زاد المعاد - خصائص يوم الجمعة (4)

منذ 2015-05-04

خيرة أيام الاسبوع هو يوم الجمعة.

الثامنة والعشرون: أنه اليوم الذي تفزع منه السماواتُ والأرضُ، والجبالُ والبحارُ، والخلائقُ كلها إلا الإِنسَ والجِنَّ، فروى أبو الجوَّاب، عن عمّار بن رزيق، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: اجتمع كعب وأبو هريرة، فقال أبو هريرة: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ في الجمُعَةِ لَسَاعَةً لا يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُسلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيرَ الدُنيَا والآخِرَة إلاّ أعطاه إياه». فَقَالَ كَعْبٌ: ألا أُحَدِّثكم عَنْ يَومِ الجُمُعَةِ، إنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فزِعَتْ لَهُ السَّماواتُ والأَرْض، والجبال، والبحار، والخلائق كلُّها إلا ابنَ آدم والشياطين، وحفَّتِ الملائكةُ بأبَواب المساجد، فيكتُبُونَ الأَوَلَ فالأَوَّل حتى يخرجَ الإِمامُ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمامُ، طَوَوْا صُحفَهُم، ومَنْ جَاءَ بَعْدُ جَاءَ لِحَقِّ اللهِ، ولِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ، ويَحِقُّ عَلَى كُلِّ حالِم أَن يَغْتَسِلَ فيه، كاغتِسالِه مِنَ الجَنَابَة، والصَّدَقَةُ فِيهِ أَفضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ في سَائِرِ الأيَّامِ، وَلَم تَطْلُعِ الشَّمس وَلَمْ تَغْرُب عَلَى يَوْم كَيَوْمِ الجُمُعةِ. قال ابن عباس: هذا حديث كعب وأبي هريرة، وأنا أرى، من كان لأهله طِيب أن يصرَّفه يومئذ.

وفي حديث أبي هُريرة: عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضلَ مِن يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي تفزَعُ ليوم الجمعة إلا هذين الثَّقلين مِن الجن والإِنس»، وهذا حديث صحيح وذلك أنه اليوم الذي تقومُ فيه الساعة، ويُطوى العالم، وتَخْرَب فيه الدنيا، ويُبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار.

التاسعة والعشرون: أنه اليومُ الذي ادَّخره الله لهده الأمة، وأضلَّ عنه أهلَ الكِتاب قبلهم، كما في (الصحيح)، من حديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما طلعتِ الشَّمْسُ، ولا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيِر مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ، هَدَانا اللهُ لَهُ، وَضَلَّ الناَّسُ عنَه، فالنَّاس لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، هوَ لَنَا، وَلليَهودِ يَوْمُ السَّبْت، وللنَّصَارَى يَومُ الأحد». وفي حديث آخر «ذخره اللهُ لَنَا».
وقال الإِمام أحمد: حدثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمر بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة قالت: "بينما أنا عنِد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ استأذن رجلٌ من اليهود، فأذِن له، فقال: السَّامُ عَلَيْكَ، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وعَلَيْكَ». قالت: فَهَمِمْت أن أَتكلَّم، قالت: ثم دخل الثانية، فقال مِثلَ ذلك، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَعَلَيكَ»، قالت. فهممتُ أن أتكلَّم، ثم دخل الثالثة، فقال: السَّامُ عليكم، قالت، فقلتُ: بل السَّامُ عَلَيْكُم، وغَضَبُ الله، إخوانَ القردة والخنازير، أتُحَيُون رسولَ الله بما لم يُحيِّه به اللهُ عَزَّ وجَلَّ. قالت: فنظر إليَّ فقال: «مَهْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ، قَالُوا قَوْلًا فَرَدَدْنَاه عَلَيْهِم، فَلَم يَضُرَّنَا شيئًا، وَلَزِمَهُم إلى يَومِ القِيَامَةِ،إِنّهُم لا يَحْسُدُونناَ عَلَى شيء كَمَا يَحْسُدُوننَا عَلَى الجُمُعَةِ التي هَدَانَا اللهُ لَها، وضَلّوا عَنْهَا، وَعَلى القِبْلَةِ الَّتي هَدَانَا اللهُ لهَا، وضَلوا عَنْها، وعَلَى قَوْلِنَا خلف الإِمام: آمين»

وفي (الصحيحين) من حديث أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَحنُ الآخِرونَ السَّابِقونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِنَا، وأُوتِينَاهُ مِن بَعدِهمْ، فَهَذا يَوْمُهُمُ الَذِي فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيه، فَهَدانَا اللهُ لَهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فيه تَبَعٌ، اليَهُودُ غَداً، والنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ».
وفي (بيد) لغتان بالباء، وهي المشهورة، ومَيْدَ بالميم، حكاها أبو عبيد.
وفي هذه الكلمة قولان، أحدهما: أنها بمعنى (غير) وهو أشهر معنييها، والثاني: بمعى (على) وأنشد أبو عبيد شاهدًا له:

عَمْداً فَعلت ذَاكَ بيدَ أَنِّي *** إخَالُ لَو هَلَكْتُ لَمْ ترِنِّي

ترِنِّي: تَفعلي مِن الرنين.

الثلاثون: أنه خِيرة الله من أيام الأسبوع، كما أن شهر رمضان خيرتُه من شهور العام، وليلة القدر خيرتُه من الليالي، ومكةُ خيرتُه مِن الأرض، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيرتُه مِن خلقه. قال آدم بن أبي إياس: حدثنا شيبان أبو معاوية، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي صالح، عن كعب الأحبار. قال: إن الله عزَّ وجَلَ اختار الشهورَ، واختار شهرَ رمضان، واختار الأيامَ، واختار يومَ الجمعة، واختار الليالي، واحتار ليلةَ القدر، واختار الساعاتِ، واختار ساعةَ الصلاة، والجمعةُ تكفِّر ما بينها وبين الجمعة الأخرى، وتزيد ثلاثًا، ورمضانُ يُكفِّرُ ما بينه وبين رمضان، والحجُّ يكفر ما بينه وبين الحج، والعُمْرَة تكفِّر ما بينها وبين العمرة، ويموت الرجل بين حسنتين: حسنةٍ قضاها، وحسنةٍ ينتظرها يعني صلاتين، وتُصفَّد الشياطين في رمضان، وتُغْلَقُ أبواب النار، وتُفتحُ فيه أبوابُ الجنة، ويقال فيه: يا بَاغِيَ الخير؟ هلُم. رمضان أجمع، وما مِن ليالٍ أحب إلى الله العملُ فيهنَّ من ليالي العشر.

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 0
  • 0
  • 2,485
المقال السابق
خصائص يوم الجمعة (3)
المقال التالي
خصائص يوم الجمعة (5)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً