُّو من أول ساعات النهار، أو إنما أراد بهذا القولِ ساعاتِ الرواح؟ فقال ابنُ وهب: سألتُ مالكًا عن هذا، فقال: أما الذي يقع بقلبي، فإنه إنما أراد ساعة واحدة تكونُ فيها هذه الساعاتُ، من راح من أول تلك الساعة، أو الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، أو الخامسة، أو السادسة. ولو لم يكن كذلك، ما صُلِّيتِ الجُمُعَةُ حتَّى يكون النهارُ تسعَ ساعات في وقت العصر، أو قريبًا من ذلك. وكان ابنُ حبيب، يُنكر مالك هذا، ويميل إلى القول الأول، وقال: قول مالك هذا تحريف في تأويل الحديث، ومحال من وجوه.
وقال: يدلُك أنه لا يجوز ساعات في ساعة واحدة: أن الشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار، وهو وقت الأذان، وخروجِ الإِمام إلى الخطبة، فدل ذلك على أن الساعات في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات، فبدأ بأول ساعات النهار، فقال: من راح في الساعة الأولى، فكأنَّما قرب بدنة، ثم قال: في الساعة الخامسة بيضة، ثم انقطع التهجير، وحان وقت الأذان، فشرحُ الحديث بيِّن في لفظه، ولكنه حُرِّفَ عن موضعه، وشُرِحَ بالخُلْفِ مِن القول، وما لا يكون، وزهَّد شارحُه الناسَ فيما رغبهم فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التهجير من أول النهار، وزعم أن ذلك كلَّه إنما يجتمع في ساعة واحدة قربَ زوالا الشمس، قال: وقد جاءت الآثارُ بالتهجير إلى الجمعة في أول النهار، وقد سُقنا ذلك في موضعه من كتاب واضح السنن بما فيه بيان وكفاية.
هذا كله قول عبد الملك بن حبيب، ثم رد عليه أبو عمر، وقال: هذا تحامل منه على مالك رحمه الله تعالى، فهو الذي قال القول الذىِ أنكره وجعله خُلفًا وتحريفًا من التأويل، والذي قاله مالك تشهد له الآثار الصحاح من رواية الأئمة، ويشهد له أيضًا العملُ بالمدينة عنده، وهذا مما يصحُ فيه الاحتجاجُ بالعمل، لأنه أمر يتردَّد كل جمعة لا يخفى على عامة العلماء. فمن الآثار التي يحتج بها مالك ما رواه الزهري عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «
». قال: ألا ترى إلى ما في هذا الحديث، فإنه قال: يكتبونَ الناس الأول فالأول، فالمهجِّرُ إلى الجمعة كالمهدي بدنة، ثم الذي يليه فجعل الأول مهجرًا، وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والتهجير، وذلك وقت النهوض إلى الجمعة، وليس ذلك وقتَ طلوع الشمس، لأن ذلك الوقت ليس بهاجرة ولا تهجير، وفي الحديث: « ». ولم يذكر الساعة.أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: